قواعد الترجيح بين البينات في النزاعات العقارية

شارك

قواعد الترجيح بين البينات في النزاعات العقارية

رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص

من إعداد الباحث: جلال قرقاش

 

    تعد مسألة إثبات الملكية العقارية في ظل تعارض البينات والحجج التي يدلي بها الخصوم مجالا خصبا المنازعات، سيما أنها تشكل العائق الرئيسي والإشكال الحقيقي الذي يواجه الجهات المكلفة بالإشراف على حماية الملكية العقارية وتنظيمها وتسوية المنازعات المثارة بشأنها.

    لذلك تحتل قواعد الإثبات أهمية خاصة في المجال القانوني، فالحق بدون الدليل يتجرد من قيمته القانونية ويكون عند المنازعة فيه هو والعدم سواء.

     ولعل إثبات الملكية العقارية في القانون المغربي يتميز بخصوصية معينة، إذ يؤخذ بالسجلات العقارية كلما تعلق الأمر بالعقارات المحفظة فيقوم على مبدأ العينية، ومرد ذلك أن كل ما ضمن بالرسم العقاري يعتبر حجة قطعية ويستمد قوته من القوة التطهيرية لهذا الرسم.

     في حين أن إثبات ملكية العقارات غير المحفظة أو في طور التحفيظ فإنها تستمد عددا من أحكامها من الفقه الإسلامي عبر عدة مصادر فقهية سواء تعلقت بأمهات التصانيف، أو كتب النوازل وكتب الشروط والوثائق، وكذلك المختصرات الفقهية وشروحها والحواشي والتذييلات عليها.

    والتي تشكل منظومة شرعية متكاملة تضمن للمالك حقوقه في إطار ما يسمى بدعوى الاستحقاق، وجعلوا من مفهوم الحيازة اللبنة الأساسية للتملك.

للمزيد: حجية وسائل الإثبات الحديثة

      فقد اهتم فقهاء المذهب المالكي بالجانب الإثباتي في مجال التصرفات العقارية، حيث أولو لهذا الجانب اهتماما بالغا نظرا لما يشكله من خطورة على حقوق الأفراد والجماعات.

    فالقاضي الذي يعرض عليه النزاع لا يتهيأ له الوصول إلى الحقيقة ولا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل إلا بواسطة حجج وبراهين يقدمها الأطراف لإثبات ادعاءاتهم.

     ومنه يتعين على القاضي الذي ينظر في القضية أن يتولى فحص الحجج التي يدلي بها المتقاضون، والتعمق في دراسة كل واحدة على حدة، فلا يقبل منها إلا ما كان مستجمعا لشروطها الشرعية والقانونية.

    ثم يقع عليه المقارنة بين الحجج المتعارضة ليرجح من بينها الحجة الأقوى، وفي هذا الوضع لن يكون أمام القاضي سوى الاعتماد على القواعد الترجيحية التي اجتهد الفقهاء في وضعها.

      وقد كانت ولا تزال قواعد الترجيح بين البينات تحتل حيزا كبيرا في صلب الاجتهادات القضائية العقارية الصادرة عن المحاكم بشقيها القانوني والموضوعي، وبعد أن كانت هذه الضوابط مجرد قواعد فقهية بعيدة عن أي تقنين تشريعي باستثناء بعض الإشارات الواردة في القواعد العامة سواء الموضوعية أو المسطرية.

     ما كان يفرض على القاضي بدل جهد كبير لاستنباط هذه القواعد والاطلاع على تفصيلاتها وضبطها حتى يتسنى له معرفة البينة الراجحة على المرجوحة، وقد تدارك المشرع المغربي هذا الفراغ بوضعه إطارا قانونيا عاما لهذه القواعد، بنصه في المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية على عشرة قواعد على سبيل المثال.

    الأمر الذي يبقى معه القاضي ملزما ببدل مجهود أكبر للبحث عن قواعد أخرى وفق ما تقتضيه كل نازلة، مستعينا بما صاغه الفقهاء من أقوال ونظم، خاصة وأن القاضي لا يلجأ إلى إعمال هاته القواعد إلا عندما يستعصي عليه الجمع بين الحجج المعروضة عليه

الدليل العملي للعقار غير المحفظ

   ويتجاذب البحث في موضوع قواعد الترجيح بين البينات في النزاعات العقارية نطاقان، أحدهما مادي والآخر قانوني، وذلك على النحو الآتي:

      النطاق المادي: يعتبر موضوع قواعد الترجيح من أهم المواضيع في مجال الإثبات، فإن كان عبء الإثبات يترتب عليه مصير الدعوى، فإنه مع انتقال عبء الإثبات للطرف الآخر وتمكنهما معا من الإدلاء بحججهم يجعل قاضي الموضوع أمام تساوي كلا الحجتين، ليضعه أمام عدة خيارات؛ فإما أن يتمكن من الجمع بينهما أو طرحهما أو يسلك طريق الترجيح، وهذه الإمكانية الأخيرة تولى المشرع المغربي وقبله الفقه المالكي من وضع ضوابط محددة تنهي الخصومة وتسند الحق إلى صاحب الحجة القوية.

    وسينحصر البحث خاصة في قضايا إثبات ملكية العقارات غير المحفظة أو في طور التحفيظ وما يرتبط بهما من حقوق، إلى جانب القضايا المتعلقة بالميراث فيما ارتبط منه بإثبات الملكية العقارية.

     النطاق القانوني: للبحث في الموضوع كان لزاما علينا الانفتاح على مجموعة من القوانين المرتبطة بشكل أو بآخر بمجال إثبات المعاملات العقارية

المدخل الوسيط لدراسة الشريعة الإسلامية

يعد موضوع “قواعد الترجيح بين البينات في النزاعات العقارية” من المواضيع الدقيقة، خاصة وأنه يجمع بين ما هو فقهي وأصولي وبين ما هو قانوني، ولذلك فهو يكتسي أهمية خاصة، سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي.

               من الناحية العملية: فقد ظلت قواعد الترجيح راسخة في التطبيق القضائي عند فضه للمنازعات العقارية، رغم تطور جهاز القضاء لارتباطه المباشر بالواقع اليومي للأفراد، فاعتماد قواعد مضبوطة يزكي موقف المحكمة بالتزام الحياد وترجيح إحدى الكفتين وفق ما يتراءى لها في إطار سلطتها التقديرية في التمسك بالدليل الراجح وطرح المرجوح، وتخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض.

              من الناحية النظرية: تظهر أهمية الموضوع في الوقوف على مدى مساهمة مدونة الحقوق العينية في إرساء ضوابط فقهية لا تزال تحافظ على راهنيتها في العصر الحديث رغم ما أصبح يعرفه المجال العقاري من تطورات اقتصادية واجتماعية.

التدريب على تحرير الوثائق العدلية ـ ج 1 ـ

        إذا كان الغرض من سن المقتضيات القانونية الناظمة للعقار، هو توفير قدر من الحماية لهذا الأخير، فإن الإشكال الذي يطرحه الموضوع الذي نحن بصدده يتعلق بمدى حدود الحماية التي تحققها القواعد الترجيحية في ضبط الملكية العقارية وحماية الحقوق أثناء الفصل في النزاع.

وتتفرع عن هاته الإشكالية مجموعة من الأسئلة منها:

  • ما هي الضوابط التي تمكننا من التمييز بين الترجيح في إطاره الأصولي والترجيح في المجال القانوني؟

  • إلى أي حد ساهمت المصنفات الفقهية في تكريس ضوابط الترجيح على المستوى القانوني والقضائي؟

  • ما المقصود بالتعارض في مجال الترجيح؟

  • أي دور يلعبه القاضي في الترجيح، بين سلطته في الجمع بين الحجج المتعارضة واللجوء إلى إعمال قواعد الترجيح؟

  • ما هو الدور الذي تلعبه وسائل الإثبات الحديثة في تحديد البينة الراجحة؟

            على أن الدراسة ستتم في ضوء تقسيم ثلاثي، يقوم على توزيع عناصر الموضوع على فصلين على النحو الآتي:

الفصل الأول: القواعد الشكلية للترجيح

الفصل الثاني: القواعد الموضوعية للترجيح

مع تمهيدهما بجملة من الأحكام العامة، التي يمكن اعتبارها مدخلا أساسيا إلى قواعد الترجيح.

اترك رد

error: Content is protected !!