عقد التجارة الالكتروني الدولي
مقدمة
يشهد المجتمع اليوم ثورة معلومات واتصالات أدت إلى تحولات جذرية في مفاهيم مختلفة، بحيث تعتبر أكثر المجالات التي تأثرت بهذا التطور المعاملات التجارية، إذ ظهرت فكرة التجارة الإلكترونية le commerce electronique))والتي يقصد بها المعاملات التجارية التي تتم باستخدام تكنولوجيا المعلومات وشبكات الاتصال.
فالعالم عرف تقدما علميا وتكنولوجيا هائلا ما بعد القرن التاسع عشر، تمثل أساسا في ظهور الحاسب الآلي، هذا الأخير شكل ثورة حقيقية في ميدان المعلومات وعلى إثره بدأ الحديث عن الإنسان المعلوماتي.
ويعتبر ميلاد وازدهار المعاملات والفضائيات والحاسبات الآلية والمعلوماتية عبر شبكة الانترنيت حيث أصبح العالم عبارة عن قرية واحدة، ولما كان استغلال الوسائل الحديثة للاتصال في إبرام العقود، قد بدأ منذ ظهور الهاتف والفاكس والتلكس، فإن حجم هذه المعاملات كان محدودا في ظل غياب الإطار القانوني المنظم للتعاقد عبر هذه الوسائل من جهة، ولعدم توفر عنصر الثقة في المعاملات المنجزة باستخدامها من جهة أخرى[1].
إقرأ المزيد: قواعد الترجيح بين البينات في النزاعات العقارية
لكن مع اكتشاف الحاسب الآلي[2] ،بدأت المسألة تأخذ مجرى آخر بفضل فعالية هذا الجهاز وقوة استخداماته المتعددة، إذ في بادئ الأمر كان استخدامه يهم معالجة البيانات وتخزينها فقط، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى استخدامه في تبادل المعلومات المخزنة فيه،وهو ما أدى إلى ظهور شبكات للمعلومات، فهي عبارة عن شبكات مغلقة يكون استخدامها مخصصا لأغراض معينة وتكون متاحة لاشخاص معينين يوجد بينهم اتفاق مسبق.
وبذلك يصبح الدخول إلى هذه الشبكة محظورا بين فئة معينة من الأشخاص كما هو الشأن بالنسبة لشبكات الربط التي تحدثها شركات مع وبين فروعها بقصد إرسال وتبادل المعلومات المتعلقة بالعمل أما الثانية فهي عبارة عن شبكات مفتوحة يكون استخدامها عبر الوسائل التي يتطلبها أن يستعمل هذه الشبكة العنكبوتية ويستفيد من مختلف خدماتها المتنوعة والمتعددة باعتبارها شبكة دولية تمكن من ربط الاتصال بين ملايين من الناس.[3] بل الأكثر من ذلك أصبح الإنترنيت من بين أهم الوسائل استخداما في إبرام العقود، بحيث تعتبر التجارة الإلكترونية والتي عرفت انتشارا مكثفا، توفر تقنية هذه العقود قدرة التعاقد على الشبكة والحصول على الخدمات بأرخص الأسعار من خلال قوائم اختيار معروفة وواسعة ومن أي موقع للموردين.
وقد قامت بعض الدول بتنظيم مجال المعاملات الإلكترونية مثل فرنسا – دبي- البحرين- وكذا المشرع المغربي الذي نظم قانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية رقم 53.05 ويعتبر هذا القانون سابقة في تاريخ المنظومة التشريعية المغربية.
كما قامت أيضا بعض المنظمات الدولية المختصة بإصدار قوانين نموذجية تنظم المعاملات الإلكترونية ومنها على الخصوص، منظمة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي “الأونسترال” التي أصدرت القانون النموذجي للتحويلات الدائنة الدولية في 1992 ينظم تحويل الأموال بواسطة الحاسبات الالكترونية، والقانون النموذجي للتجارة الإلكترونية سنة 1996 الذي يركز على التبادل الالكتروني لرسائل البيانات وإعداد العقود بواسطة الحاسب الآلي، القانون النموذجي للتوقيعات الالكترونية لسنة 2001 الذي يختص بتنظيم هذه التوقيعات .
الدليل العملي للعقار غير المحفظ
ومن هنا تكمن أهمية موضوع إن على المستوى النظري، أو على المستوى العملي.
فعلى المستوى النظري: أمام عدم كفاية القوانين الوطنية في تنظيم العقود التجارية الالكترونية، مما أدى إلى عقد مجموعة من المؤتمرات الدولية لمعالجة المشاكل القانونية التي تثيرها المعاملات الالكترونية، بحيث انتهت بإعداد مجموعة من القوانين كالقانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة1996، والقانون النموذجي في شأن التوقيع الإلكتروني لسنة 2001.
أما على المستوى العملي، فتكمن أهمية الموضوع في سرعة وسهولة تقريب المعاملات التجارية بين الأطراف المتواجدة في بلدين مختلفين، خصوصا وأن هذه العقود تبرم في عالم افتراضي لا يعترف بالحدود الجغرافية.
ولمعالجة هذا الموضوع ارتأينا طرح الإشكالية مفادها :
إلى أي حد ساهمت العقود الإلكترونية في تنظيم المعاملات التجارية، خصوصا أمام صعوبة في تسوية النزاعات الناتجة عنها؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: الإطار القانوني للعقد التجاري الإلكتروني الدولي .
المبحث الثاني: طرق تسوية النزاعات الناتجة عن عقد التجاري لإلكتروني الدولي
المبحث الأول: الإطار القانوني للعقد التجاري الإلكتروني الدولي
بداية يمكن القول بأن العقد التجاري الإلكتروني هو اتفاق بين طرفي العقد من خلال تلاقي الإيجاب والقبول عن طريق استخدام شبكة المعلومات سواء في تلاقي الارادتين أو في المفاوضات العقدية أو التوقيع أو أية جزئية من جزئيات إبرامه سواء أكان هذا التصرف في حضور طرفي العقد في مجلس العقد أو من خلال التلاقي عبر شاشات الحاسب الآلي أو أية وسيلة إلكترونية سمعية أو بصرية.[4]
فانطلاقا من هذا التعريف يتبين أن للعقد التجاري الإلكتروني الدولي خصوصيات ينفرد بها (مطلب أول) كما أن له طبيعة قانونية خاصة (مطلب ثاني).
مطلب أول: خصوصيات العقد التجاري الإلكتروني الدولي
إن العقد التجاري الإلكتروني ينعقد وفق القواعد العامة التي تبرم بها العقود التجارية عادة، لكن بحكم الوسيلة الإلكترونية التي ينشأ بموجبها تجعله ينفرد بمجموعة من الخصوصيات سواء من حيث الطريقة التي ينعقد بها هذا العقد (الفقرة الأولى) ثم كونه من العقود التي تتم عن بعد ( الفقرةالأولى).
الفقرة الأولى: العقد الإلكتروني في ضوء الطريقة التي ينعقد بها
إن خاصية الطريقة التي ينعقد بها العقد تتمثل أساسا في كون أنه يتعين على المشترك من أجل إبرام العقد عبر شبكة الانترنيت أن يكون متصلا بهذه الشبكة، وتبرز هذه الخصوصية كذلك في كون أنها شبكة دولية تعمل بفضل البنية التحتية للاتصالات عن بعد ،وبالتالي فالأنترنيت هي شبكة دولية للاتصالات عن بعد،reseau internationational de télécommunication.
وفي الإطار الطريقة التي ينعد بها العقد الالكتروني الدولي سوف يتم التطرق لكل من الإيجاب والقبول وكذا الكتابة .
-الإيجاب والقبول:
فبخصوص الإيجاب يعرف هذا الأخير بأنه التعبير البات المنجز الصادر من أحد المتعاقدين ، والموجه إلى الطرف الآخر بقصد إحداث أثر قانوني، ويعتبر الإيجاب الخطوة الأولى في إبرام كافة العقود ومنها عقد البيع، إذ يفتح الباب أمام احتمال وجود العقد عند صدوره. [5]
أما الإيجاب الإلكتروني فقد عرفه التوجه الأوروبي : أنه كل اتصال عن بعد يتضمن كافة العناصر اللازمة لتمكين المرسل إليه الإيجاب من أن يقبل التعاقد مباشرة ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان.
ووصف الإيجاب الإلكتروني لا يختلف عن الإيجاب التقليدي فكل ما هناك كونه مجرد وصف لا أكثر بسبب اختلاف وسيلة التعبير عن الإرادة في تعاقد يتم إلكترونيا عن طريق شبكة الأنترنيت.
فالإيجاب الالكتروني لا يخضع لأي شروط شكلية، حيث من الممكن أن يكون شفويا أو مكتوبا أو بأية وسيلة كانت. وكما يشترط أن يكون واضحا ومحددا ولا يشوبه أي غموض ويجب أن يتضمن كل العناصر الأساسية لإبرام العقد وذلك بالرغم من عدم ذكرها في إطار التعريف الذي جاء به التوجه الأوربي مثلا: تحديد المبيع والثمن وكما يجب أن يتصل الإيجاب بعلم من وجه إليه.
وبشأن تحديد الإيجاب تختلف الآراء حيث تعتبر بعض القوانين أن العرض الموجه للجمهور عن طريق الإعلانات مثلا يفقد صفة التحديد وبالتالي لا يعد إيجابا. في حين تذهب قوانين أخرى ومنها القانون الفرنسي والقانون الإنجليزي إلى عكس ذلك، إذ تجيز توجيه الإيجاب إلى العالم كله.[6] ولتوضيح ذلك، في الأول يعلن المنتج عن السلعة في التلفاز أو الصحف أو الراديو ويدعو الجهور إلى شرائها إن هذا العرض لا يمثل إيجابا لأنه غير موجه إلى شخص معين أو أشخاص معينين.
وفي الثاني يعرض المنتج سلعته واصفا إياها ومحددا مزاياها وثمنها، ويعلن استعداده لإرسالها إلى كل من يطلب شرائها بالشروط المبنية في الإعلان حيث يمثل هذا العرض إيجابا صحيحا في الالتزام بالتعاقد مع كل شخص يبدي قبوله.
وقد نص القانون رقم 53.05 في المادة 65-4 على الإيجاب البات في العقود الإلكترونية فاشترط صدوره علنا فضلا عن توضيح مجموعة من البيانات الأخرى.
وإذا كان الإيجاب وفقا للقواعد العامة، لا يكون ملزما بذاته إلا إذا اقترن بميعاد صريح أو ضمني إلا أنه في الإيجاب الإلكتروني، جعل المشرع المغربي الإيجاب ملزما للموجب طيلة المدة المحددة في العرض، وفي حالة عدم تحديده فإنه يظل ملزما به طالما ظل ولوج العرض متيسرا بطريقة الكترونية نتيجة فعله (الفقرة الثانية من الفصل 65-4).[7]
أما بخصوص القبول: فيعرف بكونه التعبير البات عن إرادة الطرف الذي وجه إليه الإيجاب الذي يفيد موافقته على الإيجاب الذي ما يزال قائما.
و القبول الإلكتروني يتوافق مضمونه مع المعنى السابق، كل ما في الأمر أنه يتم من خلال وسيط الكتروني، ويصدر في الغالب الراجح من المستهلك ويتم عن بعد ويكون مطابقا للإيجاب.[8]
ويتم إرسال القبول إلى الموجب الذي أرسل إيجاب، لترتبط إرادة طرفي العقد وإبرام التعاقد، أما إذا تم توجيه الإيجاب إلى شخص محدد أو فئة بذاتها، فيجب صدور القبول من هؤلاء الأشخاص فقط دون غيرهم لأن التعاقد مقتصر عليهم دون سواهم، أما إذا كان الإيجاب عاما موجها للكافة، فيحق لأي شخص يرغب بالتعاقد إرسال القبول وإبرام العقد، لأنه لم يقتصر على فئة محددة وإنما تم إرساله للكافة، إلا إذا احتفظ الموجب لنفسه بحق الموافقة على من أراد التعاقد معه.[9]
وقد عالج المشرع المغربي القبول في القانون رقم 53.05 تحت عنوان إبرام عقد بشكل إلكتروني، وذلك في الفرع الثالث مخصصا له فصل واحد وهو الفصل 65-5 حيث جاء فيه ما يلي: “يشترط لصحة إبرام العقد أن يكون من أرسل العرض إليه قد تمكن من التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه ومن السعر الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء المحتملة، وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير عن قبوله.
يجب على صاحب العرض الإشعار بطريقة إلكترونية ودون تأخير غير مبرر بتسلمه قبول العرض الموجه إليه.
يصبح المرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه ويعتبر قبول العرض وتأكيده والإشعار بالتسلم متوصلا بها إذا كان بالإمكان للأطراف المرسلة إليهم الولوج إليها”.
وانطلاقا من هذا الفصل يتبين أن المشرع جعل القبول في العقد الإلكتروني يخضع لشكل معين وذلك حتى ينعقد العقد وفق الشكل التالي:
- في بادئ الأمر يقوم من وجه إليه الإيجاب باختيار البضاعة التي يريدها عن طريق النقر في الخانة المحددة.
- ثم بعد ذلك يقوم صاحب الإشعار بطريقة إلكترونية ودون تأخير غير مبرر، بتلمسه قبول العرض الموجه إليه.
- وفي الأخير يعتبر قبول العرض وتأكيده والإشعار بتسلمه ملزما بشكل لا رجعة فيه.
وهكذا فالعقد الإلكتروني ينعقد بتوصل الموجب بقبول الموجب له، شريطة أن يكون بالإمكان الأطراف المرسلة إليهم الولوج إليها.
-الكتابة في العقد التجاري الإلكتروني الدولي
تبرز خاصية الشكلية في العقد التجاري الإلكتروني، وذلك بخلاف العقد العادي الذي يبرم تقليديا بالكتابة أو باللفظ شفاهة أو بالإشارة، بكونه يبرم تقنيا بالكتابة الإلكترونية والوسائط أو الدعائم الإلكترونية.
وبذلك فالعقد الإلكتروني يتم باتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على الخط، ويتم ذلك بصور عديدة، بحسب محتوى النشاط التجاري ووسائل التعاقد المقررة على الموقع، أشهرها العقود الإلكترونية على الويب، وكذلك التعاقد بالمراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني حيث تلتقي إرادة المنتج أو البائع مع إرادة الزبون ويبرم الاتفاق على الخط.[10]
محاضرات في الاثراء على حساب الغير
إن الكتابة لا تكون مطلوبة فقط لإثبات العقد، وإنما أيضا لانعقاده صحيحا، بحيث لا ينعقد العقد إذا لم يستوف الشكلية المطلوبة لانعقاده ولا يكون له أي وجود قانوني إذا لم يتم في الشكل الكتابي الذي يتطلبه القانون، وبذلك تكون الكتابة عنصرا أساسيا في العقد.[11]
في فرنسا و بعد صدور قانون 2000-230[12]،في شأن تطوير قانون الإثبات والمتعلق بالتوقيع الالكتروني،ذهب البعض إلى أن الشكلية التي يتطلبها القانون لانعقاد العقد أو التصرف سواء بالكتابة أو التوقيع لا يمكن أن يستغنى عنها بالكتابة الالكترونية أو التوقيع الالكتروني،و أن التعديل الفرنسي لنص المادة 1316/1 من القانون المدني الفرنسي تتحدث عن الكتابة الالكترونية و التوقيع الالكتروني كوسيلة للاثبات فحسب، ولم يكن القصد التضحية بالشكلية في الأحوال التي يوجبها القانون لانعقاد التصرف أو العقد[13].
وفي هذا الصدد نجد من اتجه إلى أن الكتابة لم تعد كوسيلة أو أداة للإثبات بل أصبحت تشكل ركنا في التصرف أو شرط لصحته، وهذا ما تؤكده المادة 1316[14] من القانون المدني الفرنسي.
وعند الرجوع للمشرع المغربي في إطار القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للبيانات القانونية، نجد المادة 1-2 تنص على أنه يجوز كتابة جميع العقود بطريقة إلكترونية ومحيلا في كتابتها على الشروط الواردة في الفصلين 417-1 و 2-417 وهي المتعلقة بإثبات العقود بالكتابة الإلكترونية، وبهذه الإحالة يكون المشرع قد جعل كتابة العقد الإلكتروني كشكل للإثبات وليس للانعقاد.
بالاظافة الى الطريقة التي ينعقد بها العقد الالكتروني الدولي، فماذا عن خاصيته كعقد من العقود التي تتم عن بعد؟
الفقرة التانية : العقد الالكتروني من العقود التي تتم عن بعد
إن أهم ميزة في العقود الإلكترونية كونها تتم عن بعد وذلك بواسطة وسائل الاتصال الحديثة، أيا كانت طبيعتها، وهي ميزة لا خلاف بشأنها لدى الفقه، فالعقد الإلكتروني هو عقد ينعقد أو ينفذ دون حضور مادي معاصر الأطراف المتعاقدة بتقنية الاتصال عن بعد، فيتم التفاعل بين الإيجاب والقبول بواسطة وسائل مختلفة أهمها الأنترنيت وجدير بالذكر أنه على الرغم من انتماء العقد المبرم عبر الأنترنيت للعقود الإلكترونية التي تبرم عن بعد، إلا وله سمات خاصة ستترتب عليها بعض النتائج القانونية المختلفة، ذلك أن العقد الذي يبرم عن بعد يقتضي عدم حضور مادي متعاصر للمتعاقدين، في حين أن شبكة الأنترنيت تسمح بحضور افتراضي متعاصر كما تسمح بأداء بعض الخدمات على الشبكة فورا مثل برامج الكمبيوتر وكذا إمكانية الوفاء على الخط.[15]
خصوصا تلك المتعلقة بحماية المستهلك إذا انعقد بين مهني وبين طرف ثان لا يتعاقد في نطاق نشاطه المهني، إذ يجب على المهنيين الالتزام بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة التي تساهم في معرفة المستهلك بخصائص السلع أو الخدمات، وكيفية استعمالها، والاستفادة منها، ويعد إخفاء المهني لخصائص السلعة من قبيل الغش الذي يستوجب معاقبته.[16]
وهذا الإلتزام من جانب المهني يقابله التزام آخر من جانب المستهلك، يتمثل بالاستعلام بمعنى ألا يتخذ موقفا سلبا، بل عليه أن يبادر القيام بمعرفة الشيء الذي يقدم في التعامل معه.
وتأكيدا لحماية المستهلك في إطار العقود المبرمة عن بعد، قرر القضاء الفرنسي إلزام البائع بتبصير المشتري وإلزامه أيضا تعويض الأضرار التي قد تلحقه، فضلا عن فسخ العقد إذا طلب المشتري. وهذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية أنه “كان يجب على البائع المهني، حث انتباه المشتري حول حقيقة المبيع، حيث أغفل تنبيهه لذلك، فإنه يعتبر قد أخل بالتزامه بالإعلام اتجاه المشتري، ومن تم قررت المحكمة مسؤوليته وقضت بفسخ العقد بناءا على طلب المشتري. وما قررته محكمة الاستئناف أيضا، من “إدانة بائع أجهزة الحاسب الآلي، لإخلاله التزام بالإعلام والنصيحة تجاه عمليه المشتري العادي وعدم مساعدته في اختيار الجهاز المناسب له، خاصة وأن المشتري ليس خبير في هذا المجال.
انطلاقا من ذلك نلاحظ أن للعقد الالكترونب خصائص يمتاز بها،كما أن له طبيعة قانونية خاصة.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للعقد التجاري الإلكتروني
إن العقود الإلكترونية التي تبرم بين الأطراف قد تتعلق بالبيع أو الشراء أو الإيجار، فمتى كان موضوعها سلعة استهلاكية يحتكرها شخص أو جهة ما، وقام هذا الشخص أو هذه الجهة بوضع عقد على الطرف الآخر إما أن يقبله أو يرفضه دون حق مناقشته أو تعديله، كان العقد عقد إذعان (فقرة أولى)، أما إذا كانت هناك مساواة فعلية أو قانونية بين أطرافه، وتجري المناقشة والمساومة في بنوده وشروطه من قبل المتعاقدين فاعتبر العقد عقدا رضائيا (فقرة تانية).
الفقرة الأولى: العقد الإلكتروني من عقود الإذعان
إن القول بكون عقد التجارة الالكترونية من عقود الإذعانcontrat d’adhésion يستند إلى حقائق موضوعية، وهي أن المهني (الموجب) في مركز اقتصادي ومعلوماتي قوي، وأن العقد يتعلق بسلع أو خدمات لا غنى عنها للمستهلك الذي يسعى لتلبية حاجاته الشخصية أو حاجات أسرته، فهي ضروريات ليس له العزوف عنها، فضلا عن أن الإيجاب الإلكتروني يعد عاما ودائما. بحيث يبث إلى جمهور غير محدد من المستهلكين ولوقت غير محدد وتتم صياغة مضمونة بما تحتويه من بنود (أو شروط) في قالب نموذجي تتسم الصياغة فيه بالتطرق لمسائل فنية، دقيقة كعنوان للعلاقات العقدية الحديثة التي تفتقر إلى الوضوح، وان كانت واضحة يتيسر فيها بالنسبة للمستهلك العادي.[17]
وبذلك فالمستهلك أثناء إبرام العقد يجد نفسه أمام شروط لا يمكن العدول عنها أو تعديلها، حينها يكون مجبرا بالتعاقد.
فقد يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب، والقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مناقشة ومفاوضة بل هو موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو أن يدع، ولما كان في حاجة للتعاقد على الشيء لاغتناء عنه، فهو مضطر إلى القبول فرضاءه موجود ولكنه مفروض عليه، ولذلك سميت هذه العقود بعقود الإذعان.[18]
بحيث أن الإكراه في عقود الإذعان ليس إكراها في عيوب الإرادة بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر من اتصاله بالعوامل النفسية. فهذا النوع من العقود لا سيما عقود الإذعان لها بعض الخصائص أو سمات معينة يجب أن تتوافر فيها وهي:
1-تعلق العقد بسلع أو مرافق تعد من الضروريات بالنسبة إلى المستهلك أو المنتفعين.
2-احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكارا قانونيا أو فعليا أو على الأقل سيطرته تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق.
3-صدور الإيجاب إلى الناس كافة، وبشروط واحدة على نحو مستمر أي لمدة غير محددة، وغالبا ما تكون في صورة مطبوعة تحتوي على شروط مفصلة لا تجوز المناقشة فيها وأكثرها لمصلحة الموجب أي البائع أو المنتج مثلا، فهي تارة تخفف من مسؤولية التعاقدية، وأخرى تشدد مسؤولية الطرف الآخر.
وقد اختلف الفقهاء ما بين مؤيدين و معارضين لكون عقود التجارة الالكترونية عقود اذعان أم لا، فذهب الاتجاه المؤيد الى اعتبار بعض العقود الالكترونية من تطبيقات عقود الاذعان و تمثل هذا الاتجاه بالفقه الانجليزي و الفرنسي الحديث و كذلك الآمر في التشريعات المنظمة للتجارو الالكترونية كمشروع قانون المعاملات الالكترونية المصري لسنة 2001 الذي نص في المادة 18 منه على ما يلي : “تعتبر العقود النمطية المبرمة الكترونيا من عقود الاذعان في مفهوم القانون من حيث تفسيرها لمصلحة الطرف الذعن و جواز ابطال ما يرد فيها من شروط تعسفية و يعد شرطا تعسفيا كل شرط من شأنه الاخلال بالتوازن المالي للعقد و كل شرط يتضمن حكما لم يجر به العرف”[19].
وهناك اتجاه آخر، وهم غالب فقهاء القانون المدني يرون بأن عقود الإدعان من العقود الحقيقية التي تتم بتوافق إرادتين، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود وكون أحد المتعاقدين في مركز قانوني أضعف من الآخر فذلك مرجعه إلى عوامل اقتصادية وليست اعتبارات قانونية.
الفقرة التانية: العقد الإلكتروني عقدا رضائيا
فالتراضي هو تطابق الإيجاب والقبول كتعبير عن إرادة طرفي العقد، ويلزم لتوافر الرضا في العقد، حتى ولو كان إلكترونيا أن توجد الإرادة في كل من طرفيه وأن تتجه إلى إحداث الأثر القانوني المقصود منه.
ويتطلب وجود الإرادة اتجاه فكر الشخص إلى إنشاء رابطة ملزمة وانعقاد عزمه على اتخاذ العقد كوسيلة لتحقيق عرضه، فالإرادة عمل نفسي يفيد انعقاد العزم على إبرام العقد، ولتوافر الرضا لابد من خروج الإرادة من النفس البشرية إلى العالم الخارجي الملموس وذلك بالمظاهر المادية الدالة عليها من كلام وكتابة وإشارة وغيرها.[20]
وبذلك التراضي في التعاقد يتوقف على تلاقي التعبير عن اتجاه إرادتين وهذا ما يتوقف بدوره على صدور إيجاب وقبول للتعاقد من ناحية وعلى تلاقي في هذا القبول بالإيجاب من ناحية أخرى، فإذا لم يتم تلاقي تعبير عن الإرادة تتوافر له مقومات الإيجاب، بتعبير عن الإرادة تتوافر له مقومات القبول. لن يتحقق تلاقي التعبير على اتجاه إرادتين متطابقتين إلى التعاقد، وبالتالي لن يتحقق التراضي ولن ينعقد العقد.
فلا يكفي وجود الإرادة، نظرا لأنها أمر باطني لا يمكن التحقق من وجوده بل لابد من وجود ما يدل عليها، وبذلك فهذا يعني أهمية التعبير الدال على وجود الإرادة، على اعتبار أن التعبير هو المظهر المادي الدال على وجودها، بحيث نجد أن جوهر الرضا يتمثل في الإرادة، فلا يقصد التعبير لذاته وإنما هو دليلا على وجود هذه الإرادة. وبذلك فليس لإبرام العقد صيغة معينة أو عبارات لابد من استخدامها .
قضاء المجلس الأعلى العدد 32
وبتسليط الضوء على العقد الإلكتروني ستتضح كيفية التعبير عن الإرادة في حالة إبرامه ومدى تطبيق القواعد العامة في ظل بعض قوانين المعاملات الإلكترونية، فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 11 من قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية جواز استخدام رسائل البيانات للتعبير عن الإرادة، لتشمل جميع المعلومات التي يتم تبادلها سواء كانت عروضا أو توقيعات أو قبولا أو أي شيء من هذا القبيل في شكل غير ورقي، وبالعودة إلى مدلولات هذه المادة نجد أنها لا تتناول مسألة تكوين العقود فحسب بل تتناول أيضا الشكل الذي يمكن أن ينشأ العقد ويتكون أو يتم رفض الإيجاب بواسطة الأنترنيت.[21]
بحيث يرى أنصار هذا الاتجاه أن العقد الالكتروني عبارة عن عقد رضائي بعيد كل البعد عن عقود الاذعان، و ذلك لأن عملية المساومة تسود هذا العقد على اختلاف أنواعه حيث أن الموجب له لايقتصر دوره على مجرد الموافقة على الشروط المعروضة، فاذا كان ابرام العقد عن طريق الأنترنيت يمكن الموجب له الانتقال من موقع لآخر مع اختيار ما يشاء و ترك ما يشاء مما يعني الرضائية تسود هذا العقد،وخاصة اذا كانت السلعة محل العقد غير محتكرو من شخص ما أو جهة ما و يمكن التفاوض على بنود العقد فيما بين الموجب و الموجب له و طالما أن السلعة أو الخدمة ليست أساسية مثل توريد المياه و الكهرباء[22].
وقد جاءت المادة 10 من المشروع الأولي للاتفاقية بشأن العقود (الدولية) المبرمة أو المثبتة برسائل بيانات تحت عنوان استخدام رسائل البيانات في تكوين العقد، وهذا يعني جواز التعبير عن الإرادة عن طريق إرسال رسائل بيانات إلكترونية من جهاز حاسوب إلى آخر أو عن طريق رسالة التلكس أو فاكس أو غير ذلك من الوسائل المبتكرة، مع ترك الحرية للأطراف للاتفاق على غير ذلك فمن الممكن أن يشترط الأطراف تعزيز رسالة البيانات بأخرى مكتوبة خلال فترة زمنية معينة لترتيب الأثر القانوني المشار إليه وهذا ما يفهم من عبارة (ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك).
ومما سبق نجد أنه لا يمكن اعتبار العقد الالكتروني من عقود اذعان بشكل مطلق أو من العقود الرضائية، و لكن يجب النظر الى كل عقد على حدة و تصنيفه ما اذا كان عقدا رضائيا أم اذعانا. و ذلك بحسب محل هذا العقد و طريقة ابرامه، فاذا لم تتوافر الشروط التي يمكن من خلالها اعتباره عقد اذعان يبقى عقدا رضائيا،و في حالة توافر هذه الشروط يعتبر اذعانا.
وكخلاصة لهذا المطلب يمكن القول بأن العقد التجاري الإلكتروني الدولي بالرغم من خضوعه للقواعد العامة التي تبرم بها كافة العقود الأخرى، إلا أن له خصوصية يمتاز بها وذلك راجع إلى الوسيلة التي ينعقد بها هذا الأخير، سواء من حيث إبرامه أو انعقاده، وكذلك من حيث طبيعته القانونية.
واذا كان الأمر كذلك بخصوص الاطار القانوني للعقد التجاري الالكتروني، فان السؤال المطروح كيف يمكن تسوية النزاعات الناتجة عن هذا العقد؟
المبحث الثاني: طرق تسوية النزاعات الناتجة عن العقد الإلكتروني
إن عقود التجارة الإلكترونية الدولية تثير العديد من الإشكالات في القانون الدولي الخاص، إذ من الطبيعي أن تثور نزاعات بين أطراف هذه العقود تبتدئ بإشكال تحديد القانون الواجب التطبيق عليها (المطلب الأول)، ثم إشكال تحديد الجهة القضائية المختصة بتسوية المنازعات التي تنشأ عن هذا النوع من العقود، ومن ثم مدى قدرة القضاء على حل هذه المنازعات، أم التحكيم الإلكتروني (المطلب الثاني) هذا المولود الحديث الذي ظهر بموازاة مع العقود الدولية للتجارة الإلكترونية.
المطلب الأول: القانون الواجب التطبيق
من المعلوم أن قواعد الإسناد تقوم أساسا على تركيز العقد مكانيا ضمن دائرة أحد القوانين المتنازعة، وبناء على إحدى مؤشراتها في بلد القاضي الذي ينظر في النزاع والذي يتأتى على ضوئه تطبيق قانون المكان أو البلد الذي يرتبط به العقد بأوثق الروابط.
وبذلك تطبيق قواعد الإسناد باستثناء الإرادة الصريحة أو الضمنية على العقود الدولية للتجارة الالكترونية أصبحت تتعارض مع الطبيعة التي تقوم عليها التجارة الالكترونية العابرة للحدود مما دفع بالبعض إلى الاستغناء عن القواعد التقليدية وتطبيق القواعد الموضوعية المباشرة.
في هذا الصدد سوف يتم التطرق (الفقرة الأولى) البحث عن القانون الواجب التطبيق عبر قواعد المنهج التنازعي، ثم (الفقرة التانية) القواعد المباشرة كحل للمنازعات الناشئة العقد التجاري الالكتروني الدولي.
الفقرة الأولى: القانون الواجب التطبيق عبر قواعد المنهج التنازعي
أمام الطريقة التي يبرم بها العقد التجاري الالكتروني الدولي، الأمر الذي يؤدي إلى اختراق المعاملات للحواجز الإقليمية للدول. مما يدفع إلى التساؤل عن المعايير التي يعتمد عليها القاضي الوطني عند بحثه للقانون الواجب التطبيق في حالة انعدام الإرادة الصريحة أو الضمنية.
أولا-التجارة الدولية الإلكترونية وانهيار فكرة الحدود
من المعلوم أن قواعد الإسناد المنصوص عليها في القوانين الداخلية للدول والاتفاقيات الدولية تحدد القانون الواجب التطبيق إلا أن تلك القواعد تعتبر غير ملائمة لتسوية المنازعات المتعلقة بالمعاملات والعقود الدولية الالكترونية وخصوصا التي تتم عبر شبكة الانترنيت ويرجع ذلك إلى خصوصية البيئة التي تبرم فيها هذه العقود مما يجعل تركيزها في منطقة جغرافية معينة مسألة خلافية الأمر الذي من شأنه أن يجعل تطبيق قواعد الاسناد التقليدية التي يقوم على أساسها تحديد القانون الواجب التطبيق مسألة صعبة ومعقدة في حين أن ازدهار التجارة الالكترونية يتطلب خضوعها لنظام قانوني معروف سلفا لأطرافها ويرتبون على أساسه مواقفهم وتتحدد على ضوئه حقوقهم والتزاماتهم.[23]
هذا ما جعل بعض الفقه يؤكد على أن الأسس التي يقوم عليها منهج تنازع القوانين وخاصة الحدود السياسية والسيادة، غير ملائمة مع العقود التجارية المبرمة الكترونيا خاصة، والتجارة الالكترونية بصفة عامة، فغالبا ما يتم إبرام هذه العقود عبر الانترنيت وهذه الأخيرة تعتبر عالم افتراضي غير مادي لا يمكن حصره في إقليم دولة معينة، ولا منطقة جغرافية معينة، حيث تتجاوز الحدود الإقليمية لتجعل من الدول قرية واحدة بفعل التزواج الذي تم بين تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات وبذلك فبوجود شبكة الانترنيت أدى إلى وجود عالم افتراضي له أدواته وأشخاصه.
تانيا-التحديد القضائي لقانون العقد في حالة تخلف الإرادة الصريحة أو الضمنية
يعد الاختيار الصريح للقانون الواجب التطبيق من قبل الأطراف من أهم الوسائل لحل إشكال تنازع القوانين وفي حالة عدم الاتفاق أو التنصيص عليه في العقد يكون لزاما البحث في إرادة الأطراف من أجل استخلاص القانون الواجب التطبيق، وذلك بالرجوع إلى ملابسات وظروف التعاقد أو ما يعرف بالاختيار للأطراف فمثلا اختيار الأطراف لعقد نموذجي يفيد اتجاه إرادة الأطراف نحو اختصاص قانون الدولة الذي وضع وفق قانونها العقد النموذجي.[24] كما يمكن اعتماد ضوابط أخرى كقانون بلد إبرام العقد(أ) أو قانون مكان تنفيذ العقد (ب).
1- قانون بلد إبرام العقد
إن قانون بلد إبرام العقد لم يعد مناسبا مع تطور التجارة الالكترونية، بحيث تعددت صور التعاقد بين غائبين، وذلك راجع إلى استعمال الوسائل الإلكترونية بشكل مكثف كالتلكس والفاكس والانترنيت، مما أصبح يشكل صعوبة أمام قانون محل الإبرام، لأن الشخص قد يتعاقد وهو في رحلة عابرة في طائرة أو سيارة أو قطار، مما يؤدي إلى صعوبة تحديد بلد الإبرام وبهذا يمكن القول أن قانون محل الإبرام صعب التطبيق في مجال التعاقد عن طريق الأنترنيت.
2- قانون محل التنفيذ
إن تحديد محل تنفيذ العقد يعتبر أمرا صعبا، خصوصا في إطار العقد التجاري الالكتروني الدولي وعندما يتعلق الأمر بأشياء غير مادية كالعقود التي تبرم على الخط حيث يصعب توطين العقد وبالتالي تحديد مكان تنفيذه.
قضت محكمة الاستئناف بباريس في حكم لها بأن مكان تنفيذ عقد خدمات المعلومات المبرم عبر الأنترنيت بين المستخدم ومورد الخدمة هو مكان موطن المستخدم أي مكان ربط المستخدم بالشبكة إلا أن هناك من اعترضه على اعتبار أن تركيز الأداء في موطن المشتري لا يكون فعالا لأن المشترك قد يكون مرتبطا من خلال كلمة مرور عبر حاسب يقع خارج موطنه بالإضافة إلى أنه يمكن قبول هذا الحكم بشأن العقود التي تنفذ لحظيا قبل تحميل برامج أو أسطوانة موسيقية لأنه يتم في حاسب المستخدم الموجود في موطنه أما بالنسبة لعقود خدمات المعلومات فهي عقود مستمرة ليست وقتية وبالتالي يمكن قبول هذا الحكم كقاعدة عامة.[25]
الفقرة التانية: القواعد المباشرة كحل للمنازعات الناشئة عن العقد التجاري الالكتروني الدولي
في إطار القواعد المباشرة كحل المنازعات الناشئة عن العقد التجاري الالكتروني، يمكننا الحديث عن قانون خاص دولي الكتروني(أولا)، وفعاليت في حل منازعات العقود التجارية الدولية(تانيا)
أولا-القانون الموضوعي الدولي الالكتروني
تعد قواعد الاسناد ومنهجها وسيلة غير مباشرة وغير محددة المضمون (…) غالبا تستخدم اليات معقدة طويلة تتجاهل خصوصية العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي في معظم الأحيان ويشكل القانون الموضوعي الدولي للمعاملات عبر الانترنيت منهجا مستقلا لتنظيم هذه المعاملات فهو عبارة عن قواعد مادية موضوعية تعطي حلولا مباشرة للمنازعات التي قد تثار بصدد إبرام العقد أو تنفيذه عبر تلك الشبكة، بخلاف منهج قواعد التنازع التي لا تتضمن حلا مباشرا للمشكلة المثارة وإنما تحيل على القوانين الوطنية وبذلك يقال عن منهج التنازع بأنه منهج غير مباشر[26].
وعليه فإن القانون الموضوعي الدولي الإلكتروني هو عبارة عن كيان قانوني موضوعي خاص بالعمليات التي تتم عبر شبكة الانترنيت وهذا القانون يقابله بهذا المعنى القانون الموضوعي للتجارة الدولية ويتشكل من مجموعة من العادات والممارسات المقبولة التي نشأت واستقرت في المجتمع الافتراضي للأنترنيت وطورتها المحاكم
ومستخدموا الشبكة وحكومات الدول في مجال التكنولوجيا.
فهو قانون تلقائي النشأة من أجل أن يتلاءم و حاجات المجتمع الذي قوامه السرعة في التعامل.
بحيث يتميز القانون الخاص الدولي بكونه:
- قانون وظائفي ونوعي.
- قانون تلقائي النشأة.
- قانون عبر دولي موضوعي.
- يستند على قواعد السلوك
تانيا – فعالية القانون الموضوعي الالكتروني في حسم المنازعات الالكترونية:
بالرغم من الايجابيات التي يحققها وجود قانون موضوعي دولي، إلا أنه برزت بعض أوجه النقص في قدرته على حل المنازعات التي قد تثور بشأن العمليات التي تتم بالاعتماد على قنوات الاتصال الالكتروني، منها أنه يستند على مجرد قواعد سلوك التي تعمل على ضبط الروابط القانونية مما يجعلها لا تفي بالغرض بل يلزم أن يوجد بجانبها تنظيم أو هيئة متماسكة لها مقوماتها وقدرتها على خلق قواعد سلوكية.
وأمام القصور والنقص الذي يسود القانون الموضوعي الدولي الالكتروني تظهر الحاجة على الاستمرار بالعمل بقواعد القانون الدولي الخاص مع ضرورة تحديثها لمسايرة التطورات الهائلة التي تشهدها التجارة الدولية عموما والإلكترونية خصوصا وذلك لن يتم إلا بالانتقال بوضع قواعد قانونية عامة تهدف إلى الحفاظ على خصوصيات التعامل بالانترنيت
وتشجيع المنافسة المشروعة وحماية المستهلك. على غرار القانون الأمريكي الموحد للمعاملات المعلوماتية الحاسوبية الذي قام بإخضاع العقود التي يتم تسليم المبيع فيها خلال شبكة الأنترنيت إلى قانون المكان الذي يقع فيه الموطن المورد أو المزود عند إبرام العقد، أما بالنسبة لعقود الاستهلاك التي يسلم فيها المبيع خارج نطاق الشبكة فتخضع لدولة التسليم (دولة المستهلك) رغبة في حماية المستهلكـ، أما في غير هذه الحالات يخضع العقد لقانون الأكثر ارتباط بالعملية التجارية وذلك لإعطاء نوع من الحرية الكاملة في الاستناد إلى العناصر المختلفة الملائمة للبيئة الإلكترونية لقواعد الاسناد المادية.[27]
فبالرغم من كل الانتقادات الموجهة للقانون الموضوعي الالكتروني إلا أنه يظل يلعب دورا فعالا في حل منازعات العقود الدولية للتجارة الإلكترونية وذلك لمجموعة من الأسباب:
- عجز المنهج التنازعي عن إعطاء حلول عادلة وواضحة بخصوص النزاعات المتعلقة بالعقود التجارة الدولية.
- رغبة المتعاملين التجاريين عبر شبكة الأنترنيت في الهروب من القوانين الوطنية الجامدة.
- انتعاش التجارة يعود أساسا إلى العلم المسبق بالقانون الواجب التطبيق وهو ما لا يتأتى في قواعد المنهج التنازعي بينما يوفره القانون الخاص الدولي الإلكتروني.
فلتسوية النزاعات الناتجة عن العقود التجارية الالكترونية، لابد بالبحث عن القانون الواجب التطبيق كما سبق الذكر، ثم البحث عن مؤسسة فعالة لتسوية هذه النزاعات، و هو ما سنتحدث عنه في اطار المطلب التاني.
المطلب التاني: تسوية منازعات العقود الدولية للتجارة الإلكترونية بين القضاء والتحكيم
فكما هو متعارف عليه أن القضاء الرسمي (الفقرة الأولى) هو الطريق العادي لحل جميع المنازعات، وقد وضعت التشريعات الوطنية قواعد تدعى بقواعد الاختصاص القضائي الدولي فذلك لحل المنازعات الدولية، ولكن أمام المشاكل العديدة التي واجهها القضاء في حل منازعات التجارة الدولية اٌلإلكترونية، ظهرت مؤسسة جديدة تدعى بالتحكيم الإلكتروني (الفقرة التانية) هذه الأخيرة استطاعت أن تعطي حلولا لمجموعة من المشاكل التي كان يتخبط فيها القضاء.
الفقرة الأولى: الاختصاص القضائي بشأن المنازعات الإلكترونية
إن استخدام شبكة الأنترنيت في إبرام العقود الدولية للتجارة الإلكترونية يثير العديد من الإشكالات خصوصا حول تحديد المحكمة المختصة بتسوية المنازعات الإلكترونية الدولية ، وهناك من الفقه من حاول إزاء قلة التشريعات المتعلقة بتسوية المنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية أن يلجأ إلى قواعد تحديد الاختصاص القضائي في القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية، ومحاولة تطويقها لتحديد المحكمة المختصة بتسوية المنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية الدولية[28].
ومما لاشك فيه أن المنازعات الخاصة بالمعاملات الدولية في المجال الإلكتروني تخضع للمبادئ والقواعد العامة في الاختصاص الدولي للمحاكم، حيث يمكن رفع الدعوى أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه.[29] وكما يمكن أن يتم الاتفاق بين الطرفين الخروج عن القواعد العامة وتحديد مكان الاختصاص لمحكمة أخرى غير محكمة أي منهما، هذا ما يمكن أن يطلق عليه بالخضوع الإرادي تحت شرط توافر حسن النية في هذا الاتفاق والاختيار. بعيدا عن كل غش أو تحايل قصد الابتعاد عن القوانين الوطنية، وهذا الاتفاق يجب أن يشار إليه في صلب وثيقة العقد وقد يكون مستقلا عنه وألا يعترض عليه الطرف الآخر.
وهناك معيارين لتحديد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم دولة معينة، الأول شخصي ينعقد الاختصاص بموجبه للمحكمة اعتمادا على الجنسية التي يحملها أحد الأطراف في الدعوى، وهو ما أخدت به المادتين 14 و 15 من القانون الفرنسي، حسب هاتين المادتين فالاختصاص الدولي يثبت للمحاكم الفرنسية كلما كان أحد الخصوم في الدعوى يحمل الجنسية الفرنسية، سواء اتخذ صفة المدعي أو المدعى عليه ولو كان في بلد أجنبي، أما المعيار الثاني فهو إقليمي إذ يسند عن طريقه للمحكمة ولاية في الدعوى إذا كان أحد عناصر المنازعة يرتبط ارتباطا إقليميا بالدولة التي تتبعها المحكمة كموطن أو إقامة الأطراف أو أحدهم أو موقع المال أو نشوء الالتزام أو مكان تنفيذه.
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم ينظم قواعد الاختصاص القضائي الدولي، إلا أنه من المتفق عليه فقها هو تمديد قواعد الاختصاص القضائي الداخلي المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية إلى المعاملات ذات طبيعة دولية مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه الأخيرة.
لكن السؤال الذي يمكن أن يثار في هذا الصدد، هل تتلائم الضوابط التقليدية مع الاختصاص القضائي في العقود الإلكترونية مع الأخذ بعين الاعتبار أن التجارة الإلكترونية ظهرت معها وسائل التعاقد الإلكتروني في إبرام العقود وخاصة الدولية وما أفرزته من منازعات؟
بحيث نجد كل دولة تقوم بتحديد قواعد الاختصاص القضائي الدولي لمحاكمها في غياب دولة عالمية تتولى هذه المهمة وبذلك فقواعد الاختصاص القضائي الدولي في منازعات العقود الدولية التجارية الإلكترونية لا تخرج عن افتراضين:
- اختصاص محكمة موطن المدعى عليه.
- اختصاص المحكمة التي اتفق باللجوء إليها.
1-اختصاص محكمة موطن المدعى عليه:
إذا أبرم عقد دولي عبر شبكة الأنترنيت سواء تعلق الأمر بسلعة أو خدمة، فالبادي أنه ليس هناك ما يدعوا للخروج عن القاعدة العامة في الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم حيث يمكن رفع الدعوى أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه عملا بما هو مستقر عليه، من أن المدعي يسعى إلى المدعى عليه في محكمته، مراعاة لاعتبارات العدالة وحاجة المعاملات الدولية التي تهدف إلى حماية المدعى عليه وقد تم الأخد بهذا المبدأ من التشريعات المقارنة.[30]
بحيث وانسجاما مع عقود التجارة الإلكترونية يثير الضابط المبني على محكمة موطن المدعى عليه إشكالا في هذه العقود لصعوبة التعرف على شخصية المدعى عليه ومكان وجوده مما أدى بالأستاذ بولوو BALLOW الدعوة إلى دعم تطبيق المفاهيم الموجودة في العالم الحقيقي على العالم الإلكتروني، الأمر الذي فتح المجال أمام فكرة موطن الافتراضي والذي هو مركز أعمال المورد على الشبكة بالرغم من الافتراضات الموجهة إلى فكرة الموطن الافتراضي مستدلا بكونه موظفا مصطنعا يثير العديد من العراقيل الأمر الذي جعل بعض الفقه يقترح بإدراج شرط في العقد يلزم طرفيه بالإدلاء بجميع البيانات الشخصية التي تساعد على تحديد موطن أو محل إقامة كل من الطرفين.
2-اختصاص المحكمة التي اتفق باللجوء إليها
تعتبر محكمة اتفاق الأطراف وسيلة ثانية أفضل من سابقتها دفعا لكل لبس أو نزاع محتمل، بحيث أن هذا الاتفاق إما قد يكون سابقا عن النزاع أو لاحقا عليه بعقد مستقل، كما يمكن أن يكون صريحا أو ضمنيا.
فالاتفاق الصريح يعد أهم من الاتفاق الضمني حيث يمكن للطرف الآخر أن ينفيه، مما جعل الفقه والقضاء يشترطان شروطا للاتفاق على الاختصاص القضائي من ضرورة توفر رابطة جدية بين النزاع المعروض على المحكمة والمحكمة المتفق عليها وألا يكون الاتفاق على الاختصاص مبنيا على غش أو تحايل تهربا من المحاكم الوطنية لعدم ملائمة قوانين هذه الأخيرة مع مصالح أحد الطرفين مثلا.[31]
ففي حالة عدم توفر هذين الضابطين يتم اللجوء إلى ضابط احتياطي وهذا ما أخذ به القانون العماني رقم 68 لسنة 2008 المتعلق بالإثبات في المعاملات المدنية والتجارية (المادة 19) والقانون المصري (المادة20/3 )من قانون المرافعات، والقانون السويسري (المادة 4)،والقانون الفرنسي (المادة149/4)، واتفاقية بروكسيل (المادة 1/5).
بحيث أنه يتحدد الإبرام بمكان قبول الإيجاب ما لم يوجد نص قانوني يخالف ذلك ومحل التنفيذ تحديده يبقى من عمل القاضي واستنباطه من خلال طبيعة العقد والعرف والعادات التجاريين.
إن قواعد الاختصاص القضائي الدولي تقوم على مرتكزات مكانية وجغرافية لا تتلائم مع طبيعة العمليات التي تجري على الشبكة العنكبوتية وتسبح في “فضاء افتراضي” ليس له روابط أو صلات مكانية أرضية، كما أن طبيعة التعامل على شبكة الانترنيت تتعارض مع فكرة اٌلإقليم والجغرافيا والمكان الأرضي الذي يعد عدوا لتلك الشبكة والمهام المنوطة بها، ومن تم فلا قيمة له في مواجهتها، وكأن كل هذه الشبكة الدولية للمعلومات قد جاءت لتقلب و تغير كل هذه المفاهيم التي استقر ويعيش عليها القانون الدولي الخاص [32].
وعليه فالتحكيم يبقى السبيل الوحيد المناسب لتجاوز الصعوبات التي يثيرها الاختصاص القضائي الدولي في منازعات العقود الدولية للتجارة الإلكترونية.
أمام عدم فعالية مؤسسة القضاء لحل النزاعات الناتجة عن العقد الالكتروني، تم ايجاد مؤسسة حديثة لحل هاته النزاعات، والمتمثلة في مؤسسة التحكيم الالكتروني.
الفقرة التانية: التحكيم الإلكتروني كوسيلة حديثة لفظ منازعات العقود الدولية للتجارة الإلكترونية
فأمام المشاكل القانونية والثغرات في القوانين الحالية والتي يجب مواجهتها لتتلاءم مع التجارة الإلكترونية، تم تطويع وسائل حسم المنازعات من أجل ملاءمتها والتجارة الإلكترونية. وهذا ما جعلنا أمام مؤسسة التحكيم الإلكترونية كوسيلة حديثة لفظ منازعات العقود الدولية للتجارة الإلكترونية.
كقاعدة عامة، يمكن تطبيق جميع الوسائل التقليدية المطبقة في حسم منازعات التجارة الدولية على منازعات التجارة الإلكترونية، مع إجراء بعض التعديلات على كيفية ممارستها وليس هناك ما يمنع أحد الطرفين من إحالة قضيته إلى المحكمة سواء وافق الطرف الآخر على ذلك أم أبى، ومن ناحية أخرى تلقى الوسائل البديلة لحسم المنازعات قبولا أكثر من القضاء العادي في مجال حسم المنازعات أمام المحاكم العادية وبين أي وسيلة أخرى لحسم المنازعات مثل التفاوض أو الوساطة أو التوفيق أو المحاكمات الصغرى أو الخبرة الفنية أو التحكيم.[33]
ومن هنا سوف يتم التطرق لكل من تعريف التحكيم الإلكتروني (أولا) ثم إبراز أهم مميزاته(تانيا) وكذا الأنظمة القانونية للتحكيم الإلكتروني (تالثا).
أولا: تعريف التحكيم الإلكتروني
لم يعط المشرع المغربي أي تعريف للتحكيم في الباب الثامن من القسم الخامس من قانون المسطرة المدنية المخصص للمساطر الخاصة الملغى، وذلك خلافا للقانون الجديد رقم 08.05[34]. حيث عرفه في الفصل 306 من ق.م. م كما يلي: “يراد بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتكلف من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم”.
وفي الفصل 307 من ق. م. م عرف اتفاق أو شرط التحكيم بما يلي: “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو ينشأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية[35].
وأضاف في الفقرة الموالية من ذات الفصل أن اتفاق التحكيم يكتسي شكل عقد التحكيم أو شرط التحكيم .
أما التحكيم الإلكتروني فيعرفه البعض بأنه ذلك التحكيم الذي يتفق بموجبه الأطراف على إخضاع من مناعاتهم الناشئة عن صفقات أبرمت بوسائل الكترونية إلى شخص ثالث يفصل فيها بموجب سلطة مستندة ومستمدة من اتفاق أطراف النزاع وباستخدام وسائل اتصال حديثة تختلف عن الوسائل التقليدية المستخدمة في التحكيم التقليدي.[36]
وقد قام البعض بتعريف التحكيم الإلكتروني من خلال تقسيم هذا التعبير إلى قسمين:
المقطع الأول: وهو التحكيم[37]: وهو يعني اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين لتسويته خارج المحكمة المختصة، أما المقطع الثاني، فهو الإلكتروني ويعني الاعتماد على التقنيات تحتوي على ماهو كهربائي أو رقمي أو مغناطيسي أو لا سلكي أو بصري أو كهرومغناطيسي، أو غيرها من الوسائل المتشابهة وهي نوع من التوصيف والتحديد لمجال نوع النشاط المحدد في المقطع الأول ويقصد به إجراء التحكيم باستخدام الوسائط والأساليب والشبكات الإلكترونية ومنها شبكة الانترنيت”.
فالتحكيم الإلكتروني إذا لا يختلف عن التحكيم العادي إلا في طريقته بحيث يتم بطريقة إلكترونية والذي لا يحتاج إلى الوجود المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان واحد، بحيث كل إجراءاته تتم إلكترونيا على شبكة الانترنيت ابتداءا من ملئ النموذج وتعيين المحكم وسماع الخبراء والشهود وأخيرا بصدور قرار التحكيم.
ثانيا: خصائص التحكيم الإلكتروني (محاسنه ومساوئه)
إن التحكيم الإلكتروني يقدم مجموعة من المميزات لا يقدمها القضاء الرسمي، بل حتى التحكيم التجاري الدولي التقليدي، بحيث تتمثل في عدم تنقل الأطراف المتخاصمة إلى مكان التحكيم الذي قد يكون بعيدا عن محل إقامتها، هذا ما يؤدي إلى توفير نفقات السفر، وكذلك الاستماع إلى الشهود والخبراء، وذلك فاستماع المحكمة إلى المتخاصمين لا يجبر حضورهما وإنما فقط من خلال المحادثات عبر الشبكة، وكما يمكن أن يتم الوصول إلى حكم سريع في النزاع وذلك لسهولة وسرعة الإجراءات حيث يتم تقديم السندات المطلوبة عبر البريد الإلكتروني ومن خلال شبكة الويب، أو من خلال الاتصال المباشر بالخبراء على عنوانهم الإلكتروني وتبادل الحديث معهم، ونجد أن بعض المؤسسات قامت بإنشاء محاكم التحكيم الإلكتروني مثل: CYBER TRIBUNALبكندا بجامعة مونتريال، وكذا المحكمة الإلكترونية التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية OMPI.
ومن هنا سوف يتم إبراز محاسن التحكيم الإلكتروني(1) ثم مساوئه(2).
- محاسن التحكيم الإلكتروني:
إن محاسن التحكيم الإلكتروني تتمثل إجمالا في السرعة في فض النزاعات وكذا الخبرة التقنية وتقليل النفقات:
الالزام :
حيث يلتزم المتحكمون بقرار هيئة التحكيم،ما لم يشبه أحد أسباب البطلان[38]
السرعة في فض النزاعات:
لقد أضحى التحكيم طريقا مألوفا لفض النزاعات الناتجة عن التجارة الدولية عوضا عن القضاء الذي تستمر فيه النزعات مدة طويلة بالنظر إلى بطء وكثرة القيود الشكلية والزمنية التي يفرضها سير الخصومة ومنها تعدد إجراءات التقاضي وتكدس العديد من القضايا وقلة الأطر والموارد البشرية. فالتحكيم يؤدي إلى اختصار الوقت والجهد والنفقات على الخصوم ووكلائهم من خلال إنهاء الدعاوي في مراحها الأولى، فالوصول إلى حل خارج القضاء يكون من دون شك أسرع وأوفر، فالسرعة إذن تعتبر من أهم مميزات التحكيم، حيث يحدد الأطراف مدة الفصل في النزاع في حالة التحكيم الخاص وفي حالة الالتجاء إلى التحكيم المؤسساتي فإنه يتم الاعتماد على اللوائح الداخلية لهذه المراكز، لتحديد مدة النزاع كما أن بعض التشريعات حددت مدة الفصل في النزاع في حالة عدم تحديدها.[39]
الخبرة التقنية:
من مميزات التحكيم الإلكتروني أن مراكز التحكيم الإلكتروني التي تعرض خدماتها عبر الأنترنيت تتوفر على أشخاص ذوي خبرات فنية تتلاءم وطبيعة التعاملات التي تجري عبر الفضاء الإلكتروني، فالمنازعات التي تثيرها التكنولوجية الحديثة خاصة تلك المتعلقة بإبرام وتنفيذ العقود الإلكترونية يتطلب أشخاص ذوي كفاءة عالية تستجيب لمتطلبات النزاع، وهي خبرات لا تتوفر في القاضي الوطني، فالمحكم يمكن أن يكون خبيرا في مجال المنازعة ولا يفرض على الأطراف الحل بل يأتي باختيارهم مما يحول دون التأخر في حل المنازعة.
يمتاز التحكيم ببساطة الاجراءات :
لا يماثل الاجراءات الاجراءات القضائية العادية و يبتعد عن الشكلية، و الحرية المتاحة الى هيئة التحكيمبحسم الخلافغير مقيدة الا بما ينفع حسم الموضوع، حيث نحد أن هيئة التحكيم تتمتع بحرية أوسع و أكثر من القضاء الوطني في كل ما يتعلق باجراءات التقاضي، مثل التبليغات و ادارة الجلسات و تنظيمها، و تقديم البنيات و الأدلة،و الاتصال بأطراف النراع و غير ذلك،و هي في كل هذه الأمور و غيرها تبتعد عن الاجراءات الشكلية التي تكون في كثير من الأحيان، أمام القضاء[40].
تقليل النفقات:
إن أهم ما يميز التحكيم الإلكتروني كونه لا يتطلب الحضور المادي للأشخاص، مما يقلل من نفقات النقل بحيث أن المحكم غالبا ما يكون خبيرا في الميدان المتنازع فيه مما يقلل من مصاريف اعتماد خبير خارج نطاق الخصومة كما أنه لا يتطلب انتقال الأطراف إلى المكان الذي تنعقد فيه الجلسات، وبالتالي فالتحكيم الإلكتروني أقل كلفة من اللجوء القضاء الوطني.
سرية إجراءات الخصومة:
إن أهم ما يميز التحكيم الإلكتروني هو السرية بالنسبة لإجراءاته، لأنه يتفادى نشر الأسرار والخلافات، وبذلك فغالبا ما نجد أن ملف النزاع يبقى دائما حصرا عند المحكمين على عكس جلسات التقاضي والمحاكم التي تبقى علنية.
2-مساوئ التحكيم الإلكتروني:
تتجلى مساوئ التحكيم وخاصة التحكيم الإلكتروني في القرصنة وكذا عدم ملائمة التشريعات الداخلية للتحكيم الإلكتروني.
بخصوص القرصنة
في إطار العقد الإلكتروني قد تتعرض إجراءاته للقرصنة من طرف المحترفين مما يؤدي إلى تهديد خاصية السرية، بحيث تتم سرقة الرقم السري الذي يحدد الدخول إلى الموقع الخاص بالقضية بالنسبة للأطراف وهيئة التحكيم، لكن مقابل ذلك نجد أن هناك العديد من الفنين والتقنين لإعداد الأرقام السرية وكذلك يمكن تضمين العقد بالمحافظة على السرية.
أما بخصوص ملائمة التشريعات الداخلية للتحكيم الإلكتروني
فأمام الخصوصية التي يمتاز بها التحكيم الإلكتروني مما فرض تدخل التشريعات الوطنية لتعديل القواعد القانونية لكي تتلائم وهذه الخصوصية، وهذا ما يفرض إيجاد أنظمة قانونية تؤطره، خصوصا لعدم مسايرته للعديد من التشريعات الوطنية لقواعد الإثبات وإجراءات التقاضي بما يتلاءم والوسائل الإلكترونية الحديثة.
ثالثا: الأساس القانوني للتحكيم الإلكتروني
إن التحكيم الإلكتروني يرتكز أساسا على مجموعة من القواعد العامة للتحكيم التجاري الدولي، وهي المعاهدات الدولية والإقليمية، وهناك كذلك قواعد متخصصة وهي القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية، والقانون النموذجي للتوقيع الإلكتروني، واتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية، وكذلك إنشاء محكمة الكترونية، وكذا نظام قاضي افتراضي.
لذلك سوف نتطرق في هذا الصدد للاتفاقيات الدولية، ثم الهيئات المتخصصة.
- الاتفاقيات الدولية:
هناك العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والعربية نذكر أهمها ما يلي:
- اتفاقيات نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية 1958:
من أجل ايجاد قواعد دولية جديدة للاعتراف و تسهيل تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، أعدت الغرفة التجارية الدولية (ICC)، مشروعا أقرته في مؤتمرها الرابع عشر الذي عقد في فيينا سنة 1953.
بحيث تبنى المجلس للاقتصادي و الاجتماعي التابع للأمم المتحدة، مشروعا آخر مقابلا لمشروع الغرفة التجارية الدولية.
وفي سنة 1956، قرار المجلس الذكور عقد مؤتمر دولي، للنظر في اقرار اتفاقية جديدة حول الاعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم، و انعقد المؤتمر في 20 ماي 1958 في مدينة نيويورك، و اهذا نجد أن هذه الاتفاقية تسمى باتفاقية نيويورك لعام 1958، و بعد مناقشة دامت عشرين يوما، تمخض المؤتمر عن اقرار اتفاقية خاصة للاعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، و أصبحت هذه الاتفاقية خاصة للاعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، و أصبحت هذه الاتفاقية نافذة المفعول منذ 7 يونيو 1959 و قد صادقت العديد من الدول العربية كمصر و الأردن و سوريا و تونس على اتفاقية نيويورك[41].
و نجد المغرب من الدول المصادقة على هذه الاتفاقية بمقتضى ظهير رقم 266-1-59 بتاريخ 19 يناير 1960، مما يعني أن المقتضيات الواردة في هذه الاتفاقية ستضل ملزمة رغم صدور قانون خاص بالتحكيم التجاري الدولي، بحيث تحتوي هذه الاتفاقية على ست عشر مادة، و لا تعالج جميع المسائل التي تتعلق بالتحكيم، بل تقتصر على معالجة مسألة الاعتراف و تنفيذ أحكام أحكام التحكيم الأجنبية في اقليم الدولة المنضمة اليها.
أما فيما يتعلق بنطاق تطبيق هذه الاتفاقية، فبرجوعنا للفقرة الأولى من المادة الأولى نجدها تنص على أن “هذه الاتفاقية تطبق على الاعتراف و تنفيذ الأحكام الناتجة عن الخلافات بين الأشخاص الطبيعية أو المعنوية، و تطبق كذلك على أحكام التحكيم التي لا تعتبر من الأحكام الوطنية في الدولة المطلوب فيها الاعتراف و تنفيذ الأحكام”.
بحيث أن هذه الاتفاقية الأحكام الوطنية و الأحكام الأجنبية، و معيار التفرقة هو مكان صدور حكم التحكيم، و يتضح من النص المذكور أن الاتفاقية تعالج مسألة الاعتراف بصحة حكم التحكيم و آثاره الملزمة بالنسبة لاطراف النزاع، كما أن الاتفاقية تعالج مسألة تنفيذ الحكم يموجب القوانين الوطنية،و بالتالي استعمال كافة طرق الاجبار المنصوص عليها في تلك القوانين لتنفيذ حكم التحكيم على الشخص الذي صدر الحكم ضده.
عقل ومصادرة الأملاك العقارية
فهذه الاتفاقية تأخذ بمعيار مكان اصدار الحكم لمعرفة الحكم الآجنيي بالنسبة للدولة المراد الاعتراف و تنفيذ الحكم فيها، كما لا تشترط الاتفاقية لتطبيقها أن يكون الحكم التحكيم قد صدر في دولة منضمة اليها.
- القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي
هذا القانون يهدف إلى مساعدة الدول من أجل إصلاح قانونها الخاص بالتحكيم، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار التحكيم التجاري الدولي،بحيث يتناول هدا القانون جميع مراحل عملية التحكيم، ابتداءا من اتفاق التحكيم،وتكوين هيئة التحكيم و اختصاصاتها ،و نطاق تدخل المحكمة من خلال الاعتراف بقرار التحكيم و انفاذه.
فهذا القانون يشكل توافقا عالميا في الآراء بشأن الجوانب الرئيسية لممارسة التحكيم الدولي،بعد أن قبلت به الدول من جميع المناطق و من مختلف النظم القانونية أو الاقتصادية في العالم.
- الهيئات المتخصصة:
هذه الهيئات تنقسم إلى قوانين متخصصة( أ)، ثم هيئات متخصصة (ب).
أ) قوانين متخصصة
القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية لعام 1996
فهذا القانون يشمل نوعين من القواعد:
قواعد ملزمة وهي الخاصة بالتطبيق العام للقانون بحيث لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وقواعد مكملة وهي القواعد التي تطبق في حالة عدم اتفاق الأطراف على حكم مغاير لها.
وكما ينقسم القانون النموذجي إلى جزئين أحدهما يتناول التجارة الإلكترونية عموما، والآخر يتناول التجارة الإلكترونية في مجالات محددة. وما يجدر ذكره أن الجزء الثاني من القانون النموذجي والذي يتناول التجارة الالكترونية في مجالات محددة يتكون من فصل أول فقط يتناول التجارة الإلكترونية من حيث تطبيقها على نقل البضائع، وأما الجوانب الأخرى من التجارة الإلكترونية فقد تدعو الحاجة إلى تناولها في المستقبل ومن ثم فيمكن النظر إلى القانون النموذجي على أنه صك مفتوح المجال يكمل بأعمال يضطلع بها مستقبلا.[42]
فما يلاحظ أن لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية النموذجي لم يضع تعريفا محددا للتجارة الالكترونية و انما حاول استخدام المفاهيم المستعملة في تبادل البيانات، و بذلك اقتصر على تعريف تبادل المعطيات الالكترونية و الذي عرفه بكونه “نقل المعلومات الكترونيا من حاسوب لحاسوب اخر باستخدام نظام متفق عليه لاعداد المعلومات ،[43]كما يمكن أن يشمل تقنيات أخرى كالفاكس و التلكس وهي وسائل و تقنيات لا تذخل في مفاهيم التجارة الالكترونية بالنظر الى كون استعمالات هذه الأخيرة تذخل في اطار تبادل البيانات و الرسائل الالكترونية باستخدام جهاز الكميوتر المربوط بالأنترنيت[44].
القانون النموذجي للتوقيع الالكتروني 2001
صدر هذا القانون عام 2001، وترتبط قواعده ارتباطا وثيقا بالقانون النموذجي للتجارة الالكترونية، من حيث أنها تقدم الإطار القانوني المطلوب لتأدية التوقيع الالكتروني لوظائفه، وعليه تستند قواعد القانون النموذجي للتوقيعات الالكترونية إلى المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المبدأ الوظيفي الذي أقام على أساسه القانون النموذجي للتجارة الالكترونية قاعدة التكافئ بين التوقيع الالكتروني والتوقيع اليدوي، ثم إن هذه القواعد تستحدث ضوابط أو قواعد سلوك أساسية لمختلف الأطراف المشتركة في عمليات التوقيع الإلكترونية، الأمر الذي يكفل قدرا من التناسق الضروري في ممارسة التجارة الالكترونية، وعليه فإن القانون النموذجي بشأن التوقيعات الالكترونية لعام 2001 حين يضع مجموعة من الضوابط أو المعايير الخاصة بالتوقيع الإلكتروني، فإنه يهدف إلى مساعدة الدول على إقامة إطار تشريعي عصري ومنسق للتعامل مع مسائل التوقيعات الالكترونية.[45]
ب).هيئات متخصصة
توجد العديد من الهيئات التي تعتبر وليدة البيئة الافتراضية متخصصة في حل منازعات التجارة الإلكترونية، فهناك محكمة التحكيم القضائية، ثم القاضي الافتراضي .
- -المحكمة الإلكترونية:
نشأت هذه المحكمة في كلية الحقوق جامعة مونتريال بكندا في يونيو 1998. من قبل مركز أبحاث القانون العام بجامعة مونتريال، ويقدم هذا المشروع خدمات التحكيم الإلكتروني مستخدما تطبيقات البرمجيات وتقنيات التشفير، واستوحت القواعد الإجرائية من تلك المعمول بها في التحكيم التجاري الدولي مثل لجنة الأونسترال وغرفة التجارة الدولية بباريس مع بعض التعديلات التي تقتضيها طبيعة القنوات الإلكترونية.[46]
ان تجربة المحكمة الفضائية الدولية تعتبر أولى التجارب لحل النزاعات الناجمة عن معاملات التجارة الالكترونية، فلائحة محكمة التحكيم الفضائية تتضمن قواعد للتحكيم الالكتروني و هي قواعد استمدت أساسا من القانون النموذجي لليونسترال بشأن التحكيم التجاري الدولي و قواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية مع اذخال تعديلات عليها مما تقتضيه طبيعة القنوات الالكترونية التي يجري من خلالها التحكيم و كما أن الاجراءات تجري بطرق الكترونية على الموقع الشبكي للمحكمة ابتداء من طلب تسوية و انتهاء باصدار الحكم، حيث يجري تخزين البيانات و المستندات و غيرها من الوثائق المتعلقة بالقضية[47].
- القاضي الافتراضي:
هذا المشروع هو التجربة الأولى في مجال تسوية الخصومات عبر الفضاء الإلكتروني، وتم إرساء دعائمه في مارس 1996، تولى إدارته والإشراف عليه عدة جهات وهي: معهد قانون الفضاء، وجمعية التحكيم الإلكتروني، المركز الوطني للأبحاث المعلوماتية ومركز القانون وقواعد المعلومات.
والهدف من هذا المشروع هو إعطاء حلول سريعة للمنازعات المتعلقة بالانترنيت عن طريق وسيط يتمثل في قاضي محايد يكون خبيرا في التحكيم والقوانين التي تحكم أنشطة الأنترنيت وقانون القضاء الإلكتروني.[48]
ويقوم التحكيم الالكتروني من خلال موقع متاح للنزاع، الذي يلعب دور رئيسي في كل نزاع جديد بحيث ينحصر الولوج فيه لأطراف النزاع فقط من أجل تقديم المستندات و الدفاع حيث يتم تبادل المعلومات عن طريق البريد الالكتروني داخل الموقع الالكتروني المحدث و يجب على المحكم البث في القضية، لكن قبل ذلك يقوم بعقد جلسة للآطراف أمامه بحيث يقوم المحكم باعداد سجل الكتروني لكل المعلومات بعد ذلك يقوم باصدار الحكم التحكيمى و اخبار الأطراف عن طريق البريد الالكتروني المتاح عبر الموقع المفتوح[49].
وبالتالي يمكن القول أمام عدم قدرة قواعد منهج التنازع في حل النزاعات الناتجة عن العقد الالكتروني الدولي، مما دفع بالبحث عن قوانين أخرى يحتكم لها، والتي تكون قادرة على حل هذه النزاعات لذلك تم التوصل لقانون خاص دولي إلكتروني، هذا الأخير يعتبر قانونا تلقائيا وضع لحل منازعات الناتجة عن العقد الالكتروني خاصة، و المعاملات التجارية الالكترونية عامة . وخصوصا في ظل ظهور مؤسسة التحكيم الالكتروني التي تعد وسيلة فعالة لحل هذه النزاعات بالمقارنة مع مؤسسة القضاء.
الخاتمة :
من خلال دراستنا للعقد التجاري الالكتروني، يمكن القول بأن التعاقد الالكتروني أضحى وسيلة فعالة و ملحة لابرام عقود التجارة الالكترونية،وخصوصا أنه لا يختلف عن العقود الأخرى فيما يتعلق بالقواعد العامة التي تحكمها بشكل عام،و كذلك يخضع للقواعد الخاصة تبعا للوسيلة التي يبرم من خلالها.
وكما يساهم في تقليص المدة و الجهد و يلغي مختلف الحواجز و المسافاة، حتى أضحى وسيلة لا غنى عنها في المجالات التجارية بين الأطراف في التجارة الدولية.
و بذلك لا يمكننا الا أن نخلص الى تكثيف الجهود من أجل أن يرقى هذا العقد الى المستوى المطلوب، و كذلك تفعيله كالية مهمة لابرام مختلف العقود التجارية و اعتماده كبديل للعقود الكلاسيكية، و كل ذلك من أجل تعزيز مكانة المغرب ضمن المنظومة الاقتصادية الحالية لجلب الاستثمار و تكثيف المبادلات التجارية، و بتحقيق ذلك لا بد من اعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة للعقد الالكتروني و ذلك بهذف مواكبته للتطور التكنولوجي و السير قدما نحو ارساء دعائم متينة لحماية المتعاقد الضعيف في التعاقد الالكتروني.
الاستنتاجات :
أولا :أن العقد الالكتروني يتميز عن غيره من العقود،بسبب خصوصية الوسيلة المستخدمة و التي لا تتيح التلاقي المادي بين المتعاقدين.
تانيا : صعوبة تكييف طبيعة العقد الالكتروني بين كونه عقد اذعان، أو عقدا رضائيا،و اختلاف التوجهات الفقهية في هذا الصدد.
تالثا : عدم فعالية قواعد المنهج التنازعي في حل النزاعات الناتجة عن العقد الالكتروني الدولي مما أدى بظهور قانون موضوعي دولي الكتروني.
رابعا : ظهور مؤسسة جديدة لحل النراعات التجارة الالكترونية المتمثلة في التحكيم الالكتروني، مقابل مؤسسة القضاء التي تعتبر الطريق العادي لحل كل النزاعات.
لائحة المراجع
المراجع باللغة العربية : |
المؤلفات :
- البكاي المعزوز : المختصر في المسطرة المدنية، طبعة 2015.
- محمد فواز المطالقة: الوجيز في العقود التجارية الالكترونية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة 2011 م 1432 هـ.
- ادريس النوازلي: حماية عقود التجارة الالكترونية في القانون المغربي مطبعة الوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2005.
- نضال سليم برهم، أحكام عقود التجارة الإلكترونية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى/ الإصدار الثاني 2009،
- ابراهيم محمد أبو الهجاء،التحكيم الالكتروني،دار الثقافة للنشر و الوزيع1430-2009
- خالد ممدوح ابراهيم،التحكيم الالكتوني في عقود التجارة الدولية، دار الفكر الجامعي،طبعة2008
- أسامة أحمد بدر، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2005.
- عبد الفتاح بيومي حجازي، النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى2002.
- منير محمد الجنبهي: ممدوح محمد الجنبيهي، الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، دار الفكر الجامعي، بدون ذكر الطبعة،و بدون دكر السنة
الأطروحات الجامعية:
- هشام البخاوي، التحكيم الإلكتروني . أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه،جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات،السنة الجامعية 2013/2012م
- لما عبد الله صادق سلهب، مجلس العقد الإلكتروني، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، السنة الجامعية 2008.
الرسائل الجامعية:
- بشرى السبيبي: عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونية -الانترنيت نموذجا-، بحث لنيل الماستر في القانون الخاص- جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -الرباط- السنة الجامعية 2009-2010.
- زينب غريب: إشكالية التوقيع الالكتروني وحجيته في الإثبات رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس-السويسي- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-الرباط-، السنة الجامعية 2009-2010.
- أسماء عبيد، التحكيم في التشريع المغربي،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس السويسي،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-سلا-، السنة الجامعية 2008-2009
المقالات والمجلات:
- سلطان بن سالم البلوشي: طرق تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الإلكترونية، سلسلة دراسات وأبحاث ، العدد 3، بدون دكر السنة.
- عبد الحق الجناتي الادريسي-محمد الزروالي: النظام القانوني لعقود التجارة الإلكترونية الدولية في القانون الجزائري، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 10/11-2010.
- مجلة التحكيم العربي، مجلة متخصصة يصدرها الاتحاد العربي للتحكيم الدولي، العدد السابع-يوليو2004،
- محمد أوطويف،الاطار المفاهيمي لعقد التجارة الالكترونية، مقال منشور على موقع marocdroit.com،تاريخ النشر 25 يوليو2011.
- محمد أوطويف،تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الالكترونية،مقال منشور على موقع marocdroit.com، تاريخ النشر24 دسمبر 2011.
النصوص القانونية
- ظهير الشريف رقم 1.07.129 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 الموافق ل 30 نوفمبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.
- ظهير الشريف رقم 1.07.169 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 الموافق ل 30 نوفمبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 05.08 القاضي بنسخ و تعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية .
- قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية مع دليل لتشريعة، الأمم المتحدة ، نيويورك 1996
- قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الالكترونية مع دليل لتشريعه 2001، الأمم المتحدة، نيويورك 2001.
- قانون المسطرة المدنية
المواقع الالكترونية
- marocdroit.com
- aladalacentre.com.
o المراجع باللغة الفرنسية |
Les textes juridique
-Loi N 2000-230 du 13 mars 2000 portant adaptation du
droit de la preuve aux technologies de l’information et relative a la signature électronique
[1] بشرى السبيبي: عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونية – الانترنيت نموذجا بحث لنيل الماستر في القانون الخاص- جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط- السنة الجامعية 2009-2010، ص5.
[2] هو جهاز متعدد الآغراض يمكن استغلاله لتنفيذ عمل معين بامداده بالرنامج الذي يقوم بتنفيذ هذا العمل،وبذلك فيمكن القول بأن الحاسب ما هو الا الة و ليس عقلا كما يطلق عليه من قبل البعض “بالعقل الالكتروني”.
[3] – بشرى السبيبي: عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونية – الانترنيت نموذجا -، م،س،ص5.
[4] محمد فوازالمطالقة: الوجيز في العقود التجارية الالكترونية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة 2011 م 1432 هـ، ص 28.
[5] نضال سليم برهم، أحكام عقود التجارة الإلكترونية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى/ الإصدار الثاني 2009، ص 53
[6] نضال سليم برهم، أحكام عقود التجارة الإلكترونية، م.س.ص54.
[7] بشرى السبيبي،عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونيا-الأنترنيت نمودجا- ، م.س.ص20.
[8] -أسامة أحمد بدر، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2005، ص 254.
[9] – محمد فواز المطالعة، الوجيز في عقود التجارة الإلكترونية، م.س، ص 64.
[10]– محمد أو طويف، الإطار المفاهيمي للعقد التجارة الإلكترونية، منشور بموقع www.marocdroit.comنشر بتاريخ 25 يوليوز2015.
[11] بشرى السبيبي،عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونيا-الأنترنيت نموذجا-، م س، ص46
[12] Loi N°2000-230 du 13 mars 2000 portant adaptation du droit de la preuve aux technologies de l’information et relative a la signature électronique.
[13] بشرى السبيبي،عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونيا-الأنترنيت نموذجا-، م.س،ص47
[14] نصت المادة 1316 من القانون المدني الفرنسي على أنه :” ينشأ الاثبات الخطي أو بالكتابة من تتابع أحرف أو أشكال أو أرقام أو أية اشارات لها دلالة قابلة للادراك و ذلك أيا كانت دعامتها أو الوسائل المستخدمة في نقلها “.
Art.1316 : « la preuve littérale, ou preuve par écrit, résulte d’une suite de lettres, de caractère, de chiffres ou de tous autres signes ou symboles dotés d’une signification intelligible, quels que soient leur support et leurs modalités de transmission. »
[15] نعيمي فوزي – بن أحمد الحاج: النظام القانوني لعقود التجارة الإلكترونية الدولية في القانون الجزائري، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، عدد مزدوج 10/11/2010، ص 71.
[16] محمد أوطويف: الإطار المفاهيمي لعقد التجارة الإلكترونية، منشور بموقع www.maroc droit.com تاريخ النشر 25 يوليوز 2011.
[17] أسامة أحمد بدر، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني، م.س. ص 191.
[18] عبد الفتاح بيومي حجازي، النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى2002، ص238.
[19] لما عبد الله صادق سلهب: مجلس العقد الإلكتروني، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، السنة الجامعية 2008، ص 55
[20] لما عبد الله صادق سلهب: مجلس العقد الإلكتروني، م س، ص 62.
[21] لما عبد الله صادق سلهب،مجلس العقد الالكتروني، م.س. ص 55-54.
[22] لما عبد الله صادق سلهب،مجلس العقد الالكتروني،م س،ص60
[23] محمد أظويف: تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الإلكترونية مقال منشور بموقعwww.marocdroit.com
تاريخ النشر 24 ديسمبر2011.
[24] ادريس النوازلي: حماية عقود التجارة الالكترونية في القانون المغربي مطبعة الوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2005- ص 107.
[25] محمدأوطويف،تسوية مناعات العقود الدولية في التجالرة الالكترونية،منشور بموقعwww.marocdroit.com ،تاريخ النشر 24 دسمبر2011 .
[26] بشرى السبيبي: عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونيا-الآنترنيت نموذجا-،م.س، ص75.
[27] محمد أوطويف، تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الالكترونية منشور بموقع www.morodroit.com تاريخ النشر 24 ديسمبر 2011.
[28] سلطان بن سالم البلوشي: طرق تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الإلكترونية، سلسلة دراسات وأبحاث- الوسائل البديلة لتسوية المنازعات- الوساطة- الصلح – التحكيم. العدد3- ،ص 142.
[29] سلطان بن سالم البلوشي: طرق تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الإلكترونية،م.س،ص143
[30] محمد أطويف: تسوية منازعات العقود الدولية، بموقع www.morocdroit.com
[31] ادريس النوازلي: حماية عقود التجارية الالكترونية في القانون المغربي، مطبعة الوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2010، ص 103.
[32] سلطان بن سالم البلوشي: طرق تسوية منازعات العقود الدولية في التجارة الالكترونية، م.س،ص146
[33] مجلة التحكيم العربي، مجلة متخصصة يصدرها الاتحاد العربي للتحكيم الدولي، العدد السابع-يوليو2004، ص 149.
[34] البكاي المعزوز : المختصر في المسطرة المدنية، طبعة 2015،ص218 .
[35] الفصل 307 من قانون المسطرة المدنية
[36] هشام البخاوي، التحكيم الإلكتروني، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه،جامعة الحسن الآول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات،السنة الجامعية 2013/2012،ص41
[37] بشرى السبيبي: عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونيا-الآنترنيت نموذجا-،م.س، ص87
[38] محمد ابراهيم أبو الهيجاء،التحكيم الالكتروني،دار الثقافة للنشر و التوزيع،الطبعة الآولى/الاصدار الأول 2009، ص 57.
[39] حدد المشرع المغربي المدة التي يجب أن يصدر حكم التحكيم خلالها في الفصل 20-327:
“إذا لم يحدد اتفاق التحكيم للهيئة التحكيمية أجل لإصدار الحكم التحكيمي، فإن مهمة المحكمين تنتهي بعد مضي 6 أشهر على الأقل الذي قبل فيه آخر محكم مهمته، يمكن تمديد أجل الاتفاقي أو القانوني ينفس المدة إما باتفاق الأطراف وإما من لدن رئيس المحكمة بناء على طلب من أحد الأطراف أو من الهيئة التحكيمية
إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة أعلاه جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة أن يصدر أمرا بإنهاء إجراءات التحكيم فيكون لأي من الطرفين بعد ذلك رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا للنظر في النزاع.
كما حدد المشرع المصري في قانون التحكيم رقم 27 سنة 1994 المدة التي يجب أن تبت فيها الهيئة التحكيمية في موضوع النزاع في 12 شهر.
[40] خالد ممدوح ابراهيم،التحكيم الالكتروني في عقود التجارة الدولية،م س، ص20.
[41] أسماء عبيد، التحكيم في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-سلا-، السنة الجامعية 2008-2009.
[42] منير محمد الجنبهي: ممدوح محمد الجنبيهي: الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، دار الفكر الجامعي، بدون ذكر الطبعة، ص 42.
[43] المادة2 فقرة ب من القانون النموذجي للتجارة الالكترونية الدولية لسنة 1996
[44] الدليل التشريعي للقانون النموذجي للتجارة الالكترونية ،ص 18
[45] هشام البخفاوي، التحكيم الالكتروني، م.س، ص 33.
[46] بشرى السبيبي،عقود التجارة الدولية المبرمة الكترونيا-الأنترنيت نموذجا-، م.س، ص 90.
[47] هشام البخفاوي، التحكيم الالكتروني،م س، ص 35.
[48] تسوية منازعات العقود التجارة الالكترونية ،www.aladalacente.com، بتاريخ 16 ماي 2016، على الساعة8h30
[49] هشام البخفاوي، التحكيم الالكتروني،م س، ص 36.
من إعداد:
ـ نهيلة معاش
ـ زكرياء سلام