حماية القضاء الاستعجالي للملكية العقارية نزع الملكية والاعتداء المادي نموذجا

شارك

حماية القضاء الاستعجالي للملكية العقارية

ـ نزع الملكية والاعتداء المادي نموذجا ـ

رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص

إعداد: الباحث رشيد الغلام

   يعتبر القضاء أحد الركائز التي يقوم عليها صرح دولة الحق والقانون، فالدول التي تحترم مبدأ الشرعية وسيادة القانون لابد لها من تجعل من هذا الجهاز أسمى أسسها ومقوماتها، وأن تبوأه مكانة الصدارة ضمن الهرم المؤسساتي للدولة، ذلك أن وجود  قضاء نزيه وعادل غير متحيز لطرف على حساب طرف آخر، همه وهدفه الوحيد إشراق نور العدالة على ظلمات الخصومة، مهما كانت درجة ورفعة الخصوم، سيؤدي لاشك في ذلك إلى تدعيم دولة القانون التي يسود فيها القانون فوق الجميع سواء كانوا أفرادا أو إدارات، وتحقيق مطمح المجتمع في وجود جهاز محايد موثوق بعدالته يركنون إليه قضاياهم، من أجل الفصل فيها بمبدأ “لكل ذي حق حقه”.

    ويعد القضاء الإداري لبنة أساسية في بناء هذا الصرح المنشود، نظرا لما يلعبه من دور في تحقيق التوازن بين مصالح السلطة العامة، ومصالح الأفراد الذين يوجدون في مركز قانوني أدنى من حيث الامتيازات، عبر عقل النشاط الإداري من أي تجاوز قد يسبب مساسا بحقوق وحريات المواطنين.

    فإذا كان القضاء العادي المتمثل في المحاكم الابتدائية والمحاكم الاستئناف والنقض هو الآخر يصون الحقوق المقررة قانونا، فإن القضاء الإداري مع ذلك يتمتع بخصوصية لا نجدها في غيره من القضاء، فهو الساهر على الفصل في المنازعات الناشئة بين الإدارة والخواص، وإصلاح القرار الإداري المشوب بعيب المشروعية، من خلال توجيهه نحو المساطر والقوانين المعمول بها، والتي لا يمكن للعمل الإداري الانحراف عنها.

       فالإدارة رغم اعتراف القانون لها بسلطة إصدار قرارات إدارية، وأن هذه القرارات تتمتع بالطابع التنفيذي، وأنها لا تحتاج إلى اللجوء إلى سلطة أخرى لتنفيذ قراراتها، فإن نفس القانون خول أيضا للفرد المتضرر بحقه في اللجوء إلى القضاء الإداري لرد المظالم، ووضع حد لكل تعسف قد يقع من جانب الإدارة، خاصة وأنه الطرف الضعيف في العلاقة، مما يفرض بسط حماية له من كل اعتداء.

     على هذا الأساس فإن القاضي الإداري تتلخص وظيفته الأساسية في حماية مختلف الحقوق التي كفلها القانون والدستور للأشخاص، خصوصا من شطط قرارات السلطة الإدارية.

     غير أن هذه المهمة قد تطول مدة طويلة قد تتجاوز أشهرا أو سنوات، خصوصا في بعض القضايا المعقدة، مما ينعكس سلبا على الحق المراد حمايته، نتيجة لسلوك الطرف سيء النية في الخصومة، إلى التماطل وتمديد الخصام وتعقيده، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث أضرار يصعب إصلاحها فيما بعد أو تداركها في المستقبل.

موضوع قد يهمك: تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مجال نزع الملكية

     ولمواجهة هذا الوضع فقد تم استحداث القضاء الاستعجالي من أجل إسعاف الخصوم بإجراءات عاجلة وبحماية قضائية مؤقتة، لا تكسب حقا ولا تهدره، وترك أصل الحق لقاضي الموضوع للفصل فيه، فهو وسيلة لتنبيه الخصوم إلى وجه الصواب في النزاع، مما قد يحملهم على الرضا بحكمه وينأى بهم من التعنت في الاستمرار في الخصومة وإطالة أمدها، فالتشريعات الوطنية للدول حرصت على التوفيق بين اعتبارات سير العدالة والتي تتطلب التمهل في النظر في الدعوى والحكم فيها، مما يلحق ببعض الحقوق والحريات أضرارا، وبين السرعة في حل بعض المنازعات والتي تتسم بالعجلة، لذلك تم ابتكار القضاء الإداري الاستعجالي إلى جانب القضاء الإداري الموضوعي، لمساعدة المتقاضيين بإجراءات وقتية عاجلة تهدف إلى حماية الحق مؤقتا حتى يفصل في النزاع من طرف محكمة الموضوع.

    ويعرف القضاء الاستعجالي الإداري بأنه قضاء يساعد على الوصول بسرعة إلى حل بمقتضاه يصان الحق ولو بصفة مؤقتة، لذلك ينبغي أن يمارس في المجال الإداري ضمن حدود معينة وداخل نطاق ضيق، وأنه لا يشكل في إطار المنازعات الإدارية قضاء مستقلا، بل هو مجرد تقسيم يقصد منه معالجة الطلبات المستعجلة التي لا تحتمل التأخير.[1]

    وهذا القضاء لم يكن وليد الحاضر، وإنما كانت جذوره ممتدة في أعماق الماضي البعيد، ففي العهد الروماني كان يعرف باسم «operis novi nuntiatio » وبمقتضاه تقرر إجراءات غير قضائية تتبع على مسؤولية الطالب وتكفل له الحصول على قرار سريع قابل للتنفيذ، حيث كان عليه أن يؤدي كفالة مناسبة تضمن إعادة الحال إلى ما كان عليه إذا صدر بعدئذ حكم القضاء على خلاف ما كان قد انتهى إليه[2]

    والشريعة الإسلامية بدورها عرفت هذا النوع من القضاء وطبقته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من قضى للمسلمين فيما اختلفوا فيه، مطبقا ما أمر به الله عز وجل في محكم تنزيله لقوله تعالى (فاحكم بينهم بما أنزل الله).[3]

    فتميز القضاء الإسلامي بالاستعجال وذلك لحرصه الشديد على القضاء بالحق والخوف من إهدار، ويعتبر قضاء المظالم[4] التجسيد النموذجي للقضاء الاستعجالي الإداري، حيث يقوم بإنصاف المظلومين ورد حقوقهم إليهم، وما يفرقه عن القضاء العادي على أنه لا يخضع لأية قواعد ثابتة أو محددة ويكفي أن يتظلم أحد الناس إلى ولي الأمر، خليفة أو أمير حتى ينظر في ظلامته ويعمل على إنصافه بما له من هيبة الحكم وقوة الزجر، بل يكفي أن يطلع ولي الأمر على ظلم أو اعتداء ليدفعه أو يمنعه.

    أما في العصر الحديث فأول دولة عرفت القضاء الاستعجالي هي فرنسا باعتبارها بلد نشأة القانون الإداري، وهذا ما عبر عنه René Morel بقوله: « C’est une juridiction essentiellement parisienne dans son origine et dans son développement »[5]  

    ويعود أصل هذا القضاء إلى الأمر الملكي الصادر في سنة 1685، المنظم لقواعد المرافعات المدنية التي كان معمولا بها أمام محكمة “شاتليه” “Châtelet” بباريس والذي رخص بمقتضاه لرئيس الدائرة المدنية أو من ينوب عنه في غيابه الحكم مؤقتا في الأمور المستعجلة، وكان اختصاص هذا القضاء هو البت في المسائل المستعجلة وتحديدا إخلاء المحلات، والتنفيذ على المنقولات، ووضع الحراسة عندما لا تزيد على ألف فرنك فرنسي.[6]

    ثم تلاه بعد ذلك إنشاء مجلس الدولة الفرنسي بموجب المادة الثانية والخمسون من دستور السنة الثامنة للثورة الفرنسية، وأعطيت له في البداية صلاحية وقف تنفيذ القرارات الإدارية، ولم تشمل باقي الأمور المستعجلة التي كانت ممنوحة لرؤساء مجالس المديريات، واستمر العمل بهذا الامر إلى حين صدور مرسوم 30 شتنبر 1953 الذي وسع من اختصاصات مجلس الدولة في المنازعات الإدارية الاستعجالية فإلى جانب اختصاصه في إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية، أجاز له القانون إمكانية التدخل في جميع الدعاوي المستعجلة.

    غير أن تدخله هذا لم يحقق السرعة المطلوبة التي تتسم بها المنازعات الاستعجالية، مما جعل الفقه الفرنسي يطالب بحاجة العدالة الإدارية إلى نظام القضاء الإداري المستعجل، لعدم كفاية اختصاص الموضوع بالنظر في منازعات الإدارية المستعجلة، لإمكان الفصل فيها على وجه السرعة وبطريقة تحقق بها العدالة الإدارية على أكمل وجه، استجاب المشرع الفرنسي لهذه المطالب فأصدر قانون 28 نونبر 1955 بتنظيم القضاء الإداري الاستعجالي[7] وقد تم تعديل هذا القانون عدة مرات كان أخرها بالقانون رقم 597- 200 الصادر بتاريخ 30 يونيو 2000[8]

    أما القضاء الاستعجالي الإداري في التشريع المغربي، فقد ظهر مع فرض الحماية على المغرب بتاريخ 30 مارس 1912، والتي أدت إلى تقسيم سلطات الحماية المغرب إلى منطقة جنوبية خاضعة للحماية الفرنسية، ومنطقة شمالية خاضعة للحماية الإسبانية، إضافة إلى منطقة طنجة الدولية، كما خضع التنظيم القضائي للمملكة بدوره إلى تقسيم حيث فصلت سلطات الحماية بين المحاكم التقليدية والتي تستمد أحكامها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة و مذهب الإمام مالك، وبين المحاكم العصرية التي حلت محل المحاكم القنصلية بعد أن تنازلت  أغلب الدول الأجنبية عن امتيازاتها لفائدة الدولة الحامية، حيث كانت تنظر هذه المحاكم في القضايا الإدارية.[9]

     وفي سنة 1913 صدر ظهير 12 غشت 1913 المحدث بموجبه قانون المسطرة المدنية والذي تألف من 557 فصلا حيث تضمن الفصلان 217 و218 للأوامر القضائية الصادرة بناء على طلب، في حين تم تخصيص الفصول من 219 إلى 225 للطلبات الاستعجالية، غير أن العمل بهذه المسطرة كان مقصورا في المحاكم العصرية، ولم يعمم العمل بها إلا بعد صدور ظهير التوحيد والتعريب والمغربة[10] بفاتح يناير 1966.

     وقد بقي ظهير 12 غشت 1913 مع التعديلات الواردة عليه، مطبقا إلى أن صدر ظهير 28 شتنبر 1974[11] الذي ألغى الظهير السابق.

ولقد أورد الظهير الجديد ستة فصول تتعلق بالمسطرة الاستعجالية وهي الفصول 149 إلى 154 ضمنها في الباب الأول والثاني من القسم الرابع منه، حيث بموجب هذه الفصول كان القضاء الاستعجالي في المحاكم العادية هو من له صلاحية البت في الطلبات المستعجلة التي تقدم في مواجهة الإدارات العمومية، وقد استمر العمل بهذه المقتضيات، إلى حين إنشاء المحاكم الإدارية بموجب القانون 41.90[12] والذي نصت المادة 19 منه على أنه:” يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية.” وبذلك أصبح للقضاء الإداري قضاء مستعجل مستقل عن القضاء المدني، ينظر في القضايا الاستعجالية الإدارية، ويمارس رقابته القضائية على أعمال ونشاطات الإدارة.

ويعد نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاعتداء المادي، المجسدين الحقيقين لتدخل القضاء الإداري الاستعجالي في فرض هذه الرقابة.

    فنزع الملكية هو وسيلة قانونية استثنائية تلجأ إليها الدولة لتوفير العقارات اللازمة لتنفيذ برامجها، وسياستها التعميرية، ويتم هذا النزع وفق الضوابط والمساطر القانونية المنصوص عليها في قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية.[13] بحيث تمر هذه المسطرة بمرحلتين، إدارية وأخرى قضائية، ويضطلع قاضي المستعجلات الإداري في هذه الأخيرة بدور مهم، فهو من له صلاحية إصدار الإذن القاضي بحيازة الجهة نازعة الملكية للعقار موضوع النزع والتي على أساسها تقوم بوضع يدها على العقار. مما يشكل معه هذا الإذن أهم إجراء في مسطرة نزع الملكية برمتها.

    أما الاعتداء المادي فهو عمل غير مشروع تسلكه الإدارة عن طريق قيامها بالاستيلاء على عقارات الأفراد والخواص من أجل إنجاز أشغال عامة وخدمات عامة، دون سند قانوني، وهو ما يشكل اعتداء صارخا على حق الملكية العقارية، ومخالفا لدستور [14]2011 الذي أقر على أن حق الملكية مضمون بالقانون ولا يمكن الحد من نطاقه او ممارسته إلا بموجب القانون.[15] ومنافيا كذلك للمادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في سنة 1789 والذي نص على أنه:” حق الملكية مقدس ولا يمكن أن يحرم أي أحد منه إلا إذا فرضت ذلك الضرورة العامة بصورة قانونية.”

وأمام جسامة هذا الاعتداء الذي ترتكبه الإدارة والذي يخرجها عن الإطار القانوني الذي تباشر فيه اختصاصاتها ومسؤوليتها القانونية، بدأ التفكير في إجراء يوفر الحماية للأفراد، وذلك من خلال ترتيب مسؤوليتها أمام القضاء بحيث يمكن لمن تضررت حقوقه من جراء هذا التصرف الجسيم أن يلجأ إليه مطالبا إياه بالتدخل العاجل لوضع حده.

إقرأ المزيد حول: دليل عملي حول نزع الملكية لأجل المنفعة العامة

ولأن السرعة تعتبر عاملا حاسما في ردعه فإن الأمر يقتضي إجراءات استعجالية وهو ما يعجز عنه القضاء الموضوعي، لذلك كان القضاء الاستعجالي الإداري هو الأنسب والأقدر على اتخاذ هذه الإجراءات نظرا لما يتميز به من سرعة واستعجال.

أهمية الموضوع

تكمن أهمية الموضوع في الدور الكبير الذي أصبح يجسده القضاء الاستعجالي الإداري، من خلال اتخاذ تدابير مستعجلة ومؤقتة تقتضيها الضرورة لدفع ضرر وشيك أو محتمل الوقوع عنها، كما أن اللجوء إلى القضاء الاستعجالي يغني المتقاضين من اتباع الإجراءات العادية في المحاكمة التي قد تكون طويلة الأمد، ثقيلة الوقع، بطيئة الحركة، مما يجعل الضرر يتفاقم ويصعب تداركه لاحقا خصوصا في المنازعات المتعلقة بالاعتداء المادي.

كما تبرز أهمية هذا الموضوع في المكانة المهمة التي بوأها المشرع للقضاء الاستعجالي الإداري في مسطرة نزع الملكية، إذ أوكل له صلاحية اصدار الإذن بالحيازة، هذا الأخير الذي يعتبر أخطر إجراء يمكن أن يمس حق الملكية في نزع الملكية برمتها، لذلك فإن البحث في هذا الإجراء لا من شأنه أن يعطي لنا تصور واضح حول قدرة القواعد الحالية المنظمة للقضاء الاستعجالي الإداري في مواجهة الإدارة النازعة. وتزداد أهمية الموضوع في الدور الذي أصبح يمثله هذا القضاء في مجال الاعتداء المادي من خلال اصداراه لمجموعة من الأوامر القضائية في هذا الإطار والتي تعكس نظرة القضاة لهذا الفعل الماس بحق الملكية، لذلك فإن مقاربة هذا الموضوع من زاوية الاعتداء المادي سيكون معطى إيجابي في فهم معالم نظرية الاعتداء، وكذا معرفة القواعد التي أسسها القضاء الإداري الاستعجالي عند نظره في دعاوي الاعتداء المادي، وكل هذا من أجل الخروج بنظرة واضحة عن فعالية هذا القضاء في حماية العقارية سواء في مجال نزع الملكية أو الاعتداء المادي.

دوافع اختيار الموضوع

   بخصوص دوافع اختيارنا لهذا الموضوع فيرجع إلى عاملين أساسين يرجع الأول إلى دافع ذاتي محض وهو الرغبة في البحث في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي، بحكم أن الواقع المعيش تكثر فيه هذا النوع من القضايا والتي يكون فيها الطرف الضعيف جاهلا بمقتضيات هذين المجالين، مما قد يؤدي إلى ضياع الحقوق في بعض الحالات، وقد اخترنا ربط هذا الموضوع بمؤسسة القضاء الاستعجالي نظرا للأدوار المهمة التي يلعبها هذا الأخير والتي تجعل منه طرفا مؤثرا في المجالين معا، أما الدافع الثاني فهو موضوعي إذ أن أغلب الكتابات عادة ما تنحو في اتجاه الحديث عن قضاء الموضوع في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي مخصصين للقضاء الاستعجالي الحيز القليل الذي لا يشفي رغبة الباحث في صبر أغوار هذه المؤسسة، بالإضافة إلى ذلك فإن أكثر الكتابات الجامعية  في هذا الإطار وعلى ندرتها فإنها تقف عند حدود أحد المسلكين، إما تدخل القضاء الاستعجالي في نزع الملكية أو تدخل القضاء الاستعجالي في الاعتداء المادي، لذلك كان لابد من التفكير في إنجاز بحث يعمل على جمع الأدوار التي يلعبها القضاء الاستعجالي في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي في إطار واحد، انطلاقا من تحليل النصوص القانونية وأخذ الآراء الفقهية، وتقفي ما جاد به قضاؤنا الإداري الاستعجالي في هذا الخصوص، محاولين في كل هذا إعطاء تصور نظري حول دور القضاء الاستعجالي في حماية الملكية العقارية سواء في مجال نزع الملكية أو الاعتداء المادي.

إشكالية الموضوع

أما بالنسبة لإشكالية دراستنا فإن البحث في الحماية المستعجلة للملكية العقارية في مجال الاعتداء المادي ونزع الملكية يحيلنا على طرح إشكالية أساسية تتعلق بمدى قدرة القضاء الاستعجالي بإجراءاته ومساطره قادر على توفير حماية فعالة للملكية العقارية سواء تلك الخاضعة للنزع أو تلك المعتدى عليها؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل:

  • ماهي الخصوصيات التي ينفرد بها تدخل القضاء الاستعجالي في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي؟
  • ماهي السلطات المخولة للقضاء الاستعجالي في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي؟
  • ماهي الأدوار الحمائية التي يلعبها القضاء الاستعجالي في حماية الملكية العقارية في مجال الاعتداء المادي ونزع الملكية؟
  • -ماهي القيود التي تحد من تدخل قاضي المستعجلات في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي؟
  • ماهي الحلول التي ابتدعها القضاء الاستعجالي الإداري من أجل تجاوز العراقيل التي تحد من صلاحيته؟

المنهج المعتمد

إن الإجابة عن هذه الإشكالية تستدعي منا الاعتماد على خليط مركب من عدة مناهج:

المنهج التحليلي: عن طريق تقديم تحليل على شكل خلاصة أو ملاحظة في نهاية كل نقطة يتم الانتهاء منها، وذلك من خلال تحليل ما جاء به القضاء الإداري من أوامر وقرارات في موضوع نزع الملكية والاعتداء المادي، لتبين التوجه التي تسلكه المحاكم الإدارية في مختلف جوانب دعاوي نزع الملكية والاعتداء المادي، وكل هذا من أجل الخروج بنظرة يراد لها أن تكون شاملة، تستجيب لما يمكن تقديمه من اقتراحات وتوصيات في سبيل إغناء البحث عن الحلول الكفيلة بتوفير حماية حقيقية للملكية العقارية.

المنهج القانوني: لتبيان المقتضيات القانونية والتنظيمية المؤطرة لتدخل القضاء الاستعجالي سواء في مجال نزع الملكية أو الاعتداء المادي.

المنهج المقارن: من أجل المقارنة بين قواعد الشكل المحكمة لتدخل القضاء الاستعجالي المضمنة في قانون نزع الملكية، مع قواعد الشكل الواردة في قانون المسطرة المدنية، من أجل إبراز الخصوصيات التي ينفرد بها تدخل القضاء الاستعجالي الإداري في مجال الاعتداء المادي ونزع الملكية.

المنهج التاريخي: من أجل تتبع كرونولوجيا العمل القضائي في مسألة اختصاص القضاء الاستعجالي الإداري بالنظر في دعاوي الاعتداء المادي.

وهكذا فإن نطاق بحثنا يتحدد في رصد وتتبع تدخلات القضاء الاستعجالي الإداري في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي بغرض الوقوف على الدور الذي يلعبه في حماية الملكية العقارية في المجالين معا.

وعليه فإن منهاج هذه الدراسة سيكون وفق الشكل التالي:

الفصل الأول: الأحكام العامة لتدخل القضاء الاستعجالي الإداري في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي.

الفصل الثاني: السلطات الحمائية للقضاء الاستعجالي في مجال نزع الملكية والاعتداء المادي وحدودها

ليخلص الباحث من خلال ما سبق يمكننا أن نلمس بوضوح الأسس التي كرسها القضاء الإداري الاستعجالي في حماية الملكية العقارية سواء من خلال القواعد التي تحكم تدخله في مجال نزع الملكية كإجراء استثنائي يخول للإدارة نزع عقارات الخواص من أجل تحقيق غرض المنفعة العامة، أو تدخله في إطار الاعتداء المادي الذي تمارسه الإدارة على الملكية الخاصة، دون سلوك المسطرة القانونية النصوص عليها في القانون 7.81 وهو ما تم دراسته في الفصل الأول.

وقد بينا في الفصل الثاني الدور الذي يلعبه القضاء الاستعجالي في حماية الملكية العقارية والحدود التي تحد من صلاحياته في مجال نزع الملكية والاعتداء الماديّ، بدأ من إبراز دوره في مراقبة تدابير نزع الملكية ورفع الاعتداء المادي مرورا بالحدود والقيود التي تحد من صلاحياته.

وفي خضم معالجتنا لهذا البحث تبينت لنا مجموعة من الملاحظات والتوصيات ارتأينا أن تكون الخاتمة موضع لها

 فبخصوص الملاحظات قدم الباحث مجموعة منها:

  • المشرع جرد قاضي المستعجلات الإداري من صلاحيته في تقدير عنصر الاستعجال منة عدمه، حيث جعل هذا الأخير مفترض بقوة القانون.
  • عدم اخضاع المقالات الرامية للإذن بالحيازة للبيانات المنصوص عليها في الفصل 32 من ق.م.م، إذ تقبل هذه المقالات ولو لم تتضمن البيانات المشار إليها في الفصل المذكور.
  • وجود بعد التناقض في الفصول المنظمة لدفع أو إيداع التعويض المقترح خصوصا الفصول 24و29و31 من قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.
  • المشرع في إطار الفصل 3 من ق.ن.م لم يلزم الجماعات المحلية بأخذ تفويض مسبق من قبل الوزارة الوصية لنزع عقارات الخواص، وبالتالي عدم وجود رقابة قبلية على أعمال هذه الجماعات.
  • المشرع في إطار المادة الثامنة من قانون 41.90 لم ينص على اختصاص المحاكم الإدارية بالنظر في دعاوي الاعتداء المادي، أما اختصاصها الحالي في هذا الأخير يرجع إلى الاجتهاد القضائي.
  • التعويض الناجم عن الاعتداء المادي تتحمله في نهاية المطاف الإدارة، وليس المسؤول الإداري.
  • المشرع لم ينص على أي حلول قانونية لمعالجة مشاريع نزع الملكية المتعثرة العالقة بالرسوم العقارية.
  • تكريس الاجتهاد القضائي الإداري لمبدأ عدم هدم المنشأة العامة ولو أقيمت بشكل مخالف للقانون، الأمر الذي يحد من صلاحيات قاضي المستعجلات في رفع الاعتداء المادي.
  • لا يمكن لقاضي المستعجلات الإداري وقف الاعتداء المادي إذا كان هذا الأخير في مراحل متقدمة أو أن المشروع موضوع الاعتداء المادي قد شارف على الانتهاء.

وأمام هذه الملاحظات فقد قدم مجموعة التوصيات التالية:

  • منح قاضي المستعجلات سلطة تقدير عنصر الاستعجال في مجال نزع الملكية.
  • إخضاع المقالات الرامية للإذن بالحيازة، وجوبا كغيرها إلى البيانات المضمنة في الفصل 32 من ق.م.م.
  • إثارة المسؤولية الشخصية للمسؤول الإداري أو الموظف الذي كان وراء عملية الاعتداء المادي على ملك الغير، إذ بذلك سيجرد هذا المسؤول من الاحتماء وراء حصن المسؤولية الإدارية، ولا شك أن إعطاء العبرة سيخفف حتما من هذه الظاهرة وسيفرض سيادة القانون والمشروعية.
  • إعادة النظر في الفصول المنظمة لدفع وإيداع التعويض، عن طريق صياغة متكاملة ومنسجمة مع بعضها البعض درءا لكل غموض أو تناقض قد يسقط القاضي الاستعجالي في دوامة الحيرة والتي من الممكن أن تضر بمصالح المنزوعة ملكيتهم.
  • تعديل مضمون الفصل 3 من قانون نزع الملكية، في اتجاه فرض الرقابة على الجماعات الترابية من قبل الوزارة الوصية (وزارة الداخلية).
  • ضرورة اشتراط إيداع مقالي الحيازة ونقل الملكية في وقت واحد، من أجل التعجيل بالمسطرة، وكذا منع الإدارة من القيام ببعض الممارسات التي تؤدي إلى عدم استكمال مسطرة نزع الملكية
  • تعديل المادة الثامنة من قانون 41.90 عن طريق إضافة دعاوي الاعتداء المادي إلى اختصاصات المحكمة الإدارية
  • تعديل الفصل 17 من قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية، بإضافة فقرة أخيرة إلى الفصل المذكور تعطي لقاضي المستعجلات الصلاحية للتشطيب على مشاريع نزع الملكية غير المفعلة
  • العدول عن الاتجاه القضائي المكرس حاليا بعدم هدم المنشأة العامة التي أقيمت في إطار الاعتداء المادي، لأن ذلك يشكل قيدا على صلاحيات قاضي المستعجلات في حماية الملكية العقارية.

[1] عبد الله حداد  تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، مطبعة عكاظ- الرباط-، الطبعة الأولى، 1999.ص:260

[2] أمينه مصطفى النمر: مناط الاختصاص والحكم في الدعاوى المستعجلة، مطبعة الإسكندرية، الطبعة الأولى، السنة 1967، ص: 19

[3] سورة المائدة الآية 48.

[4] قضاء المظالم هو قضاء متخصص يتميز باختصاصات ذات طبيعة إدارية، حيث ينظر في “عشرة أقسام وهي: الأول: النظر في تعدي الولاة على الرعية، الثاني: جور العمال فيما يجتبونه من الأموال، الثالث: كتاب الدواوين، الرابع: تظلم المرتزقة من نقص أرزاقهم وتأخرها عنهم، الخامس: رد الغصوب، السادس: مشارفة الوقوف، السابع: تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة لضعفهم عن إنفاذه، الثامن: النظر فيما عجز عنه الناظرون في الحسبة من مصالح العامة، التاسع: مراعاة العبادات الظاهرة، كالجمع والأعياد والحج والجهاد من تقصير فيها أو إخلال بشروطها، العاشر: النظر بين المستأجرين.”

-أبو الحسن ابن حبيب البصري الماوردي: الأحكام السلطانية، مطبعة دار ابن قتيبة – الكويت- الطبعة الأولى 1989 ص: 107 ومايليها.

[5] René Morel : traité élémentaire de procédure civile 2ème édition 1949 para 227 p :186.

[6] سمير محمد المحادين ” صلاحيات قاضي الأمور المستعجلة – دراسة مقارنة-” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الشرق الأوسط، عمان-الأردن، السنة الجامعية 2013/2014 ص:8.

[7] عبد اللطيف هداية الله : القضاء المستعجل في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1998 ص:43.

[8] Loi nº 2000-597 du 30 juin 2000 relative au référé devant les juridiction administratives décret d’application n 2000- 1115 du 22 novembre 2000.

[9] محمد بنحساين التنظيم القضائي المغربي، مطبعة تطوان، الطبعة الأولى 2015، ص:24.

[10] الظهير الشريف رقم 64/3، المؤرخ في 26/01/1965 بشأن توحيد المحاكم، الجريدة الرسمية عدد 2727 الصادرة بتاريخ 22 رمضان 1384 الموافق ل 03 فبراير 1965، ص: 208.

[11] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية ج.ر عدد 3230 بتاريخ 30/09/1974 ص: 2741.

[12] ظهير شريف رقم 1.91.225 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، ج.ر عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3 نوفمبر 1993)، ص 2168.

[13] ظهير شريف رقم 1.81.254 صادر في 11 من رجب 1402 (6 مايو 1982) بتنفيذ القانون رقم 7.18 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت: ج.ر عدد 3685 بتاريخ 15/06/1983 ص: 980.

[14] ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، ج.ر عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011)، ص: 3600.

[15]  ينص الفصل 35 من دستور 2011 على أنه:” يضمن القانون حق الملكية.

ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.”

اترك رد

error: Content is protected !!