المسؤولية الجنائية للطبيب عن الخطأ الطبي

شارك

المسؤولية الجنائية للطبيب

عن الخطأ الطبي

بحث لنيل شهادة الاجازة في القانون

إعداد: ايمان بشي – منعم استيت

تقديم

تثير ممارسة النشاط الطبي، مهما اختلفت طبيعته، العديد من المشاكل، وبالتالي الكثير من الاهتمام، ولعل من أبرز هذه المشاكل ما يتصل بالمسؤولية المدنية الناتجة عن تلك الممارسة، خاصة بعدما أخذت تجد العديد من حلولها أمام القضاء، حيث تحتك تعقيدات النصوص القانونية بمجال علمي صرف.

وتتضاعف حساسية هذا الموضوع من خلال اتصاله بجسم الإنسان بكل أسراره وما يقتضيه من احترام أكيد تطبيقا لقول الله تعالى ولقد كرمنا بني آدم الآية 70 من سورة الإسراء.

ويضاف إلى كل ما سبق بيانه أن أغلب الأطباء يجهلون كلية مختلف الالتزامات القانونية التي تثقل كاهلهم، باستثناء ما يتصل ببعض جوانب أخلاقيات المهنة، إذ التكوين الذي يلقن لهؤلاء الأطباء لا يتضمن عادة أية معلومات قانونية.

إن الطبيب، وهو يفتخر بمختلف الخدمات الاستشفائية الناجحة التي أنجزها طيلة حياته المهنية والتي تعد أحيانا إنجازات باهرة تفوق حد التصور، يشعر بحزن عميق وبخيبة أمل كبيرة عندما يجره أحد المرضى ممن سبق له أن قدم له بعضا من تلك الخدمات إلى ساحات المحاكم، حيث يتكشف له شيئا فشئيا أنه يعمل في مجال محفوف بالمخاطر إذ أن أبسط الهفوات أو مجرد سهو، قد تجعله تحت وطأة المسؤولية المدنية.

وفي هذا الإطار يصبح القاضي –وهو بشر يتصف نشاطه بالقصور كذلك- مشدودا بين أمرين: إما حماية الطبيب ومن خلاله الممارسة الطبية، وإما حماية المريض، ومن خلاله الإنسان باعتباره إنسانا.

إن الممارسة الطبية، وقد أشرنا إلى أنها نشاط علمي يصطبغ بالطابع الإنساني، تتبلور غالبا في إطار تعاقدي له خصوصياته.

فنحن أمام وضع قانوني طرفه الأول طيب بعمله ونفوذه وقوة شخصيته، وطرفه الثاني شخص أنهكه المرض، بل وأشرف على الهلاك أحيانا.

وفي إطار هذا الوضع، الطبيب يأمر ويفرض، والمريض يقبل وينفذ وهو مسلوب الإرادة كلية، لا يفكر إلا في الشفاء الذي قد يأتي وقد لا يأتي.

ولآن الأمر كذلك، وحتى يمارس الطبيب عمله النبيل وهو مطمئن البال بعيدا عن كل مساءلة كيفما كانت، فقد تسامح معه القضاء كثيرا في هذا المجال، لدرجة أنه لم يكن يحاسبه إلا على خطئه العمدي، أو على الأقل خطئة الجسيم.

غير أن تطور الفكر القانوني واتساع حماية الفئات المستضعفة داخل المجتمع، ثم دخول التأمين كعنصر مؤثر في العديد من المجالات –ومنها المجال الطبي- إضافة إلى ما يجنيه الطبيب من أتعاب وافرة، كل ذلك جعل القضاء، من خلال تطور بطيء، يتخلى عن ربط المسؤولية الطبية المدنية بالخطأ الجسيم، حيث أصبح الطبيب، وككل أفراد المجتمع، يسأل عن أخطائه البسيطة وعن مجرد هفواته أحيانا، بل وصار يسأل مدنيا عن مجرد تفويت فرصة للمريض la perte d’une chance.

ولم تكتف الممارسة القضائية بإعادة النظر في أحكام المسؤولية بالشكل السابق بيانه وإنما ساهمت في إثقال كاهل الطبيب بالتزامات جديدة مثل الالتزام بتبصير المريض بخطورة ما هو مقبل عليه من عمليات ومثل إسداء النصح له فيما يعد غائبا عنه.

يرى البعض أن مهنة الطب تبقى المهنة المقدسة الوحيدة في عالمنا المعاصر، ونحن لا نريد أن نعطيها وصفا مقدسا، ولا أن نهبها سمة السحر، وإنما نقصد فقط أن نؤكد على تلك الهالة من الإكبار التي تحظى لها لدى الناس وتجعل ممارستها يرتفع في نظرهم إلى أسمى مراتب التقدير، ينظرون إليه نظرتهم إلى فنان مبدع، ولذلك نقول إنها مهنة نبيلة، تتميز عن غيرها من المهن الأخرى لارتباطها بجسم الإنسان وحياته، وهذا الارتباط من شأنه أن يحافظ لها على طابعها النبيل ويعطي لممارسها هالة من الإجلال لا يتمتع بها سواه من المهنيين، فإذا كان المريض المثقل بالآلام والضعف والعجز، يرى الصحة تاجا على رؤوس الأصحاء، فإنه يبصر الطبيب الذي يسهم في تخفيف آلامه وتقويم عجزه شمسا بين الكواكب.

وإن علاقة الطب بجسم الإنسان وحياته كذلك، هي التي جعلت الرأي العام أولا، ثم الفقه والقضاء فالقانون بعد ذلك، يختلف حول موضوع مسؤولية الطبيب عن أخطائه، ما بين مناد بإعفائه كلية من المسؤولية، وقائل بوجوب مساءلته عن أخطائه مطلقا، أو عن الجسيم منها على الأقل ولكل فريق مبرراته وحججه.

فالقانون بوجوب إعفاء الطبيب إعفاء تاما من المسؤولية عن التي قد يرتكبها أثناء مباشرة عمله الطبي، يدعون إلى ذلك اعتمادا على المبررات التالية:

1ـ إن الطبيب حاصل على شهادة علمية عليا ورخصة لممارسة فنه، تشهدان له بالكفاءة للقيام بالأعمال الطبية، 2- وهذا دليل على قدرته أكثر من غيره من الناس على علاج الأمراض؛

التصور التاريخي للمسؤولية الطبية

1ـ نظام المسؤولية الطبية عند قدماء المصريين:

كان المصريون يعالجون الأمراض وفقا لقواعد وضعها كبار الأطباء وسجلوها في السفر المقدس، وهو كتاب دون فيه دهاقنة الطب في ذلك الوقت الطرق التي اعتبروها الأصلح لعلاج الأمراض وكان على الطبيب أن يلتزم في علاج مريضه بتلك القواعد لكي يكون بمنأى عن المسؤولية حتى ولو مات المريض؛ أما إذا حاد عنها فإنه يعاقب بالإعدام.

وكان المشرع المصري القديم يرى أن ما وضعه أساطين الطب القديم ودون بالسفر المقدس يعتبر أعلى ما وصل إليه الطب من وسائل العلاج في تلك الحقبة من الزمن[1].

2ـ نظام المسؤولية الطبية عند البابليين:

كان نظام المسؤولية الطبية في قانون حمورابي قاسيا جدا، فقد نصت المواد 218 و219 و220 من ذلك القانون أن الطبيب الذي يعالج جرحا بليغا أو يشق ورما بواسطة مبضع جراحي معدني فيتسبب في موت مريض من السادة تقطع يداه، وإذا كان المريض الهالك من العبيد وجب على الطبيب أن يعطي سيده عبدا مكانه، أما إذا عطل عين المريض فيدفع قيمتها فضة.

ولقد كان من نتائج هذا التشدد أن انقراض الأطباء في بابل[2].

3ـ نظام المسؤولية الطبية عند اليهود:

لم يكن يسمح للطبيب بالممارسة إلا بعد الحصول على إذن بذلك من مجلس القضاء المحلي، وكان يسأل عن أخطائه إذا خالف أصول المهنة أو كان القصد من عمله شيئا آخر غير شفاء المريض، أو إذا لم يكن حاصلا على الإذن بالممارسة، وتقوم مسؤوليته ولو كان عمله مجانيا[3].

4ـ نظام المسؤولية الطبية عند اليونان:

ازدهر الطب عند قدماء الإغريق الذين كانوا يقدسون المهنة ووضعوا لها إلها من بين الأطباء هو “اسكلابيوس”، وهو طبيب عرف بالحذق والمهارة، وإليه يعزى وضع رمز الطب المتعارف عليه إلى اليوم والمتمثل في العصا والثعبان.

إلا أن أشهر الأطباء اليونانيين هو “أبو قراط” صاحب قسم الشرف[4] الذي جرى العرف الطبي في العالم كله أن يؤديه كل طبيب قبل ممارسة مهنته، ويعد “أبو قراط” Hippocrate[5] أبا الطب، وإليه يعود الفضل في وضع الأسس العلمية للمهنة وفصلها عن السحر والخرافات، وكان يعتمد على ملاحظة حالة المريض ويرصد الأعراض البادية عليه ويضع على أساسها القوانين العلمية للمهنة[6].

كان الطبيب اليوناني يتوفر على قدر أكبر من الحرية في العلاج، ولكنه كان يسأل عن عدم عنايته العناية الواجبة بالمريض[7].

وقد قام الإسكندر الأكبر بإعدام الطبيب كلوكيس Glaucus طبا بالإسكندرية لأنه ترك مريضا في حالة خطيرة وذهب لمشاهدة حفلة تمثيلية، فمات المريض[8].

ورغم ذلك فقد ورد عن أفلاطون أن الرقابة على الأطباء لم تكن كافية وأنهم كانوا يتقاضون أجورهم سواء شفي المرضى أو لم يشفوا[9].

5ـ نظام المسؤولية الطبية عند الرومان:

في البداية كان الطبيب الذي يخطئ معرضا للعقاب شديد تبعا لمركزه الاجتماعي، فهو ينفى إلى إحدى الجزر إذا كان من الطبقة الراقية، ويعدم إذا كان من الطبقة الدنيا.

غير أنه مع التطور الذي عرفته روما، اكتسب الأطباء نوعا من الحصانة بعدما القانون الروماني إلى التسليم بأن الطب مهنة تقوم على التخمين، ولم يعد الطبيب يعاقب إلا على الأخطاء التي يرتكبها بسبب جهله، إذ اعتبره القانون الروماني كمن يرتكب غشا فأوجب مسؤوليته.

 أهمية الموضوع وأسباب اختياره

يتضح للبعض منذ الوهلة الأولى أن موضوع “المسؤولية الجنائية للطبيب عن الخطأ الطبي” من المواضيع التقليدية التي لا جدوى من البحث فيها، لكن سرعان ما يتبين مدى أهميتها والتي تكمن في مدى حساسية الموضوع والذي عرف نقاشا فقهيا وقضائيا على مر العصور، حيث أحدث جدلا واسعا حول الأسس القانونية التي على أساها يمكن إثارة المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية والتي في الغالب تعد أخطاء لجرائم غير عمدية والأمر يعزى في ذلك إلى القصور التشريعي في ضبط النصوص الجنائية التي تجرم مفهوم الخطأ الطبي بشكل واضح وصريح، دونما الرجوع والركون إلى القواعد العامة قياسا على مفهوم الخطأ بشكل عام.

إشكالية البحث

تكمن إشكالية البحث من محتوى المسؤولية الجنائية وماهية الخطأ بشكل عام والخطأ الطبي بشكل خاص عن جرائم الأطباء المضمنة في القانون الجنائي سواؤ كانت مدية أو غير عمدية هذا الأمر يصعب احتواء نطاقها بين الأخطاء الفنية والأخطاء العادية فما يمكن أن يعتبر خطأ فنيا يصلح أن يشكل خطأ عاديا والعكس صحيح فتتوسع بذلك متاهة القاضي الجنائي في ضبط هذه الأمور التقنية حتى بوجود الخبرة القضائية لتكوين قناعته الشخصية وبالتالي يصعب الترجيح في مجال الإثبات لجهة على حساب أخرى –المرضى أو الأطباء- في المنازعات الطبية الجنائية.

منهج البحث

قام الباحث بالاعتماد على المنهج التحليلي النقدي المقارن وذلك من أجل المنهج المتبع مع طبيعة البحث.

خطة البحث

ولأجل الإلمام والإحاطة بهذا الموضوع اقتضت دراسته أن تكون خطة البحث مقسمة إلى فصلين كالآتي:

الفصل الأول: الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء

الفصل الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء

الفصل الأول: الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء

الفصل الأول: الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء

تعتبر مسألة الخطأ المهني من المواضيع التي لا تزال تشكل غموضا، باعتبار أن ركن الخطأ هو المركز الذي تدور عليه المسؤولية بصفة عامة وجودا وعدما، فالمشرع المغربي يعتبر كمبدأ عام أن المسؤولية قوامها الخطأ، مادام وجود هذا الأخير يشعر حتما بوجود المسؤولية.

وإذا كان الخطأ من المفاهيم التي استعصت عن التحديد القانوني الدقيق على أساس الجدل الواسع بين مواقف التشريع والفقه والقضاء إن على المستوى المدني او المستوى الجنائي معا[10]، فإن

فاعتبر مثلا أن خطأ الطبيب المادي والذي لا يتصل بالأمور العلاجية يسأل عنه الطبيب جنائيا ومدنيا فالطبيب الذي يجري عملية جراحية بأدوات غير معقمة أو يترك كمادات المهني فقد تضاربت بشأنه الاجتهادات واعتبرت بادئ الامر مسؤولية الطبيب قائمة إذا ارتكب خطأ مهنيا جسيما لكن سرعان ما تراجع عن هذا الاتجاه وحمل المسؤولية للطبيب سواء كان الخطأ ماديا أو مهنيا يسيرا أو فادحا.

ما يهمنا هو هذا الأخير في نطاقه الطبي الموجب لمسؤولية الأطباء عن أخطائهم المهنية المادية (العادية) ثم (الفنية أو التقنية).

فمفهوم الخطأ المهني (أو الطبي) كما عبر عنه رأي في الفقه هو خطأ فني، ويقصد به ما يصدر عن رجال الفن كالأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين من خطأ متعلق بأعمال مهنتهم، ويتحدد هذا الخطأ بالرجوع إلى القواعد العلمية والفنية التي تحدد أصول مباشرة هذه المهن، وقد يرجع هذا الخطأ إلى الجهل بهذه القواعد أو تطبيقا غير صحيح أو سوء التقدير فيما تخوله من مجال تقديري[11] أو هو ذلك الذي يتعلق بصناعة الشخص أثناء مزاولته إياها كخطأ الطبيب والمهندس والصيدلي وما في حكمهم…

وخطأ الطبيب هو ذلك الخطأ الذي يتصل بالأصول الفنية للمهنة كخطأ الطبيب في التشخيص أو خطأه في اختيار وسيلة العلاج، فالطبيب الذي اعتاد القيام بعمليات الإجهاض في عيادته فيقوم بقتل الأجنة وتقديمها طعاما بعد طبخها إلى كلبه يكون قد ارتكب خطأ مهنيا فادحا[12]، يفيد معه أن الخطأ المهني يتصل بقواعد مهنة الطب، فكل مخالفة لنصوص القوانين الطبية يشكل خطأ مهنيا تترتب عنه مسؤولية الطبيب، والتي تتحدد حسب جسامة الخطأ إلى خطأ مهني جنائي، مدني، تأديبي أو كلاهما معا أو أحدهما دون الآخر.

يتضح معه أن الخطأ المهني خطأ مادي، وهو ما يجعل من الخطأ المهني يزاوج بين الأخطاء الفنية (المهنية) والأخطاء المادية التي يبدو أ هاته الأخيرة ترشم بجلاء في القواعد العامة أي الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي سواء وسمت بالجرم العمدي أو الغير العمدي غالبا، وهو الأعم الموجب للمسؤولية الطبية في شقها الجنائي، على أن الخطأ المهني صور متعددة المشارب بين تعدد الروافد التشريعية: القوانين المنظمة لمهنة الطب من جهة والقواعد العامة المشكلة في القانون الجنائي ثم بعض القوانين الخاصة: المخدرات، الطب العسكري، طب السجون، الحالة المدنية، ثم طب الشغل في إطار مدونة الشغل كما سنرى لاحقا.

لذلك ونحن بصدد دراسة “الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء” في هذا الفصل سنعمد إلى تقسيمه إلى مبحثين:

المبحث الأول: نبحث فيه ماهية الخطأ الطبي، ووسائل إثباته

المبحث الثاني: نرصد فيه عنصري الضرر (النتيجة الإجرامية) والعلاقة السببية في نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: نبحث فيه ماهية الخطأ الطبي، ووسائل إثباته

أن الخطأ هو كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأحوال الطبية التي يقضي بها العلم أو المتعارف عليها نظريا وعلميا وقت تنفيذه للعقد الطبي أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون قبل التريث على فعل نتائج جسيمة في حين كان في قدرته وواجبا عليه، أن يتخذ في تصرفه اليقظة والتبصر لا يضر بالمريض في حين تتعلق مهنة الطب بمقصود عظيم من مقاصد الشرع وهو حفظ النفس ويعتبر هذا القصد مشتركا إنسانيا عاملا لا يختلف أحد على أهميته وأهمية هذه المهنة ونبل القائمين عليها مهما كان جنسهم ودينهم وفلسفتهم للحياة الإنسانية وان امتداد وآثار التطور العلمي والطبي إلى بعض المجتمعات قد يقضي إلى وجود اختلاف ما بين طبيعة الممارسة الطبية المتقدمة والمتشبعة اليوم وبين القوانين والضوابط التي تتحكم العلاقة المهنية بين الطبيب والمريض، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين يتضمن المطلب الأول تعريف الخطأ الطبي ودرجاته، ويتضمن[13]:

المطلب الأول: تعريف الخطأ الطبي ودرجاته

الفقرة الأولى: تعريف الخطأ الطبي

تعريف الخطأ الطبي لغة: معنى الخطأ نقيض الصواب، وقد يمد وقرئ بهما قوله تعالى “ومن قتل مؤمنا خطا” تقول منه أخطأت وتخطأت، بمعنى واحد، والخطأ الذنب في قوله تعالى “إن قتلهم كان خطأ كبيرا” أي إثما، تقول منه خطأ، يخطأ، خطأ، وخطأه على فعله والاسم.

تعريف الخطأ اصطلاحا (القانوني): فقد عرف الخطأ الطبي تعريفات عديدة منها أنه كل فعل أو ترك إرادي تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل لا بطرق مباشرة ولا بطرق غير مباشرة ولكنه كان بوسعه تجنبها.

أو أنه الإخلال الجنائي عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولة تبعا لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى إحداث النتيجة الإجرامية في حين كان ذلك في استطاعته وكان واجبا عليه.

وقد عرفه البعض بأنه (تقصير في مسلك الطبي لا يقع من طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية للطبيب المسؤول[14] ومنهم من عرفه (عدم قيام الطبيب بالالتزامات التي تفرضها عليه مهنته)، وقد يعرف الخطأ الطبي بشكل عام (بأنه الخروج على السلوك للرجل العادي)[15].

الفقرة الثانية: درجات الخطأ الطبي

يرتبط تحديد درجة الخطأ الطبي بجسامة النتيجة، فقد يكون الخطأ يسيرا وقد يكون الخطأ جسيما، وقد ترتبط درجة الخطأ بنوع الخطأ فقد يكون مادي وقد يكون فني، الخطأ الجسيم يتخلف فيه قصد الأضرار من جانب مرتكبه، وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه حرصا في شؤونهم الخاصة، أما الخطأ اليسير فهو الخطأ الذي لا يقترفه شخص معتاد في حرصه لا تقاس بأهمية ما يترتب عليه من ضرر حيث أشد الأضرار قد ينجم عن أتفه الأخطاء.

كما أن أشد الأخطاء قد لا يحدث الأضرار بسيطة ولذا فأنه إذا أقدم طبيب على سلوك معين محتملا وقوع ضرر نتيجة سلوكه وقام به فهذا خطأ جسيم طالما، أنه لم يقصد الإضرار بالمريض، وتختلف بجسامته باختلاف درجة توقع حدوث الضرر.

فكلما اقترب دخول الضرر من اليقين زادت جسامة الخطأ، والعكس صحيح أي كلما زاد الشك في احتمال حدوث الضرر قلت درجة الخطأ[16]، وأن القضاء الفرنسي قضي بمسؤولية الطبيب عن خطئه اليسير وإهماله أو رعونة أو عدم احترازه وعبر عن الخطأ الجسيم بمصطلح الخطأ الواضع أو المميز[17].

الخطأ المادي: بأنه الإخلال بالتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية اللازمة عند القيام بسلوك معين أو إتيان فعل ما لتجنب ما قد يؤدي إليه السلوك من نتيجة غير مشروعة وقد عرف الخطأ الفني بأنه (الخطأ الذي يقع من الطبيب أثناء ممارسة مهنة الطب وأحوالها بحيث يكون لصيقا بصفة الطبيب المزاولة لها ويستحيل نسبته إلى غيره[18].

وفي شأنه التفرقة بين الخطأ المهني والمادي، اعتنق القضاء مبدأ التفرقة بين الخطئة المهني الجسيم دون اليسير، وأخضع خطئه الذي لا يتعلق بأصول المهنة إلى القواعد العامة في المسؤولية عن الخطأ، يبين لنا مما تقدم أن القضاء والفقه الفرنسي والمصري ذهب إلى القول بمسؤولية الطبيب الجنائية إذا توافر إلى جانبه الخطأ الجسيم، فجعل مسؤوليتهم عن الأول لا تنعقد إلا بوجود الخطأ الجسيم، أما الثاني فيخضع تقديره للقواعد العامة في المسؤولية الغير العمدية، وأخيرا انتهى التطور بالقضاء والفقه الفرنسي والمصري إلى القول بأن مسؤولية الأطباء الجنائية تقوم عن كل خطأ ثابت في حقه على وجه اليقين ولا يثبت الخطأ –من وجهة نظرنا- إلا إذا خالف الطبيب أحد الأصول أو المبادئ المستقرة في علم الطب سواء كان ذلك الخطأ فنيا أو عاديا، جسيما كان أو يسيرا[19].

الفقرة الثالثة: أنواع الخطأ الطبي

إن الخطأ الطبي في المجال عدة أنواع وفقا لاعتبارات متعددة فقد يكون الخطأ مادي وهو الخطأ الذي يقع من الطبيب دون ان يكون له صلة بمهنته فهو خطأ خارج عن حدود المهنة شأن الطبيب فيه شأن غيره من الناس ومثاله أن يجري الطبيب عملية جراحية دون أن يقوم بالتعقيم ومراعاة قواعد النظافة، وقد يكون الخطأ فني أو مهني فهو ذلك الخطأ الذي يصدر عن الطبيب بالمخالفة للقواعد الفنية والطبية وهو أن يخطأ الطبيب في تشخيص المرض تشخيصا دقيقا، وقد يكون الخطأ جسيم وهو لا يصدر من أقل الناس يقظة وتبصرا، وبهذا المفهوم فإن حدوثه ينشأ عنه الضرر المنسوب للطبيب، وقد يكون الخطأ يسير وهو الذي يرى الطبيب البعض الذي وجد في نفس ظروف الطبيب المسؤول أنه في الغالب غير محتمل الحدوث وبناء على ذلك فإن الطبيب لا يسأل عن الخطأ الصادر منه إلا إذا كان جسيما وأن هذه الأخطاء لا تقع من الطبيب اليقظ وإنما تقع من الطبيب المهمل لأصول مهنته[20].

أولا: الامتناع عن العلاج

يقع على الطبيب واجب علاج المريض استنادا إلى نصوص مزاولة المهن الصحية، كما نصت المادة (27) من قانون الاتحادي رقم (7) لسنة 1970 في شأن مزاولة مهنة البشري على أنه لا يجوز أن يمتنع الطبيب عن علاج مريض أو إسعاف مصاب ما لم تكن حالت خارجة عن اختصاصه وعليه أن يجري له الإسعافات الأولية اللازمة ثم إلى أقرب مستشفى حكومي إذا رغب في ذلك[21].

ولقد قضت محكمة النقض المصرية حكمها الصادر في فبراير سنة 1973 خطأ الطب في رقابة المريض عقب إجراء العملية الجراحية، وأن كنا نرى أن عنصر الرقابة لا يمكن فصله عن عنصر العلاج، بل هو الممكن له وهو العنصر الفعال في تحقيق نتيجة العلاج، كما أقرت المحاكم الفرنسية في هذا الشأن بمسؤولية الطبيب بسبب إهماله في رقابة المريض فقد خصص قانون العقوبات العراقي المادتين (370-371) لمعالجة مسألة الامتناع بوجه عام، عن تقديم المعونة التي يطلبها موظف، أو مكلف بخدمة عامة أثناء حصول حريق أو عزق أو كارثة، وكذلك الامتناع والثواني غير المبرر بعذر، عن إغاثة ملهوف في كارثة، أو مجني عليه في جريمة، فضلا عن الامتناع دون عذر عن رعاية العجز بسبب شيخوخة أو مرض وكان مكلفا قانونيا أو اتفاقا بهذه الرعاية، كما يحظر على ذوي المهن الصحية، رفض معالجة أي مريض ما لم تكن حالته خارج اختصاصهم أو توفرت لديهم أسباب أو اعتبارات مهنية تبرر ذلك باستثناء الحالات الطارئة فيجب على الطبيب بذل العناية اللازمة لأي كانت الظروف مستخدما كل الوسائل المتاحة لديه حتى يتأكد من وجود أطباء آخرين يملكون القدرة والإمكانيات لتقديم العناية المطلوبة[22].

ثانيا: الخطأ في التشخيص

يقوم الطبيب بعد قبول علاج المريض بفحص وتشخيص حالته تشخيصا دقيقا عن طريق استخدام أفضل واحدث الوسائل العلمية وذلك لكي يتوصل إلى علاج الآلام التي يعاني منها المريض ويسأل الطبيب إذا كان خطؤه في التشخيص راجعا إلى عدم استعماله الوسائل العلمية الحديثة كالسماعة الطبية والأشعة والفحص المختبري وجهاز رسم الطبيب[23]، ويقد يكون الخطأ في هذه الحالة عن طريق الإهمال وهو ينحرف إلى جميع الحالات التي يهم لبها الفعال اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية حقوق الغير التي لو اتخذت لما أمست هذه الحقوق في حين نص قانون العقوبات العراقي في المادة (35) “تكون الجريمة غير عمدية إذا وقعت النتيجة بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ إهمال أو رعونة أو عدم انتباه أو عدم احتياط أو عدم مراعاة للقوانين والأنظمة والأوامر”.

وتفاوت درجات الإهمال فقد يكون خطأ الإهمال خطأ جسيما وقد يكون يسيرا والخطأ الجسيم هو الخطأ الذي يقع فيه أكثر الناس إهمالا بحيث لا يقع إلا من شخص عديم الاكتراث وعرفه بعضهم بأنه: الإهمال أو عدم التبصر الذي بلغ حدا من الجسامة يجعل له أهمية خاصة وإذا كان الخطأ العمدي ينطوي على سوء نية فإن الخطأ الجسيم لا ينطوي عليها ولكن مع ذلك لا يعني إزالة وصف الخطأ الجسيم ويسأل مرتكب الفعل عن خطأه الذي سبب ضررا للغير[24].

ثالثا: الخطأ في العلاج

إذا نظرنا إلى واقع الممارسة الطبية اليوم وجدنا أن مستند المسؤولية الطبية يعتمد على القوانين المعمول بها في كل مجتمع وهي إن كانت تعتبر من حيث المبدأ جملة الأمور المشتركة المتفق عليها فإننا نجد تفاوتا واضحا في تقويم وتقرير موجبات وآثار هذه المسؤولية فالنظم القانونية المعمول بها اليوم تمنع من مزاولة المهنة من لم يتأهل لذلك ولكننا نجد تفاوتا بين مجتمع وآخر في آلية تحديد هذه الأهلية، ولا تسمح للنظم القانونية للطبيب للتعدي على المريض أو تشخيص بدون إذنه أو إذن سلطة لها صلاحية وولاية خاصة أو عامة غير أن هناك تفاوتا بين مجتمع وآخر في تحديد ضوابط هذا التعدي، وأن الطبيب ملزم ببذل قصارى جهده في اختيار الدواء والعلاج الملائمين بحالة المريض وأن يكتب له الوصف الطبية بوضوح ويحدد له كل الجرعات وطرق استعمالها بغرض تحقيق الشفاء أو تخفيف الألم عن المريض وهل المريض لديه حساسية من بعض الأدوية[25].

وعلى الطبيب عند إجرائه العملية والمعالجة أن يتبع أصول الفن المقررة علميا وأن لا يجعل عمله العلاجي يسري في مجال غير مقر فنيا أو لا يزال قيد التجربة والبحث لأن عمليات الجراحة والمعالجة المباحة هي تلك التي تعتبر لازمة لتحسين صحة المريض ليس غيره مما يترتب عليه أنه إذا قام المعالج بإجراء عمل على مريض لا يقره علم الطب ولا تعترف به أصول فنه فإن عمله هذا يتجرد من حقه الإباحة ويصبح جنائيا[26].

رابعا: الخطأ في الرعاية الفنية اللاحقة للعلاج

يلتزم الطبيب المعالج في هذه المرحلة الهامة خاصة إذا ما كانت حالة المريض حرجة وتستلزم متابعة الطبيب أن يضع برنامجا لمتابعة حالة المريض وفي حال إهمال الطبيب للمريض يعتبر مسؤولا عن إهماله وعدم أخذه للحيطة والحذر حيث إن دور الطبيب لا يقف عنده مجرد إجراء العملية الجراحية فقط، بل يمتد

المطلب الثاني: إثبات الخطأ الطبي :

بالإضافة إلى اشتراط القانون بعض الشروط والالتزامات الأساسية لممارسة العمل الطبي: الإذن القانوني بمزاولة المهنة[27]، قصد العلاج أو الشفاء للمريض، الامتثال لقواعد وأحكام المهن الطبية. والتي لا تعد في الغالب سوى تطبيقا لشرط – حسن النية[28] الواجب توافره في الطبيب عند مباشرته لعمليات التطبيب البسيط (الطب العادي) أو التطبيب المعقد (الطب الفني والتقني) على جسم المريض، فإن المشرع تداركا منه للنقص الذي كان يعتري نصوص المهنة- القوانين الطبية – فقد أوجد بعض الالتزامات تتحقق على إثرها مسؤولية الطبيب الجزائية متى ثبت عدم القيام بها قبل أي تدخل جراحي خاصة، وهي: الالتزام بتبصير المريض، الالتزام بالحصول على رضاه، ثم الالتزام بضمان سلامته الجسدية والنفسية

الفقرة الأولى: التزام الطبيب بالتبصير

الإعلام لغة هو: الإخبار والإخطار بواقع معين حتى يكون الطرف الآخر على بنية من أمره، وقد ارتبط ظهور هذا المصطلح في المجال القانوني بنمط التعاقدات التي تحصل بين أطراف غير متوازنة من حيث المراكز القانونية التقليدية لنظرية العقد، كمبدأ “سلطان الإرادة”، ومبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”، لإخضاع الطرف الأخر لإرادته، وذلك كله دون أن يخرق المنظومة التقليدية لعيوب الإرادة[29] وفي حقيقة الأمر إن التزام الطبيب بتبصير المريض والحصول على رضاه المستنير قد تأسس عن طريق القضاء الفرنسي، حتى قبل أن يعترف بوجود علاقة تعاقدية بين المتعاقدين، وهو ما يعني أن التزام الطبيب باحترام إرادة المريض يكون عقديا في حالة وجود اتفاق بين الطرفين، بيد أن غياب العقد لا ينفي وجود هذا الالتزام الذي يجد أساسه في مبادئ قانونية تتجاوز حدود العقد، وتجعل منه التزاما عاما يرتبط بمباشرة الأعمال الطبية[30] وهو ما يجعلنا نستشف أن الأساس القانوني لهذا الالتزام تتنازعه مسألتان: العقد الطبي ثم نصوص القانون.

أما من الناحية العملية يثير موضوع الإعلام مسألة تحديد المعلومات التي يجب إيصالها إلى المريض، وعلى أي أساس سيتأسس إثبات الالتزام بالتبصير أو الالتزام بالإخبار أو الالتزام بالإعلام؟

عنصر الإعلام عمليا تعترضه صعوبات، بعضها له علاقة باللغة الطبية وبالتقنية الجراحية الطبية، التي يتعذر على المريض في معظم الأحوال أن يكون عارضا لها وملما بها، والتي لا يملك التعامل معها وتسخيرها للعلاج سوى الطبيب الجراح ذي الكفاءة والاختصاص. ومثل هذه الحقيقة يتعين على الطبيب الجراح أن يعيها ويأخذها بعين الاعتبار لأنه يتعامل – في اغلب الأحوال- مع مريض لا دراية له بالعلوم الطبية والجراحية وبتقنياتها المعقدة والدقيقة وبعضها الآخر له صلة بنفسية المريض المقبل على العملية الجراحية، خصوصا وأن هذا الأخير يبدو في معظم الأحوال – قلقا ومنشغلا بصحته قبل كل شيء، حتى ولو لم تكن حالته تستدعي كل هذا التطور والاضطراب النفسي، كما أن قدرته على المقاومة تكون أقل مما تكون عليه في الأحوال العادية، وفي الحالة التي يتم فيها إعلامه بكل الحقيقة ربما رفض التدخل الجراحي على الرغم من أهميته ولزوميته لمثل حالته… لذلك أجازت المادة 31 من قانون السلوك الطبي المغربي الصادر بتاريخ 1953/ 6 / 8 إخفاء الإنذار الخطير على المريض وعدم الكشف عن الإنذار المشؤوم إلا بحذر واحتراز كبيرين، مع إعلام عائلة المريض وأقربائه بذلك بصفة عامة[31]

فالمرجعية القانونية للالتزام التبصيري بين الطبيب والمريض، تجد مستندها في القوانين المنظمة للمهنة، كما هو الشأن لقانون مزاولة المهنة المغربي10.94 أو مدونة السلوك الطبي كما

أومأنا أعلاه، أو ما يتعلق بقانون التبرع بالأعضاء البشرية أو القانون الداخلي للمستشفيات[32] وهي في مجملها نصوص متفرقة تتأرجح بين إلزامية الإعلام والإخبار للمريض عن مرضه وما يتوقع حصوله بعد العمل الطبي، وبين شبه الإعفاء من هذا الموجب القانوني الطبي. فهل معنى ذلك أن الطبيب يكون ملزما قانونيا بإعلام المريض بكافة المخاطر المتوقعة؟ وهل هي مخاطر عادية أم لا؟

لقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أن المخاطر التي يتعين على الطبيب الإعلام بها هي المخاطر العادية المتوقعة وأما المخاطر الاستثنائية غير المتوقعة فإنه غير ملزم بالإخبار بها، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى قيام بعض المشاكل والصعوبات المادية والمعنوية التي تضر بسلامة عمل الطبيب. فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الطبيب ليس ملزما ” بإعلام المريض مسبقا بمخاطر الشلل النهائي للعصب الفكي الأعلى خلال عملية لعلاج التهاب الجيب بالفم، حيث إن هذه المخاطر لم تكن متوقعة[33]

إلا أنه في بعض الحالات يلتزم الطبيب بإعلام المريض، إعلاما كاملا ويبصره بكل المخاطر ولو كانت استثنائية، ويشمل ذلك عمليات التجميل واستئصال الأعضاء والإجهاض الإرادي وهو ما يجد له عدة تطبيقات في القضاء الفرنسي، فقد قضت محكمة النقض بأن: “لا يكون الطبيب مخطئا إذا لم يخطر المريض باحتمال الإصابة بشلل الوجه عند العلاج من الصمم لأن هذا الاحتمال كان ضعيفا والعملية كانت ضرورية ” وفي حكم آخر قررت بأن “الطبيب الجراح لا يلتزم بإخبار المريض بمخاطر العمل الطبي عندما لا تبدو من المريض أية بادرة تكشف عن عدم تسامحه، ولذلك فإن الجراح الذي اجرى للمريض أشعة بالصبغة لا يعد مخطئا لأنه لم يخبر المريض بمخاطر الفحص الطبي بهذه الطريقة حيث إن احتمال وقوع أضرار مماثلة كانت نادرة وتعد على اصابع اليد”[34] وهو ما يلزمنا للإجابة عن تبعة عبء الإثبات في الخطأ الطبي؟ ووفق أي أساس؟

لقد أسالت هذه المسألة الكثير من الحبر في الفقه المقارن، خلافا للقانون المغربي. وأهم ما سنقف عنده هو التغيير المفاجئ لموقف محكمة النقض الفرنسية بنقلها عبء الإثبات من المريض إلى الطبيب في قرار صادر بتاريخ 1997/ 5 / 25 وتتلخص وقائع الدعوى في لجوء السيد Hedruel إلى طبيبه بسبب أوجاع حادة في المعدة فأعلمه هذا الأخير بأن حالته تتطلب تدخل جراحي لاستئصال بعض الأورام الموجودة بمعدته غير أنه أثناء العملية أصيب المريض بثقب في أمعائه فرفع دعوی تعويض ضد طبيبه مستند إلى أنه لم يبصره بالمخاطر المحتملة للعملية الجراحية. وقد عرض النزاع أول مرة على محكمة Rennes التي فرضت على المريض إثبات ما يدعيه لكن محكمة النقض الفرنسية نقضت الحكم وقررت مبدأ جديدا مفاده أن عبء الإثبات يقع على عاتق الطبيب وليس المريض واستندت المحكمة على المادة 1315 ق.م الفرنسي جاء في قرار المحكمة:

” لما كان على عاتق الطبيب التزام خاص بالتبصير في مواجهة مريضه وأنه ملزم بإثبات تنفيذه هذا النظام فإنه يتعين معه القول أن محكمة الاستئناف قد خالفت النص المشار إليه [35]ومن بين القرارات الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية بعد دخول قانون 2002/ 3 /4 حيز التطبيق قرارها الصادر في 2002/ 10 / 2 والذي أكدت فيه أنه: ” يجب أن تكون الأخطار معروفة لدى الطبيب عند مباشرته العمل الطبي[36].

وفي مجال الجراحة التحسينية قضت محكمة ليون في حكم لها بأن: “الجراح يلتزم بإعلام المريض الراغب في الجراحة بكافة المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة التي قد تنتج عن التدخل

الجراحي، وإلا كان الجراح مخطئا لأنه لم يقم بتنفيذ التزامه بإعلام المريض بالمخاطر الاستثنائية تماما والتي يمكن أن تحدث من جراحة التحميل[37].

وفيما يتعلق بمرحلة تبصير الطبيب للمريض في العلاج فقد ذهبت محكمة الاستئناف بليون في أحد قراراتها على أنه: ” يجب على الطبيب أن يحيط زبونه علما بمخاطر العلاج والامتناع عنه، حتى يستطيع أن يقارن بينهما[38] غير أن هناك حالات أخرى يضيق فيها التزام الطبيب بتبصير المريض ويتعلق الأمر بحالة الضرورة والاستعجال، حيث يقوم الاستعجال على العنصر الزمني، ومن تم يكون التدخل الطبي بشكل استعجالي لا يسمح بتبصير المريض. وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار لها جاء فيه ” المريض الذي جاء إلى الطبيب وهو يعاني من ثقبين غائرين بعظام الفخد يسيل منهما النخاع الشوكي مدعيا أنه لم يبصر بالجراحة التي أدت إلى وجود شلل تام له، فحالة الضرورة والاستعجال لا تستوجبان هذا التبصير، وذلك إعمالا للمادة 32 من قانون آداب ممارسة مهنة الطب[39] .

وعليه فإن الالتزام التبصيري في العقد الطبي- يخضع لسلطة الطبيب التقديرية في الإفصاح عن المخاطر التي تعترض العملي، وتتأسس على حالة المريض النفسية ومدى قابليته لتحمل مصيره المحتوم. خاصة في بعض العمليات التي لا تتسم بطابع الخطورة، حيث يصبح إخبار المريض وإعلامه بمثابة واجب يقع على عاتق الطبيب اتجاه المريض، في حين العمليات ذات الطبيعة الفنية کالجراحة التجميلية، الإجهاض الإرادي، ثم نقل وزرع الأعضاء البشرية، فقد ألزم القانون الطبيب في عملية النقل على تبصير المعطي بالمخاطر الطبية التي يواجهها وبكل المخاطر بتفصيل وتدقيق ممل، حتى تكون العملية مشروعة وتنفي وصف الجريمة الطبية عن الطبيب.

وهو ما أكده المشرع في القانون رقم 98-16 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة وأخذها وزرعها بمقتضى المادة 8 أن يقوم الأطباء المسؤولون عن عملية أخذ الأعضاء بإحاطة المتبرع علما بجميع الأخطار المتصلة بأخذ العضو البشري، وبالنتائج التي قد تترتب على ذلك. وأن يطلعه بجميع النتائج المتوقع أن تترتب على عملية التبرع من الناحية الجسدية والنفسية، وعلى جميع الانعكاسات المحتملة لأخذ العضو البشري على الحياة الشخصية والأسرية والمهنية للمتبرع، وعلى النتائج المرجوة من زرع العضو في جسم المتبرع له[40].

فهل في ذلك تلميح إلى اشتراط الكتابة في الالتزام بالإعلام أو ما يصطلح بالالتزام التبصيري خاصة في العقد الطبي؟

لقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن إثبات الإعلام لا يشترط الكتابة، وإنما يمكن للطبيب الاعتماد على طرق الإثبات وهذا ما أكده قرار محكمة النقض بتاریخ 1998/ 10 / 14 ، حيث أن وقائع القضية تظهر أن طبيبا مختصا في أمراض النساء قام بعملية جراحية استكشافية للتأكد من عدم إصابة الضحية بخلل في الرحم، و الكشف عن أسباب العقم إلا أنه أثناء العملية تعرضت الضحية لانسداد غازي للأوعية وانتقال الغاز المستعمل إلى أوعية الدماغ مما أدى إلى وفاتها، وقد استند ورثة الضحية إلى أن الطبيب لم يعلم الضحية بخطر الانسداد الغازي للأوعية ذو الطبيعة الاستثنائية. فأجابت محكمة النقض وأكدت بأن: “الطبيب وإن كان ملزما بإثبات تنفيذه لواجب إعلام الضحية بمخاطر الكشف والعلاج، إلا أن كيفية إثباته مسألة موضوعية تخضع لتقدير القاضي، ويمكن الاعتماد على القرائن في غياب الدليل الكتابي وقد توصل قضاة محكمة الاستئناف إلى أن المريضة كانت على علم بمخاطر التدخل الجراحي، بل إنها اتخذت قرارها بعد تفكير طويل، كما أنها تعمل بمختبر التحاليل التابع للمصلحة التي أجريت فيها العملية[41].

ونشير في الأخير أن الالتزام بالإعلام يكون محلا لمتابعة مدنية وجنائية معا، فمتى ترتب عن عدم إجرائه من طرف الطبيب خاصة في العمليات ذات الطبيعة الفنية والمستعصية، فإنه يعد بمثابة ثبوتي يسائل على إثره الطبيب المخل بهذا النوع من الالتزامات الحديثة والوليدة الاجتهادات والقوانين المهنية الطبية مع الأنظمة المقارنة خاصة مع التشريعات الأنجلوسكسونية (كندا – أمريكا) والتشريع الفرنسي.

والالتزام التبصيري للمريض في القضاء المغربي يبرز بوضوح في قرار صادر حدثيا عن محكمة الاستئناف بالرباط ورد فيه:

” على الطبيب قبل إجراء أية عملية أو صرف أي دواء للمريض القيام بفحص المريض فحصا شاملا وتبصير المريض وإفادته بمجموعة من المعلومات المتعلقة بصحته وبمخاطر المرض والعلاج المقترح وكذلك فوائد هذا العلاج”[42].

وعليه، فإن القضاء المقارن قد أسس الصرح القانوني لتلطيف نوع العلاقة التي تربط بين الطبيب ومريضه، بموجب واجب الالتزام بالإعلام في القضايا التي عرضت عليه. والتي تأسست وبنت أحكامها من خلال التعديلات القانونية المنظمة للمهنة حفاظا على النظام العام الجسدي للمرضى، في شتى انواع العمليات التي قد يتعرضون لها على يد الأطباء. فالواقع الطبي مليء بملابسات يصعب معها تقدير الخطأ الطبي على الضحية من منظور أصحاب المهنة، فبالأحرى قناعة القاضي للجزم بذلك.

لذلك يتعين على القاضي – الوطني – تشدید رقابته على مثل هكذا التزام – الالتزام بالإخبار – خاصة في كل عملية يتطلب فيها القانون هذا الفرض الواجب الدي يتخطى نطاق الدفع بأعراف المهنة، أو الاحتجاج بإكراهات العمل. فالمنازعات الطبية ذات الطابع الجنائي على وجه الخصوص، أسمى من توجه القضاء إلى غض الطرف عن واجبات وأصول المهنة، أو الأدق عدم مطارحة ما يوجبه القانون من واجبات التحذير والتبصير والسلامة في عمليات يطبعها التعقيد والخصوصية.

هذا إجمالا ما يطبع التزام الطبيب بالتبصير، فماذا يمكن أن يتحدد بشأن التزام أخر لا يخلو أهمية من الأول ويتعلق الأمر ب: التزام الطبيب بالحصول على رضى المريض موضوع النقطة الموالية؟

الفقرة الثانية: التزام الطبيب بالحصول على رضى المريض.

المبدأ العام أن للمريض الحرية في اختيار طبيبه، ويلزم لقيام الطبيب بالتدخل لعلاجه الحصول على رضاه، وعند انعدام الرضى وتدخل الطبيب فإنه يعتبر مخطئا، غير أن الطبيب يمكن أن يتدخل في بعض الأحوال دون توفر إذن المريض من غير أن يتحمل أية مسؤولية لمجرد تدخله دون رضی المريض – الفصل 431 من القانون الجنائي المغربي-، وفي الحالات التي تقتضي فيها حالة المريض التدخل السريع وعدم انتظار أخذ رأيه أو رأي أوليائه إن كان قاصرا[43]. وإذا كانت للمريض حرية اختيار الطبيب المعالج بالرغم من أن هذه الحرية لا توجد إلا من الناحية النظرية، فمن باب أولى أن يكون له الحق في أن لا يمس الطبيب بجسده إلا بإذن منه بمناسبة مباشرة أي علاج أو عمل طبي. وقد كانت الصعوبات التي يثيرها إثباته-رضى المريض – سببا رئيسيا دفع بعض التشريعات إلى تنظيم إثبات الرضى ببعض الأعمال الطبية بأحكام خاصة. ولا يكتفي بوجود رضا المريض، بل يجب أن يكون هذا الرضى حرا وسليما من أي عيب من عيوب الإرادة وأن يكون صادرا عن تنوير من الطبيب[44].

ولا يوجد نمط معين لإبداء الرضى، فقد يكون القبول خطيا أو على الشكل المعتاد به شفويا، وإذا كان سابقا رأي المريض ليس موضع نقاش، فإنه أصبح كدلك مع توالي المنازعات وتعددها في هذا المجال، مما جعل المشرع يبحث عن صيغ إلزامية متجددة لتجاوز هذا الإشكال، فقد حرصت المادة الرابعة من قانون 4 مارس 2002 الفرنسي على تأكيد هذا المبدأ بأنه: “لا يمكن إجراء أي عمل طبي أو علاجي دون الرضى الحر والواضح للمريض، ويمكن للمريض سحب هذا الرضى في أي وقت يشاء”.

أما في المغرب فإن الشروط الإلزامية للطبيب، نجدها في المادة 5 من مدونة الأخلاقيات الطبية التي خرجت إلى حيز الوجود سنة 1953 إلا أن هاته المادة ليست ملزمة بما يكفي، وكذلك من خلال قانون 10-94 المتعلق بمزاولة مهنة الطب في المادة 50 التي تؤكد على حق المريض في اختيار مريضه[45].

أمام هذا الإلزام التشريعي من خلال المواد المومأ إليها، تظل مسألة الإثبات عائقا في النزاع الطبي الذي يشترط كمبدأ توافر ركن ” الخطأ الطبي” في الجريمة الطبية المقرونة بتخلف رضی المريض ?  Défont du contentement du malade

قد يجب الطبيب نفسه أمام فاقد للوعي تتطلب حالته علاجا مستعجلا، وبديهي أن المريض في مثل هذه الحالة غير قادر على إعطاء الإذن، كما أن حالة الاستعجال تدعو الطبيب للقيام بعمله دون تأخير؟ الشيء الذي يحول دون الحصول على إذن العائلة، ففي هذه الحالة لا يسأل الطبيب عن عدم الحصول على إذن المريض[46] فالإثبات يقع على عاتق الطبيب وذلك بتقديم الدليل الكتابي بالموافقة أو بواسطة القرائن[47] وشهادة الشهود، وعندما يتم إعفاؤه قانونا من هذا الالتزام في حالة التطعيم الإجباري ضد بعض الأمراض[48] وكذلك ضد الأوبئة أو علاج العمال المصابين في حوادث العمل وكما في الفحوص العسكرية[49] والأحكام والقرارات القضائية في هذا الشأن متعددة على مستوى القضاء المقارن والقضاء الوطني. تتفاوت فيها وسائل الإثبات بين المرونة والتشدد في مواجهة الأطباء بالمنسوب لهم من منطلق حدود الطبيب العلمية والفنية والقانونية والواقعية في التدخل لإنقاذ مريض أو معالجته حسب الضرورة والظروف القائمة، كذلك بموجب الإذن الذي يتعذر إما لحالة صحية غير قادرة عن التعبير الحر والمستنير بالرضى، أو نتيجة إخفاء مقصود من الطبيب يرتكز على مبدأ “حسن النية” في وقائع غير مرجوة وتعد استثنائية ونادرة الحدوث حفاظا على نفسية المريض – المبضوع – الضمان سلامة ونجاح العملية…

وعند حدوث صعوبة في إقامة الدليل تكون لمحكمة الموضوع سلطة استخلاصه من وقائع وظروف النازلة مع إمكانية الاستعانة بخبير على طرف التدخل الطبي أو الجراحي، وهو ما سنستنتجه من خلال الأحكام الآتية:

ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط نصت:

” من الالتزامات التي تقع على الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض أخذ موافقته على ذلك، ويجب أن تصدر هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العملية والنتائج المحتملة عنها، وأنه لا يجوز إجراء العملية دون رضى المريض، وتزداد أهمية هذا الإجراء في الأحوال التي يتعرض فيها المريض للخطورة عند إجراء العملية حيث يجب موافقة ممثله القانوني أو أقرب أقربائه،

وإذا قام الطبيبين بالعملية دون تبصير يعتبر الطبيب مخطئا، وحتى في حالة الاستعجال القصوى لا يعني الطبيب من هذا الإجراء إلا إذا كانت حالة المريض لا تحتمل التأخير وأن يكون فاقد الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته”[50].

فكلما توفرت حالة الاستعجال ودعت الضرورة واقتضت ذلك مصلحة المريض، إلا وكان على الطبيب أن يتخذ قراره بالاستمرار في العملية دون تردد، كما لو شق بطن المريض لعلاج قرحة في المعدة، ففوجئ بوجود ورم سرطاني، فإنه يمكنه أن يتخذ ما في مصلحة المريض وتقتضيه علم الطب، ولو رأى الأمر إلى استئصال جزء من المعدة وقد قالت بذلك محكمة باريس بتاريخ1946 / 02 / 20 . [51]وهو الأمر الذي جعل القضاء ينقسم في اتخاذ قرار حاسم في الموضوع، حيث رأى الاتجاه الأول أن الطبيب ملزم بإنهاء العملية دون أن يقوم بالعملية الثانية إلى حين الحصول على رضى المريض، رغم ما تعرفه العملية الثانية من مضاعفات صحية ونفسية وتبعات التخذير، الشيء الذي دفع الاتجاه الثاني إلى إباحة القيام بعملية دون إذن المريض إذا كان بطبيعة الحال في صالح المريض مع شرط توفر كل الاحتياطات اللازمة التي تستوجب على الطبيب عدم المغامرة بحياة المريض إن هناك خطورة[52]

وقد كان للقضاء المغربي رأي في الموضوع حيث صرحت الغرفة المدنية لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء 2000 / 04 / 20 : ” أن الطبيب المعالج لم يحصل على ترخيص أو إذن من المريضة ومن زوجها لإزالة الرحم، وأن الأطباء الخبراء الذين فحصوها بعد استئصال رحمها أكدوا أنها لم تكن تشكو من سرطان يبرر التدخل السريع من طرف الدكتور[53].

وفي ذلك ذهب القضاء الاسباني من خلال المجلس الأعلى الذي حمل المسؤولية للمعهد الوطني للصحة والطبيب الذي قرر ربط قنوات الرحم بموافقة الزوج دون المعنية بالأمر ألا وهي الزوجة، علما أن ربط قنوات الرحم كانت مطلوبة ولكن بمعزل عن نوعية العملية وبشرط إخبار المريضة[54].

لكن ما موقف القضاء في حالة رفض المريض للعلاج واستجابة الطبيب لهذا المعطى الواقعي؟

الجواب يجد له تطبيقا في القضاء المقارن سواء الفرنسي أو العربي ويظهر جليا من خلال الأحكام الآتية:

فقد ذهبت محكمة التمييز الفرنسية بقرار لها ” بأن الطبيب الذي يحترم قرار مريضة برفض العلاج أو بإتباع طريقة معينة للعلاج لا يرتكب أي خطأ، بما أن الأصل هو الحرية في التعاقد، إلا أنه في حالة الوضعية الصحية للمريض التي تكون في حالة خطر فما على الطبيب إلا إقناعه بتتبع العلاج المناسب ” وفي قرار آخر تم التأكيد على أن ” الطبيب غير ملزم بإقناع المريض بخطر العمل الطبي الذي يطلبه[55].

وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بيروت في قرار لها حيث ” رفضت تحميل المسؤولية للطبيب تبعة قرار المريض برفضه إجراء عملية فحص بالمنظار تحت البنج الموضعي، ما أسهم إلى حد معين في تفويت فرصة التأكد من حالته وتقرير العلاج المناسب له [56].

غير أنه في قضية أخرى حاول الطبيب فيها تجاوز رفض العائلة للعلاج لاعتبارات دينية، نظرا للحالة الخطيرة والمستعجلة التي كانت عليها فتاة في سن 19 سنة والتي تعرضت لحادثة سير أدت إلى كسور متعددة تمت معالجتها بمجموعة من العمليات الجراحية إضافة إلى أربع حصص التحاقن الدم، إلا أنه عند محاولة إضافة الحصة الخامسة لتحاقن الدم، رفضت العائلة بشدة لاعتبارات دينية confession Tehovah وحتى المريضة في صبيحة اليوم الموالي عندما كانت على وعي رفضت حقنها بالدم إلا أن الطبيب نظرا للحالة الخطيرة للمريضة التجأ إلى قاضي الدرجة الأولى المادة 700 من المسطرة المدنية) “التي تسمح بالقيام بتحاقن الدم وبكل العمليات الطبية الممكنة والناجعة”.

إن محكمة الدرجة الأولى أيدت قرار القاضي وموقف الطبيب نظرا لأن المريضة تعتبر راشدة، وبالتالي يعتبر قرار الأبوين غير مقبول كما أن رفضها غير مقبول، لأن حرية قرارها كان يجب أن يكون بكل حرية واستقلال وليس في وضعية تجعل كل مداركها العقلية والفكرية ضعيفة نظرا الخطورة الحالة، مما يمنعها بأن تعطي موافقة بشكل واعي، كما أن حالتها خطيرة، إضافة إلى ذلك أن الدستور يجد حدوده في القيمة الدستورية لاحترام الإنسان خصوصا في ضرورة الحق في الصحة[57].

ويستفاد منه أن إدراك الطبيب لعمله وإتقانه له، وتأكده من نتائج العمل الطبي الذي يجريه على المريض يخول له سلطة الرقابة والتوجيه والإشراف وحتى حق الحجر الجسدي المؤقت- إلى حين تعافيه وإجراء ما يلزم عليه، نظرا لأن إرادته المعيبة في وضعه الصحي يعيب بدوره إرادة العائلة ويشل التفكير المنطقي المعقلن لاتخاذ القرار السليم بتسليم الأمر إلى يد الطبيب العارف بأصول المهنة. فالطبيب النزيه الشريف والغيور صاحب الصحوة والضمير المهني الحي على سلامة مرضاه، قد يلجأ إلى القضاء لوضع اليد في اليد، وذلك من أجل الإطباق على إرادة المريض المشوبة بعيوب واقعية يمثلها الخوف والارتباك وعدم الثقة… في مال العملية، نرى بأنها تنطبق في إطار عيوب الإرادة من منطلق الفصل 54 ق.ل.ع المغربي الذي نص:

” أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة”.

فالقاضي هنا سلطته التقديرية ستعكس الأمر لصالح المريض نفسه في حدود حقوقه على جسده المقيدة في مثل هكذا أمور- الامتناع عن العلاج مثلا – وهو لا يعلم مدى توابع ذلك وعواقبه المستقبلية على صحته، وبالتالي تمتد الوسيلة لفائدة الطبيب المعالج. وهو فعلا يجد مستنده القانوني، في القانون الجنائي المغربي للتدخل العلاجي الطبي في الفصلين 124-125، هذا إلى جانب الفصل 431 الذي قد يكيف هنا- امتناع عن تقديم مساعدة الشخص في خطر، مادام الطبيب قد رضخ لإرادة مريضه “المشوبة” بعيوب الرضى في حالة إصابة أو مضاعفات ذات طابع إيجابي ألحقها به – الفعل السلبي للطبيب في طرق باب القضاء الاستعجالي – إن لزم الأمر أو – النيابة العامة لإرغام مريض – مخبول – نفسيا في مثل هذه الحالة الرضوح لأوامر الطبيب.

وعليه، ينتابنا تساؤل مهم حول شكل الرضي للمريض كضرورة أخلاقية وقانونية لدحض وسائل الإثبات الطبي من جانب الطبيب خاصة، والمريض عامة في المنازعات المحتملة؟

حماية للمريض من المخاطر المحتملة لبعض الأعمال الطبية الحديثة، دفع بكثير من التشريعات إلى اشتراط شكل خاص لرضا المريض أو غيرهم من الأشخاص الذين تجري عليهم هذه الأعمال، كما هو حال الشخص المانح لأحد أعضائه بقصد الرضا، في حين أخضعته تشريعات أخرى المراقبة القضاء فضلا عن المراقبة الطبية أيضا، وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص الذي يخضعون الإجراء التجارب البيوطبية، أو لأعمال التحكم في تقنيات الإنجاب في الدول التي نظمتها بنص خاص[58]. ففي مجال التجريب يشير مشروع قانون السلوك الطبي المغربي[59] في مادته 11 على أن: ” إرادة المريض يجب أن تحترم – دائما- قدر الإمكان” وهذا النص اقتبس حرفيا من قانون السلوك الطبي الفرنسي 1979 (م 7)، وقد انتقدت صياغة هذا النص الفرنسي على اعتبار أنه يترك تقدير الحالات التي يجب أن تحترم فيها إرادة المريض، وهو ما تنبه إليه واضعو قانون السلوك الطبي الفرنسي الجديد الصادر بتاريخ 1995/ 9 / 6 والذي نص في مادته: 36/ فقرة 1 على أن: “رضا المريض يجب أن يكون محل اعتبار في جميع الحالات” بينما ظلت صياغة النص المغربي على حالها إلى اليوم[60]

وشكلية الكتابة تجد سندها في نصوص قانون 16. 98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية في نصوص متفرقة حيث نجد المادة 10 تنص: ” يجب أن يعبر المتبرع عن موافقته على أخذ عضو منه أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر المتبرع أو أمام قاضي من المحكمة المذكورة يعينه الرئيس خصيصا لذلك الغرض، ويساعد القاضي طبيبان يعينهما وزير الصحة باقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيأة الأطباء الوطنية يعهد إليهما بأن يشرحا للمتبرع بالعضو بأبعاد عملية التبرع وللقاضي الفائدة العلاجية المرجوة من عملية الأخذ”.

وفي إطار احترام إرادة (القاصر أو الراشد الخاضع للحماية القانونية) نصت المادة 20 على أنه [61]” إذا كان الشخص المتوفي قاصرا أو كان راشدا، خاضعا لإجراء من إجراءات الحماية القانونية، فلا يجوز أخذ عضو من أعضائه إلا بموافقة ممثله القانوني، التي تضمن في السجل الخاص من طرف الطبيب المدير أو ممثله، شريطة ألا يكون المتوفي قد عبر وهو على قيد الحياة عن رفضه التبرع بأعضائه”

وتعتبر هذه الطريقة من أقوى طرق الإثبات، لأن الوثيقة المتعلقة بالرضا يتم تحريرها بمعرفة جهة رسمية، يتمكن القاضي من التأكد من صحة موافقة المتبرع البالغ وتمتعه بكامل قواه العقلية وصدور الموافقة من صاحبها بإرادة حرة ومدركة وفقا للشروط التي حددها القانون. هذا بالإضافة إلى أن تطلب الإذن الكتابي من شأنه إنقاص عدد الذين يرغبون في التبرع العبثي باستئصال أعضائهم متاجرة أو لضرورة ملحة. فالمريض يكون مرغما لا بطلا – تحت وطأة المعاناة وبالتالي قابليته الشهوة المغامرة الغير المحمودة تمتد فيما لا فائدة.

لذلك فكر البعض الأخذ بنظام بطاقة المعطي” la carte de donneur على غرار بطاقة الهوية أو بطاقة رخصة القيادة يدون فيها الشخص موقفه من التبرع من جثته أو عدمه هذا إلى جانب أن القانون قد جعل هذه الأعمال حكرا على المستشفيات العمومية[62].

وتحسبا لما قد يثيره عنصر الرضا من مشاكل عملية، فإن الأطباء الجراحين كثيرا ما يعمدون في العمل إلى مطالبة المرضى، قبل مباشرة أي تدخل جراحي le permis d’opérer   ويری د Roger . Nerson بأن هذا الأسلوب الأمريكي الأصل، لا يشكل في حقيقته حجة قاطعة على وجود رضا صحيح وحر من قبل المريض، ويرى د. “عمر دومو” بأن القيمة الحقيقية لهاته الحجة الكتابية تنحصر بالأساس في إثبات حصول الطبيب على رضا المريض بالعلاج، غير أن هذا الرضاء الذي يوقع عليه المريض، ليس من شأنه أن يعفي الطبيب الجراح من المسؤولية مدنية كانت أم جنائية في حال صدور خطأ في العلاج[63].

وهو ما أخذت به محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها : ” رضا المريض ضروري لإبرام العقد، بالإضافة إلى تنفيذ محل العقد الطبي، ومن تم يجب على الطبيب الا يكتم على زبونه، وأن يزوده بكافة المعلومات للحصول على الرضا المستنير[64]

ولعل مجرد مخالفة نصوص القانون في شكلية شرط الكتابة، يعد جريمة توجب المسؤولية الطبية جنائيا، متى نتج عن ذلك فعل يشكل جنحة أو جناية. ومدنيا للمطالبة بالتعويض. كما أن اشتراط الكتابة وتوافر رضى المريض، لا يجب أن يخرق النظام العام. وفي هذا سارت محكمة النقض الفرنسية في قرارها المؤرخ في 9 نونبر 1962 بقولها: “الرضى عديم الفعالية طالما أن العملية الجراحية تفتقد للمشروعية وأن الجراحة التي تهم الأعضاء التناسلية تعد غير مشروعة ولو اقترنت برضا الشخص الواقعة عليه، باعتبار الرضى لا يسمح للجراح بخرق النظام العام” كما اعتبر القضاء الألماني “الرضا سبب تبرير بالنسبة للعمليات الجراحية التي تهدف لا لمعالجة الشخص الواقعة عليه وإنما لمعالجة شخص آخر، كالتنازل الحر والمتبصر عن الدم أو عن أجزاء أخرى كالجلد لفائدة مريض[65].

وكذا لم يبردد القضاء المصري في قضايا زرع الأعضاء” من نزع الفعالية عن الرضي متى كان الفعل المأتى به، يتجاوز النصيب الفردي في جسم الإنسان ويلحق أذى بليغا بالمجني عليه[66].

فالحصول على رضا المريض، واقعة ينفرد بسبب غموضها ركن وشرط مكمل للالتزامین السابقين – الالتزام بالإعلام، والإلتزام بالحصول على رضى المريض- وهو التزام الطبيب بضمان سلامة المريض مادام هذا العنصر – السلامة- غير قابل للتحقق بنسب عالية ومتفاوتة إذا ما تخلف التزام التبصير ورضى المريض؟ وهو ما سنبرزه من خلال القراءة المبينة أسفله.

الفترة الثالثة: الالتزام بالسلامة بين التدخل التشريعي وإقرار القضاء ؟

يذهب بعض الفقه إلى أن المقصود بضمان سلامة المريض ليس الالتزام بشفائه، ولكن بأن لا يتعرض المريض لأي أذى من جراء ما يستعمله من أدوات أو أجهزة وما يعطيه من أدوية، وألا يتسبب في نقل مرض آخر إليه بسبب العدوى لعدم تعقيم الأدوات أو المكان أو عن طريق ما ينقل إليه من دم أو محاليل أخرى[67]. ويعد القضاء الفرنسي مصدر الالتزام بالسلامة، وبذلك يكون قد أقر مبدأ مهما في إقامة التوازن العقدي ما بين أطرافه، باعتبار المريض طرفا ضعيفا تجاه المهني نظرا لغياب نص قانوني يكفل حماية وسلامة المريض، وتبعا لذلك تم إقرار مبدأ الالتزام بالسلامة في العقد الطبي في أول مرحلة باعتباره التزاما ببذل عناية وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 6 مارس 1945 في أحد قراراتها حيث اعتبرت أن: “الطبيب الذي يقدم الدواء، لا يلتزم تجاه المريض إلا بأن يقدم له العناية والرعاية”[68]

وإقرار الالتزام بضمان السلامة كالتزام عام يقع على الأطباء والمصحات والمستشفيات، ويتمثل في عدم تحميل المريض أعباء إضافية وهو التزام بتحقيق نتيجة، وعلى المريض فقط إثبات ما أصابه من ضرر، ويبقى على الطبيب لدفع المسؤولية عنه أن يثبت أن ما لحقه من ضرر كان من فعل سبب أجنبي لا يد له فيه وهذه أهم حيثياته :

وحيث إنه إذا كان التزام الطبيب بعلاج ما يعانيه المريض من مرض تم تشخيصه وهو عادة التزام بعناية لكون الطبيب غير ملزم بشفائه من هذا المرض، بل عليه فقط بذل جهود صادقة ومتفقة مع المقتضيات العلمية المستقر عليها في علم الطب، فإنه في نفس الوقت ملزم بضمان سلامة هذا المريض بعدم تحميله أعباء إضافية، لاسيما أن المدعية أخضعت للعمليتين الجراحيتين على ثدييها لعلاجها من الآلام التي تعاني منها على مستوى عمودها الفقري بعد موافقتها ودون علمها بانعكاسات ذلك على ثدييها، ويكون بذلك المدعى عليه قد ساهم في تحملها أعباء جديدة لم تكن بحسبانها، مما يعتبر إخلالا منه بالتزام بضمان سلامة مرضاه، الذي هو التزام بتحقيق نتيجة، وعلى المريض فقط إثبات ما أصابه من ضرر ويبقى على الطبيب لدفع المسؤولية عنه أن يثبت أن ما لحقه من ضرر كان بفعل سبب أجنبي لا يد له فيه، وهو لا وجود له بالملف[69].

فالالتزام بضمان السلامة ذو طبيعة تقصيرية يتحدد مضمونه في الأضرار غير المتوقعة الناتجة عن استخدام الأجهزة الطبية. وهنا نتحدث عن مسؤولية الطبيب في إطار نظرية حارس الأشياء كما هي مؤطرة في القانون المدني[70]. وبطبيعة الحال لا يتحقق ذلك نظريا إلا بتوافر العقد الطبي

الذي ينشأ التزاما بين الطبيب والمريض. وبذلك تتحقق مسؤولية الطبيب حتى ولو لم يرتكب أي خطأ في الحراسة وإن كان المشرع تحاشی استعمال كلمة خطأ في الحراسة.

وصدرت قرارات عديدة عن المجلس الأعلى تحمل الحارس المسؤولية بالرغم من عدم ارتكابه لأي خطأ وبالرغم من الحكم ببراءته جنائيا[71]. كما جاء في قرار آخر : “عند إثبات الحارس أنه كان يستحيل عليه القيام بأية محاولة وأن خطأ خصمه كان غير متوقع، ولا يمكن تجنبه، فإن ذلك كاف للقول بأنه قد فعل كل ما في استطاعته لتجنب الضرر[72].

إن منطوق الأحكام السالفة يجعل من تنفيذ العقد الطبي، وحتى الالتزام التقصيري بين الطبيب والمريض، يقتضي ضمان سلامة المريض طبعا بمراعاة واجبات الحيطة والحذر في العلاج، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بباريس في أقد قراراتها التي ورد فيه : “التزام المصحة يتمثل في تزويد المريض بسائل يستجيب بحسب طبيعته ونوعيته للهدف المقصود من العلاج، وبأن سائلا أزرق مسبب الضرر يشكل إخلالا بهذا الالتزام، دون حاجة إلى البحث فيما إذا كان سبب الحادث يكمن في الخلط الذي وقعت فيه الممرضة بين مجموعة من القوارير، أو غلط المبنج لقواعد المسؤولية العقدية عن الجوامد التي سبقت الإشارة إليها[73].

فمسؤولية الطبيب بسلامة المريض في العلاج تتجسد في العلاقات الناشئة عن الأدوية، إذ أن القانون يفرض على الصانع التزام التحذير وتقديم معلومات حقيقية عند حصوله على رخصة التصنيع وهو ما يجد له تطبيقا أيضا في القضاء الفرنسي يلتزم بموجبه صانع الدواء بضمان سلامة المريض وتتلخص وقائعه في أن “طبيب وصف لمريضه مجموعة من الحقن تسمى ” Big Bill” لتؤخذ بالوريد، غير أنه عند تعاطي هذه الحقن (أخذت بالعضل نتج عن ذلك التهابات وثلاث قرحات خطيرة لدى المريضة مما استتبع تدخل جراحي و عملية ترقيع جمالي وإقامة بالمستشفى، وكان يستوي حسب النشرة المرفقة بعلبة الحقن أخذها بالوريد أو بالعضل، وقد أثبت الخبراء الذين انتدبتهم المحكمة لهذه الدعوى أنه لا يوجد خطأ يمكن نسبته إلى صانع الدواء وأن الإصابات والأضرار التي لحقت المريضة ترجع إما إلى غياب التعقيم الكامل للحقنة أو إلى وجود عناصر مرضية في جسم المريضة، وقد سبق المحكمة أول درجة أن قضت في هذه الدعوى بمسؤولية صانع الدواء العقدية لإخلاله بواجب التحذير وذلك على أساس أن الصانع وإن كان لا يلتزم بتحقيق نتيجة وهي شفاء المريض فإنه ملتزم على الأقل بضمان سلامة المريض وألا يلحق به الدواء ضرر جديد لا علاقة له بالمرض الذي يعالج منه” وعند نظر محكمة الاستئناف للطعن، لم تكتف بإلغائه بل قررت أن مسؤولية صانع الدواء نحو المضرور من استعماله لا تكون إلا تقصيرية وقد عبرت المحكمة عن ذلك صراحة بالعبارة التالية[74]:

« Le seul terrain sur lequel peut être recherchée la responsabilité éventuel des laboratoires est celui des articles 1382 et 1383 du code civil ».

ولعل إثارة مسؤولية الطبيب لن تتحقق جنائيا، إلا إذا اقترنت العملية بضرر يستلزم المتابعة الجنائية أمام القضاء المغربي الزجري. خاصة إذا لحق الوصف في الخطأ الطبي أحد صور الخطأ. ولذا وجب أن يكون القصد لدى الطبيب أو الجراح مشروعا وشريفا موجها بالأساس نحو مصلحة المريض – ضمان السلامة – أما إذا اتجهت إرادته إلى غرض أخر غير العلاج، فإنه يصبح متعسفا في استعمال الحق. وبالتالي يفقد الحصانة الطبية ويتعرض للمسؤولية الجنائية العمدية وفقا للقواعد القانونية العامة، ولا يشفع له في ذلك حصوله على رضاء المريض أو نزوله عند رغبته ورجائه، وقد حكم في فرنسا بهذا الخصوص “بأن الطبيب الذي يقوم بإجراء عملية جراحية لامرأة بقصد استئصال المبيض التناسلي بناء على طلبها، يكون مستحقا للعقاب عن جريمة عمدية، إذا لم تكن هناك ضرورة تستلزم هذه العملية”[75]

فالأساس هو ضمان سلامة المريض، والطبيب هو الذي يمتلك – سلطة الملاءمة – في جميع مراحل العمل الطبي وكذا في اختيار وسيلة العلاج، فإما ينأى بنفسه في مأمن عن الملاحقة القانونية متى كان قراره حكيما – صائبا طبيا – أو يزج بمستقبله المهني في حافة القضاء المدني والزجري معا للبحث في ثبوت المسؤولية الطبية من عدمها.

ولإيجاد سند قانوني، وذلك من أجل إضفاء نوع من الحماية على سلامة المريض، حاول بعض الفقه اللجوء إلى قرينة الخطأ لتحقيق الحماية القانونية للطرف الضعيف، وذلك بإعفائه من عبء إثبات الخطأ الطبي، وهي وسيلة قضائية لنقل العبء على عاتق الطبيب، مما يلزم القول بضرورة الاعتراف بالتمييز بين التزام ببذل عناية والالتزام بالسلامة ومضمونة تحقيق غاية، دون أن يستبعد أحدهما عن الآخر. وهذا ما خلصت إليه محكمة النقض الفرنسية حيث أكدت في أحد قراراتها أن : “الضرر الذي حدث للمريض قد وقع بفعل الجراح فتنعقد بذلك مسؤوليته بقطع النظر عن ثبوت خطا في جانبه من عدمه[76]. لكنها عدلت عن موقفها بقرار آخر حيث اعتبرت فيه أن : “التزام الجراح ببذل عناية، وأن لجوء الجراح لوضع أداة في جسم المريض لإجراء العمل الطبي اللازم لا يرفع عن التزامه هذا الوصف”[77].

إن الضرر الذي يصيب المريض أثناء التدخل الجراحي، يستحق عنه التعويض حتى في غياب أي خطأ ينسب للطبيب، وذلك من منطلق أن مضمون الالتزام بالسلامة، يعد من مستلزمات العقد الطبي وفي هذا السياق صدر قرار محكمة الاستئناف بباريس وهو جد لافت للانتباه ورد فيه :

“… الطبيب الجراح يقع عليه التزام السلامة، مما يلزم بإصلاح الضرر اللاحق بالمريض الناتج عن العقد الطبي، حتى في غياب خطأ من جانب الطبيب، خاصة عندما يكون الضرر ليس له علاقة بالحالة الداخلية للمريض، أو التطور المتوقع لحالته الصحية[78].

وهو ما يفهم معه أن الطبيب لن يتحلل مدنيا من التعويض لضحية الخطأ الطبي إلا إذا ثبت طبيا – عن طريق الخبرة – أن تدهور وضعه الصحي يعزى إلى مضاعفات داخلية لا علاقة للدواء – العلاج – بها، وإما لأمور غير متوقعة أي المخاطر الاستثنائية التي لا علاقة للطبيب بها. على أن تحللة الجنائي لن يتم إلا باتخاذه سبل السلامة والتبصير والرضا المستنير الواضح المتطلبة قانونا لدفع ما يواجه به من مريض الخطأ الطبي، هذا الأخير لا يسعة في الإثبات غیر ثبوت الإهمال وعدم التبصر وعدم الاحتياط الغير منضبطة للأصول العلمية والفنية المهنية مع توافر القصد الجنائي الغير عمدي في الغالب حتى تتحقق مسؤولية المعالج – الطبيب – الذي أخل بواجب التزام سلامة المريض، مع شرط إثبات الطبيب دلك لانتفاء مسؤوليته التقصيرية – الفصل 88 ق.ل.ع المغربي – وكذا مسؤوليته الجنائية – الفصلين 432 – 433 القانون الجنائي المغربي – ما دام القضاء قد ألقي عبء الإثبات على عاتق – الطبيب. وقد أتيح للقضاء المغربي الفرصة للنظر في نازلة بشأن الإثبات في العقد الطبي، حيث أكدت بمراكش على أن :

“… منازعة المدعي في علاقة سببية ليست ذات اعتبار، باعتبار أن هذه العلاقة ثابتة بشكل لا يرقى إلى الشك. هذا فضلا على أن القضاء الفرنسي ومن مدة بعيدة تحول عن مبدأ إثبات الضرر من طرق المتضرر، وهو المبدأ الذي اعتبرته المحكمة في النازلة وقلب عبء الإثبات. بحيث أصبح الطبيب هو المكلف بإثبات عدم مسؤوليته ولا يعفيه منها إلا القوة القاهرة والحادث الفجائي للحادثة»[79]

فالتزامات الطبيب : الالتزام بالتبصير، الالتزام بالحصول على رضى المريض، الالتزام بضمان السلامة كلها التزامات تتوجب أن يقوم الطبيب بداية بالاحتساب لها دون مغالاة أو سوء نية، حتى لا يكون محطة شحن لوقود قابل للاشتعال بين يديه تضيع حقوق مرضى جسدية ونفسية لا يكون حتى في مقدور القضاء جبر ضررها مهما كلف الثمن.

فإذا كان الالتزام بالسلامة من ابتكار القضاء، من خلال تفسيراته لمواد وفصول القانون المدني، وبعد تراكم اجتهاداته المتكررة، فإن ذلك جعل التشريع يتدخل لإسباغ الشرعية على هذا النوع من الالتزامات في نصوص متفرقة يمكن استنباطها من خلال الآتي :

– المادة 4 من قانون 10.94 التي توجب حصول الشخص على الدرجة العلمية لممارسة النشاط الطبي، مما يجسد أن المشرع حريص على سلامة المريض.

– المادة 7 من مرسوم 21 نونبر 1994 المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الصحة العمومية التي جاء فيها على أنه : “تتولى وزارة الصحة العمومية إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بصحة المواطنين. وتعمل باتصال مع الوزارات المعنية على سلامة السكان البدنية والعقلية والاجتماعية[80]

– المادة 3 من قانون رقم 31 . 08 القاضي بتحديد تدبير حماية المستهلك التي نصت: “يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته …”. وكذا الفقرة 3 من المادة 18 – نفس القانون – في شأن حماية المستهلك من الشروط التعسفية أقرت تقدير المحاكم للشرط التعسفي في الحالات المحددة على سبيل المثال لا الحصر التي يكون الغرض منها أو يترتب عليها ما يلي :

“3. إعفاء المورد من المسؤولية القانونية أو الحد منها في حالة وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسمانية نتيجة تصرف أو إغفال من المورد”.

في حين أقرت قبل ذلك المادة – قانون 31 . 08 – في المادة الأولى من القسم الأول (نطاق التطبيق الأساس العام لمبدأ الالتزام بالسلامة من خلال تأكيدها[81]: “يهدف هذا القانون إلى تحقيق ما يلي :

– إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها وكذا الشروط المتعلقة بالإشهار والبيع عن بعد والبيع خارج المحلات التجارية.

– تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الشيء المبيع والخدمة بعد البيع وتحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالمستهلك …” [82]

فمن هذه النصوص المتاحة، يتضح أن هناك مبدأ عاما بالسلامة مفاده أن المهني يلتزم بضمان سلامة المستهلك. غير أن جرأة الفقرة 3 من المادة 18 أعلاه، تعد سندا قانونيا لإثارة المسؤولية الجنائية للطبيب أو صناع الدواء – شركات التسويق – وللصيادلة، متى نتج عن الخطأ المرتكب الذي يواجه به ضحية التدخل الطبي هؤلاء في إطار المسؤولية الشخصية أو المسؤولية المرفقية أو المسؤولية الإدارية، وفاة الشخص – المبضوع – في إطار ما أوجبه العقد أو القانون.

وخلاصة القول، إن الالتزام بالسلامة الذي أقره الاجتهاد الفرنسي، ذو طبيعة تعاقدية، يجد أساسه في العقد، في حين الالتزام بالسلامة الذي نص عليه القانون سواء في ظل التقنين الفرنسي أو قانون الاستهلاك المغربي 31. 08 مصدره القانون..

لكن بالرغم من الاختلاف الموجود بين الإلتزامين الإلتزام بالسلامة العقدي والإلتزام بالسلامة القانوني – من حيث المصدر، فالمضمون والغاية مشتركة، ألا وهي تحقيق سلامة المريض سواء قبل إبرام العقد أو بعده، وفي جميع مراحل التدخل الطبي خاصة مرحلة العلاج، فهما يشكلان معا نظاما عاما للوقاية والتعويض والعقوبة الجنائية وحتى التدبير الاحترازي، لمؤسسة صحية مشبوهة عمليا لدى السلطات العمومية ما دام المرجع الأم – الدستور – يترجم بكيفية واضحة سلامة المواطن في شخصه وأقربائه وممتلكاته في فصوله الصريحة التي نصت

الفصل 20: “الحق في الحياة أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق”.

الفصل 21: “لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته.

تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.

الفصل 22: “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص من أي طرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة”[83]

وعموما، تبقى المشتملات القانونية والقضائية للالتزامات الموجبة للطبيب لإثبات مسؤوليته الجنائية، مجردة من فاعليتها ما دام تعترضها صعوبات مهنية، تجعل من تخطي هاته العقبة- عبئا في المسؤولية الطبية، ما لم يراهن المشرع على ضبط بعض الإكراهات والممارسات اللاأخلاقية ” المهنية” لدحض ما قد ينسب لهم- الأطباء – من إخلال طبي، خاصة مع تنامي ثقافة التضامن بين الأطباء للتستر عن أخطائهم الواحدة تلو الأخرى، إلى جانب عنصر السرية الذي يعد عقبة في الأعمال الطبية الجراحية، ثم عدم مسك الملف الطبي الخاص بالمريض، وهو ما يكرس القاضي لتدارك مشروعية العمل الطبي حماية للأفراد.

المبحث الثاني: عنصري الضرر والعلاقة السببية في نطاق المسؤوية الجنائية للأطباء

المطلب الأول: تحقق الضرر الطبي وثبوت العلاقة السببية

الفقرة الأولى: تعريف الضرر

إن الضرر الذي يصيب المريض من جراء خطأ الطبيب هو الذي يبرر حق المريض في المطالبة بالتعويض، إذ بدون حدوث ضرر لا يتيح الخطأ إمكانية مساءلة الطبيب والضرر على العموم هو المساس بمصلحة المضرور، وقد عرفه الفقهاء بكونه “الأذى الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه وعواطفه”[84].

وعرف المشرع المغربي الضرر في مجال المسؤولية التقصيرية في الفصل 98 من ق.ل.ع بكونه “الخسارة التي لحقت المدعي فعلا، والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيظطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به، وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل “كما عرفه في مجال المسؤولية العقدية بمقتضى الفصل 264 من ق.ل.ع بأنه: “ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام”.

والقضاء مستقر على كون الضرر يعتبر ركنا من أركان المسؤولية، لابد من ثبوته لقيامها، وما مسألة واقعية لا تختص محكمة النقض برقابتها[85]، وقد وجد المشرع المغربي أن يؤكد أن المحكمة تقدر الأضرار بكيفية مختلفة مراعية صدورها عن خطأ المدين أو عن تدليسه، وأن تقدير الظروف الخاصة بكل حالة متروك لفطنتها[86].

أولا: شروط الضرر

يجب أن يكون الضرر محققا وأن يصيب حقا أو مصلحة مشروعة

1ـ الضرر يصيب حقا

قد يصيب الضرر حقا من حقوق المريض، فالحق في الحياة والحق في التمتع بالصحة من الحقوق المتعارف عليها إنسانيا، ولا يسوغ الاعتداء عليهما، فقد أورد الفصل 23 من مدونة قواعد السلوك الطبي أن على الطبيب أن يقدم للمريض كل العلاجات الطبية، وأن يكون همه الأساسي هو المحافظة على حياة الإنسان حتى ولو كان يهدف إلى تخفيف الآلام، وورد في ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية أن “التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان”، ولذلك فإن كل تعد على حياة المريض أو على الصحة أو السلامة البدنية أو العقلية أو النفسية يعد اعتداء على حق من حقوقه وبالتالي يعتبر الأذى الذي يلحقه ضررا.

ويرى أستاذنا المرحوم مأمون الكزبري[87] أن “القتل ضرر للمقتول لأنه يحرمه من الحياة ومباهجها ويؤدي إلى القضاء على العنصر الرئيسي الذي تعتمد عليه ثروته، ولذلك فالتعويض عن الضرر الذي أصاب المقتول بحرمانه من الاستمرار في الحياة يدخل في تركته ويوزع حسب الفريضة الشرعية دونما حاجة لإثبات وقوع الضرر على الورثة، لأن الضرر هنا وقع على المورث وليس على الورثة”.

ويمكن أن يصيب الضرر حقا للغير، فموت المريض من جراء خطأ طبي يلحق بأولاد الميت وزوجته لحرمانهم من حقهم في النفقة المقرر لهم بمتقضى قانون الأحوال الشخصية[88] والحق في النفقة مستقل عن الضرر الطي أصاب المريض الهالك، غير أنه إذا ثبت أن الهالك لم يكن يعولهم فغنهم لا يستحقون أي تعويض لانعدام الضرر، وقد قضت محكمة الاستئناف بالرباط في هذا الاتجاه حينما عللت قضاءها بأنه يتعين أن يثبت أن القتيل كان يعول والديه وليس فقط بكونه درج على منحهما جزء من راتبه، فلابد تقول المحكمة: “من إقامة البينة على أن مساعدة الابن لأبويه كانت تحتها الضرورة، لوجود الأبوين في حالة من الفاقة يستحيل معها عليهما سد حاجتهما المعيشية بوسائلهما الخاصة[89].

2ـ الضرر يصيب مصلحة مالية

ويمكن أن يصيب الضرر مصلحة مالية للمضرور، ويضرب الفقهاء مثلا لذلك يكون القتيل كان يعول شخصا لا تجب عليه نفقته، كقريب أو صديق له، فالنفقة هنا ليست حقا لهذا القريب أو الصديق، ولكنها مصلحة مالية كان يستفيدان منها فانقطعت بسبب قتل معيلهما، فإذا أثبت المستفيد أنه كان يتقاضى النفقة بكيفية مستمرة وأن فرصة استمرارها في المستقبل كانت محققة –كأن يكون ذلك بمقتضى التزام مكتوب مثلا- فإنه يستحق التعويض عن ضياع هذه المصلحة المالية.

ويشترط أن تكون المصلحة المالية مشروعة، وقد رفض القضاء الفرنسي طلب التعويض لفائدة امرأة عن وفاة خليلها، لكون العلاقة التي تربط بينهما علاقة غير مشروعة[90] ولذلك فغن كل من تضرر في مصلحة مالية مشروعة يحق له مطالبة الطبيب المسؤول عن الخطأ بالتعويض.

3ـ أن يكون الضرر شخصيا

ونعني بذلك أن يصيب الضرر الشخص المطالب بالتعويض عن الفعل الضار، فتتوفر فيه المصلحة الشخصية حتى تكون دعواه مقبولة، ويتحقق هذا الشرط بالنسبة للأضرار المرتدة عن الضرر الأصلي؛ إذ يعتبر الضرر المرتد ضررا شخصيا لمن ارتد عليه.

كما لو أصيب شخص في حادث ما أقعده عن القيام بعمله، وبالتالي يحول دون الإنفاق على من يعولهم، فلهؤلاء الحق في طلب التعويض عما لق بكل واحد منهم من ضرر شخصي، وهذا التعويض يستقل تماما عما يطالب به الشخص العائل من إصلاح مما أصيب هو به من ضرر.

فيكون للضرر المرتد كيان مستقل عن الضرر الأصلي ويترتب على هذا أنه يمكن لمن أصابه ضرر مرتد المطالبة بالتعويض عنه، حتى لو اتخذت الضحية موقفا سلبيا من حقها في التعويض عن الضرر الذي أصابها أو تنازلت عنه[91].

وإذا توفيت الضحية المعيلة لأشخاص آخرين دون أن تكون قد طالبت بحقها في التعويض فإن هذا الحق ينتقل إلى ورثتها من بعدها، فيجتمع لديهم هذا الحق مع ما لحق بهم من ضرر مرتد بسبب حادث معيلهم، إلا إذا كانت الضحية قد تنازلت عنه حال حياتها فيبقى لهم الحق في التعويض عن الضرر المرتد الذي لحق بهم، وما يقضي به من تعويض لا يعتبر تركه، فلا يقسم بين الورثة[92]، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 14/04/1982[93] حيث جاء في حيثياته “إن تعويض ذوي الحقوق لا يعتبر إرثا لأن الإرث هو ما خلفه المورث من أموال كان قد جمعها حال حياته، أما التعويض عن الأضرار فهو يعطي لكل من تضرر من الحادث ولو كان غير وارث”.

4ـ أن يكون الضرر محققا

والمقصود بهذا ألا يكون الضرر افتراضيا، بل يجب أن يكون قد وقع فعلا، أو أن يكون وقوعه مؤكدا وحتميا ولو تراخي إلى المستقبل، وهذا ما أكده القضاء في أحكامه، فالقضاء المصري ممثل بمحكمة النقض المصرية عرفت الضرر المحقق بقولها “إن الضرر يكون محققا إذا كان واقعا فلا، أو كان سيقع فعل، أو سيقع حتما”[94] كما قررت: “أن احتمال وقوع الضرر لا يكفي للحكم بالتعويض”[95].

أما القضاء العراقي ممثلا بمحكمة التمييز فقد سلك مسلك القضاء المصري إذ ورد في قرار لمحكمة التمييز العراقية أن “الضرر المطالب به يجب أن يكون محققا ولا يكفي أن يكون محتمل الوقوع”[96] وجاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى المغربي (): “إن الضرر الذي يحق للشخص أن يطالب بردمه هو الضرر المحقق بأن يكون قد وقع فعل أو وقعت أسبابه وترامت آثاره إلى المستقبل ولا عبرة بالضرر الاحتمالي الذي قد يقع وقد لا يقع”[97].

ثانيا: أنواع الضرر

الضرر بشكل عام نوعان، مادي وأدبي (معنوي)، غير أن هناك نوعا آخر من الضرر يدعى تفويت الفرصة، هو محل جدل قانوني، وسنتناول كل نوع من أنواع الضرر بشيء من التفصيل على البيان أدناه.

1ـ الضرر المادي

يعرف الضرر المادي بأنه (الإخلال بمصلحة للمضرور، ذات قيمة مالية) فالمساس بجسم المريض أو إصابته تترتب عليه خسارة مالية، تتمثل في نفقات العلاج أو عدم قدرة المريض على مزاولة عمله أو إضعاف قدرته على الكسب الجزئي أو الدائم لرزقه[98].

والضرر المادي قد يصيب جسد الإنسان ويتمثل في الأذى الذي يصيب الجسم كإزهاق روح إنسان أو إحداث عاهة له، سواء أكانت دائمة أم مؤقتة، ويسمى ضررا جسمانيا، وقد يكون ضررا ما ليا يصيب مصالح المضرور ذات القيمة الاقتصادية كإصابته بعاهة تعطل قدرته على الكسب أو تكبده نفقات العلاج[99].

وتطبيقا لذلك فإن القضاء الفرنسي أقر بتعويض المصاب عن الضرر المالي الذي يصيبه، وذلك بتعويضه عن النفقات المالية اللازمة للعلاج وشراء الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة لمساعدة المضرور، وكذلك النفقات اللازمة لبناء مصاعد وشراء كراس متحركة تعين المضرور على القيام بمتطلبات الحياة اليومية، حتى إذا لزم الأمر بإنشاء مركز علاجي[100].

2ـ الضرر الأدبي (المعنوي)

الضرر الأدبي او المعنوي هو ذلك الضرر الذي يصيب الشخص بالآلام في شعوره وعاطفته أو كرامته، ويعتبر من الضرر الأدبي الشعور بالآلام والمعاناة والعجز.

والضرر الأدبي يظهر بمجرد المساس بسلامة الجسم أو إصابته بالعجز، ويتمثل في المعاناة والآلام النفسية الناتجة عن تشوهات الجسم[101]، كما يظهر في حالة إنشاء سر المريض لما في ذلك من مساس باعتباره أو كيانه الاجتماعي أو حياته الخاصة.

3ـ تفويت الفرصة

إن الفرصة تعد أمر محتملا إلا أن تفويتها يعد أمرا محققا يجب التعويض عنه، وقد طبق القضاء الفرنسي مبدأ فوات الفرصة في عدة مناسبات، حيث أقرت، مثلا، محكمة استئناف باريس في غرفتها المدنية بتاريخ 23/01/1992 أن موت المريضة المصابة بحساسية عالية إلى التخدير عن طريق مادة الألفاتزين “ALFATISINE” التي تعد وسيلة من وسائل التخدير معروفة المخاطر في مثل هذه الحالات زاد بذلك من مخاطر واحتملات حدوث هذا الحادث وبذلك فإن المريضة قد فاتت فرصتها في الحياة، ويعد هذا الضرر على علاقة مباشرة مع تسرع طبيب التخدير[102].

الفقرة الثانية: ثبوت العلاقة السببية

سيتم التناول في هذا الفرع الشرط الثالث من الشروط الواجب توفرها لقيام المسؤولية المدنية للطبيب وهي رابطة السببية، لأنه لا يكفي لتحقق المسؤولية الطبية وقوع الخطأ الطبي والضرر الطبي فقط، بل لابد أن يكون ما أصاب المريض من ضرر نتيجة مباشرة للخطأ المرتكب من قبل الطبيب المعالج، وأن يرتبطان ببعضهما البعض، لأنه لا يمكن تصور حصول ضرر للمريض لو لم يقع الخطأ من الطيب، لذلك لابد من وجود علاقة السببية بين خطأ الطبيب والضرر الحاصل للمريض، وسنعرض هنا مفهوم علاقة السببية وكيفية إثباتها، وكذلك النظريات الفقهية بشأنها، وكيفية قطعها.

أولا: مفهوم علاقة السببية وإثباتها

وجود رابطة مباشرة بين الخطأ الطبي المرتكب من قبل الطبيب والضرر الذي أصاب المريض، وأن يكون الخطأ هو السبب الذي أدى إلى وقوع الضرر[103].

ووجود الرابطة السببية شرط أساسي من شروط المسؤولية المدنية للطبيب، مع العلم أن هذه العلاقة ضرورية ومستقلة عن الخطأ والضرر، فالطبيب المعالج الذي يقع منه الخطأ ويحدث الضرر للمريض يجب أن يكون بين الخطأ والضرر علاقة سببية، لأنه أحيانا يقع خطأ من الطبيب ولا يكون هذا الخطأ هو السبب فيما أصاب المريض من ضرر، ومثال ذلك إهمال الطبيب بإجراء الجراحة للمريض، ووفاة المريض بأزمة قلبية ليست لها علاقة بإهمال الطبيب، بل تتعلق بمرض آخر، وفي مثل هذه الحالات نجد الأهمية الكبيرة لتحديد علاقة السببية والتي على أثرها قد نصل إلى وجود مسؤولية طبية أم لا[104].

وعملية الوصول إلى رابطة السببية في المجال الطبي كما أشرنا سابقا من الأمور الصعبة والمعقدة جدا، بسبب تداخلات واختلافات الأعمال الطبية، وتكوين الجسم البشري، فقد تكون أسباب الضرر الطبي الحاصل تعود إلى عوامل مختلفة وخفية، لها دور كبير في ذلك، واشتراك عدة عوامل في إحداث الضرر الحاصل يجعل من الصعب تعيين السبب الحقيقي لهذا الضرر والوصول إلى وجود رابطة السببية[105].

ونصت المادة (186) من مشروع القانون المدني الفلسطيني على أنه “يقدر التعويض في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعة للفعل الضار”[106]، وهذا النص يطابق نص المادة 266 من القانون المدني الأردني[107].

وهنالك حالات قد تتوفر فيها السببية دون وجود خطأ ومثال ذلك أن يتضرر شخص بفعل الطبيب دون أن يكون هذا الطبيب قد أخطأ وبالرغم من ذلك تتحقق مسؤولية الطبيب ليس استنادا للخطأ بل لنظرية تحمل التبعة[108].

ثانيا: إثبات العلاقة السببية

بالرغم من ضرورة وجود العلاقة السببية بين الخطأ الطبي والضرر الحاصل للمريض لتحقق المسؤولية الطبية، إلا أن إثباتها يعتبر من الأمور الصعبة والمعقدة، بسبب تكوين الجسم البشري، وتغير حالته، بحيث تتعدد أحيانا أسباب حدوث الضرر، ووقوعه أحيانا من المرضى أنفسهم مما يسبب الصعوبة في إثبات العلاقة السببية[109]، ويقع عبء الإثبات على عاتق المريض الذي عليه أن يثبت من أجل إقامة المسؤولية تجاه الطبيب، أن خطأ الأخير هو الذي سبب إلحاق الضرر به، وبإمكان المريض إثبات ما يدعيه بكل الطرق والوسائل القانونية الممكنة، ومثال ذلك نسيان الطبيب آلة طبية في جسم المريض، وإصابة المريض بالتهاب في جسمه، فيقع على عاتق المريض أن يثبت أن الالتهاب الذي أصابه في جسمه سببه آلة الجراحة التي نسبها الطبيب[110].

وإذا أراد الطبيب المعالج أن ينفي العلاقة السببية عليه إثبات ذلك، وأن يرفع المسؤولية عن نفسه كما ورد في المادة 261 من القانون المدني الأردني والتي تنص على: “إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة، أو فعل الغير أو فعل المتضرر كان غير ملزم في الضمان ما لم يقضي القانون أو الاتفاق بغير ذلك”[111].

وعلى القاضي في دعاوي المسؤولية الطبية أن يراعي عند استخلاصه للأدلة القانونية منتهى الدقة والحيطة والحذر، ويعرف حدوده القانونية ولا يتدخل في المسائل الطبية التي بحاجة إلى أناس مختصين بها ولديهم الخبرة الطبية الكافية، وعليه أيضا أن يختار أصحاب المهنة المعروفون بالنزاهة والكفاءة العلمية، ولكن لا يجوز له أن يطلب منهم الإجابة على أمور قانونية تخرج عنه مهمتهم الطبية[112].

ثالثا: نظريات العلاقة السببية

إن اشتراك أكثر من عامل في إحداث ضرر يجعل من الطبيب الاعتداد بسبب معين دون غيره من الأسباب التي لها علاقة في إحداث الضرر منفردا، ومن هذا المنطلق حدث خلاف بين شراح القانون في عملية إسناد الضرر الحاصل إلى هذه الأسباب وقيل في ذلك العديد من النظريات أهمها:

1ـ نظرية تعادل الأسباب وتكافؤها:

تعود هذه النظرية إلى الفقيه الألماني (فون بيري) وتتخلص في أن كل سبب له دخل في إحداث الضرر مهما كان بعيدا يعتبر من الأسباب التي أحدثت الضرر فجميع الأسباب التي تدخلت في أحداث الضرر متكافئة متعادلة كأن كلا منها منفردا في إحداث هذا الضرر لم يكن ليقع لولاه وهذه النظرية توجب الاعتداد بجميع الأسباب التي اشتركت في إحداثه واعتبارها متكافئة في إحداث المسؤولية[113].

ولذلك فإن هذه النظرية تعتبر أن كل عامل من العوامل شرطا لحدوث النتيجة دونما تمييز بين عامل وآخر من حيث قوته أو أثره بالنتيجة كما أن النظرية تحمل المسؤولية للعمل الإنساني وحده حتى لو كان مصحوبا بقوة قاهرة[114].

فإذا اشتراك في الخطأ الذي أدى إلى النتيجة أكثر من طبيب فإنهم يسألون جميعا ويعتبر سببا مباشرا ولو تدخلت عدة عوامل ساعدت مع فعل الطبيب إلى وقوع النتيجة، حتى لو كان قد توقع أو كان بإمكانه أن يتوقع مثل هذه الأسباب، وتأخذ محكمة النقض الفرنسية بنظرية (تعادل الأسباب) كمعيار للسببية فكل العوامل التي ساهمت في إحداث الضرر بدور ملحوظ يجب أن تتحمل نصيبها في التعويض[115].

وقد وجهت انتقادات للنظرية السابقة في أنها تؤدي إلى إرهاق المضرور وضياع حقه، لكن ما يلاحظ من الرجوع إلى أحكام القضاء الفرنسي أنه كلما ارتقى الضحايا أورثتهم في سلم النزاع وانتقلوا إلى درجة قضائية أعلى كلما انحصرت المسؤولية وقل عدد الملزمين بتعويض الضرر بحيث في النهاية تتركز المسؤولية في شخص واحد أو شخصين، وأصبح يسمى ذلك الالتزام بالسلامة (أطباء، مستشفيات، مراكز الدم)[116].

ودليل على ما قيل هو حكم صادر عن محكمة النقض الفرنسية في 12 أبريل 1990 حيث كانت المسؤولية في البداية تقع على عاتق ثلاثة أشخاص أمام محكمة باريس ولكنها تركزت في النهاية على شخص واحد أمام محكمة النقض وغالبا ما يكون أكثر قدرة على تحمل التعويض[117].

وأيضا وجدت هذه النظرية تطبيقا لها في مصر أمام محكمة النقض المصرية بالقرار رقم 22-10 بتاريخ 23-1-1941 حيث قررت “بأن تعدد الأخطاء يوجب قيام مسؤولية كل من أسهم فيه سواء كان سببا مباشرا أو غير مباشر أدى إلى وقوع النتيجة”[118].

وبعد ذلك أن اجتهاد محكمة التمييز الأردنية في القرار قم 330/2004 بتاريخ 19-4-2004 قد أخذ بنظرية تعادل الأسباب “بمعنى أنه يجب أن يكون هنالك رابطة سببية بين فعل الجاني وبين الأسباب والعوامل الأخرى التي يجعلها الفاعل والتي أدت إلى الوفاة وبحيث لا يسأل عن النتيجة متى كان من المؤكد أنها ستحدث حتى لو لم يقع الاعتداء”[119].

2ـ نظرية السبب المنتج (الفعال)

لقد قال بهذه النظرية الفقيه الألماني “فون كريس  vonkries” وقد ذهب فيها إلى أن سبب النتيجة هو العامل الأقوى فاعلية، ومن ثمة الأكثر ما في إحداثها، ومقتضى ذلك أنه لا تعد علاقة السببية متوافرة بين فعل الجاني وضرر المجني عليه إلا إذا أثبت أن هذا الفعل أكثر فاعلية من سائر الأسباب المؤدية إلى النتيجة، ووفقا لهذه النظرية تعد باقي الأسباب مجرد ظروف أو شروط ساعدت السبب الأقوى وهيأت الظروف، فلا يمكن الاعتداد إلا بالسبب الأساسي الذي قام بدور جوهري ومباشر في إحداث هذه النتيجة ولا تعدو الأسباب الأخرى سوى ظروف ساعدت السبب الرئيسي في إحداثها ولا يمكن اعتبار أي سبب أساسيا، فلابد أن يكون من شأنه أن يحدث هذه النتيجة حسب المجرى العادي والطبيعي للأحداث[120].

غير أن هذه النظرية لم تسلم كذلك من النقد باعتبار أنها قد تنفي المسؤولية الجزائية في حالات تقتضي فيها مصلحة المجتمع واعتبارات العدالة قيام هذه الأخيرة.

نلاحظ أن الأخذ بهذه النظرية هو الأجدر بالتطبيق كمعيار لعلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة، إذ أنها ترى العبرة بالأسباب المنتجة وحدها دون العرضية، وهذا ما أخذ به المشرع الفرنسي وكذا المشرع الجزائري بأحكام المادة (182) من القانون المدني، في مجال المسؤولية العقدية[121].

لقد عمد القضاء إلى إقامة قرينة قضائية لصالح المريض، فإذا كان من شأن الخطأ الطبي إحداث النتيجة حسب المجرى العادي للأمور، فإن علاقة السببية قائمة ويبقى على الطبيب إثبات قيام السبب الأجنبي ونفي علاقة السببية، ومن دون شك يفترض القضاء قيام هذه الرابطة السببية، وعلى الطبيب إثبات عكسها إذا أراد نفي مسؤوليته[122].

إلا أنه لا يمكن أخذ هذا المتسع على إطلاقه لأنه في بعض الأحيان يستلزم قيام قرائن قاطعة ومتكاملة لقيام علاقة السببية خصوصا إذا تعلق الأمر بالوفاة أو حدوث عاهة مستديمة وعلى قاضي الموضوع أن يثبت علاقة السببية إما بدراسة القرائن والوقائع واستخلاص رابطة السببية منها، مع مراعاة التسلسل المنطقي للأحداث فكلما قام الدليل على خطأ الطبيب حسب المعيار الموضوعي والمجرى العادي لحدوث نتيجة ذلك الخطأ تقوم مسؤولية الطبيب بتوافر علاقة السببية، وذلك بالاستعانة بالخبرة الطبية أو التشريع والعكس صحيح[123].

3ـ نظرية السببية الملائمة

ومؤدى هذه النظرية أن الشخص الجاني لا يكون مسؤول عن النتيجة إلا إذا كان نشاطه هو السبب القوي أو الأساسي الذي أدى إلى حصول النتيجة ويتصل بها اتصالا مباشرا[124]، وإذا حصل وتداخلت عوامل أخرى كخطأ الطبيب المعالج، أو مرض سابق أو اصطدام سيارة الإسعاف التي تنقل المصاب إلى المستشفى، فلا يسأل الفاعل عن النتيجة النهائية -الوفاة مثلا- وإنما يسأل فقط عن النتيجة المترتبة عن فعله مباشرة كالجرح البسيط أو العاهة[125]، وما قيل عن هذه النظرية (السببية المباشرة أو نظرية السبب الأقوى أو المهين) ينطبق كذلك على الميدان إذا الأخذ بها سيجعل المدعي عليه مدنيا في وضعية مريحة، لأن أي سبب منها تفه دوره في إحداث النتيجة- فإنه لابد رافع عنه المسؤولية المدنية ولو جزئيا[126]، فنستخلص من هذه النظرية أنه إذا حصلت عدة عوامل بين الفعل الإجرامي والنتيجة وأثرت في حدوثها، فإن الجاني لن يكون مسؤول عنها لانقطاع رابطة السببية بين نشاطه والنتيجة التي حصلت، وانطلاقا من هذا المنظور نلاحظ أن النظرية تتميز بخاصية وهي المحافظة على مصالح المتهم الذي يبقى مسؤولا في حدود الفعل الذي قام به[127].

وهذا الاتجاه كما يتضح يؤدي أعماله إلى التضييق من نطاق المسؤولية الجنائية، فهو يراعي أكثر مصلحة المتهم، مما قد يؤدي إلى إفلات الجاني من المسؤولية كلما تداخلت إلى جانب الفعل الصادر عنه أفعاله أو “عوامل أخرى أجنبية ولو بصورة مألوفة، أو ساهمت بقسط يسير في إحداث النتيجة”[128].

هذا وإذا كانت المحاكم تتأرجح بين الأخذ بالنظرية أحيانا وتجاهلها أحيانا أخرى، حيث جاء في قرار المجلس الأعلى بأنه عندما صرحت المحكمة: “بأن الظنين صدم الضحية وأصابها بجروح بليغة ماتت من جراء الصدمة في نفس اليوم المستشفى إثر عملية جراحية أجريت لها بدون جدوى، وأن الضحية ماتت جراء الصدمة بسبب عدم تبصر المتهم أو عدم احتياطه ومخالفته للنظم والقوانين، وأن هذا الفعل الثابت في حقه يكون جريمة القتل بغير عمد، لم يكن عليها مع اقتناعها الصميم بأن السبب المباشر لوفاة الضحية هو الصدمة التي أصيبت بها، أن تأمر بتعيين خبير لتحديد السبب المباشر للوفاة”[129].

فإنه الفقه يرى بحق أن رابطة السببية التي ينبغي لقيام الركن المادي للجريمة عموما لا يلزم فيها أن تكون مباشرة[130].

رابعا: انتفاء العلاقة السببية

بناءا على ما تقدم وبمفهوم المخالفة إذا انتفت هذه العلاقة فلا مجال لمساؤلة الفاعل سواء في الجرائم العمدية أو غير العمدية باستثناء بعض الجرائم العمدية المعاقب بالشروع فيها دون لزوم بحث العلاقة السببية لأنه لا يتصور هذا الشروع في غير المدية كما انه لا يمكن مساءلة طبيب عن أضرار غريبة عن العمل الطبي الذي خضع له المريض وهذا لتخلف الرابطة السببية[131] بين الفعل والنتيجة.

وتنتفي علاقة السببية لوجود سبب أجنبي عن العمل الذي قام به المدعى عليه، وهذا السبب قد يكون قوة قاهرة أو حادثا فجائيا أو خطأ الغير أو خطأ المضرور.

1ـ خطأ المضرور أو خطأ الغير

قد تنتفي مسؤولية الطبيب الجزائية، كذلك، عند ثبوت خطأ المضرور أو الغير.

أ ـ خطأ المضرور (المريض)

إن خطأ المضرور بدوره ينفي علاقة السببية لقيام مسؤولية الطبيب متى كان هذا الخطأ هو السبب الوحيد في إحداث النتيجة، ومن أمثلة ذلك انقطاع المريض عن العلاج قاصدا الإساءة إلى الطبيب ذلك أن خطأ الغير ومنهم المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا بذاته لإحداث النتيجة.

إذا كان خطأ المريض ينفي علاقة السببية بين الخطأ الطبي والنتيجة، فهو أيضا ينفيها بين الخطأ وفوات فرصة الشفاء أو تحسن الحالة الصحية كالمريض الذي يرفض لأسباب مذهبية العلاج.

خطأ المريض يؤدي إلى قطع علاقة السببية إذا كان وحده هو السبب في حدوث الضرر، ويعتبر في حكم السبب الأجنبي، ويعفى الطبيب من المسؤولية عن الخطأ الحاصل[132]، ومثال ذلك أن يكون السبب في فشل علاج المريض هو المريض نفسه، بحيث أن الضرر الواقع سببه خطأ المريض نفسه وليس الطبيب، بحيث أن المريض قام بتناول أدوية أو أشياء منعه عنها الطبيب أو امتنع عن أخذ العلاج وفقا لتعليمات الطبيب، فهذا العمل سبب أكيد في قطع علاقة السببية[133].

فقد نص المشرع الإماراتي في المادة 14 فقرة (2)[134] على أنه: “لا تقوم المسؤولية الطبية إذا كان الضرر بسبب فعل المريض نفسه أو رفضه للعلاج أو عدم إتباعه للتعليمات الطبية الصادرة إليه من المسؤولية عن علاجه، أو كان نتيجة لسبب خارجي”[135].

ولكن إذا ساهم المريض نفسه في إحداث الضرر مع خطأ الطبيب فإن النتيجة ليست إعفاء الطبيب من المسؤولية بشكل كامل، بل تخفيض قيمة التعويض المحكوم به على الطبيب، وقد نصت على ذلك المادة 177 من (ت.م.ج) على أنه: “يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض، أو لا يحكم بالتعويض إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الصر أو زاد فيه”[136].

والجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي يفرق بين فرضيتين بخصوص خطأ المضرور على أساس أنه، إذا استجمع خصائص القوة القاهرة فإنه يقطع علاقة السببية ويعفى الطبيب من المسؤولية تماما، أما إذا لم يستجمع خطأ المضرور خصائص القوة القاهرة بل اقتصر دوره على مجرد المساهمة في وقوع الضرر فإن الإعفاء عن المسؤولية يكون جزئيا[137]، ولكن هناك حالات معينة تؤدي إلى عدم الاعتماد على خطأ المريض كسبب لقطع علاقة السببية ومثال ذلك أن يقوم الطبيب بإجراء عملية لمريض وهو ليس بحاجة لها، حتى لو رضي هذا المريض بالعمل الطبي المنوي إجراءه عليه مع عمله المسبق بنتائج هذه العملية، بحيث أنه لا يمكن أن يحمل رضائه بالضرر أنه اتفاق مع الطبيب لإعفائه من المسؤولية[138].

وإذا كان أحد الفعلين نتيجة الفعل الأخر فلا يعتد إلا بالفعل الضار الذي وقع أول، فإذا كان فعل المدعي نتيجة لفعل المضرور فلا تتحقق مسؤولية المدعي عليه نظرا لانعدام رابطة السببية بين فعل المدعي عليه والضرر الذي لحق بالمضرور، وإن اشترك فعل المضرور مع فعل المسؤول ولم يستغرق أحدهما الأخر فنكون بصدد الفعل المشترك والمدعي عليه لا يتحمل مسؤوليته كاملة، فالأصل في الفعل المشترك أن يتحمل كل فاعل بنسبة نصيبه في الفعل.

ب ـ خطأ الغير

يمكن أن يتسبب الغير في الخطأ الطبي، كأن يقوم شخص يمتهن حرفة التمريض بتضميد جرح جراحي للمريض خارج الأماكن المقررة لذلك وبأدوات غير معقمة، فيتعفن جرح المريض، فهنا لا تقوم مسؤولية الجراح عن تعفن الجرح وما لحق المريض من ضرر[139].

ومن أحكام النقض في استغراق خطأ الغير خطأ الجاني أن رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل الخطأ تتطلب إسناد القضية إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها، كاملا كانت تتفق مع السير العادي للأمور وأن خطأ الغير ومنهم المجني عليه يقطع رابطة السببية، متى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا لإحداث النتيجة، طعن محكمة النقض المصرية طعن جنائي 911/39 ق جلسة 17/11/1969[140].

ونصت المادة (185) من مشروع القانون المدني الفلسطيني بالقول “إذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار التزم كل منهم في مواجهة المضرور ولتعويض كل الضرر ويتوزع غرم المسؤولية بينهم بقدر دور كل منهم في إحداث الضرر فإن تعذر تحديد هذا الدور وزع عليهم غرم المسؤولية بالتساوي”[141]، وهذا فيه اختلاف عن نص المادة 265 من القانون المدني الأردني والتي قالت بأنه: “إذا تعدد المسؤولين عن فعل ضار كان كل منهم مسؤولا بنسبة نصيبه فيه وللمحكمة أن تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم”[142].

تنتفي علاقة السببية نتيجة خطأ الغير، إذا كان الضرر قد وقع بفعل الغير وحده، أي أنه كان السبب الوحيد في حصول الضرر للمريض، حيث أن خطأ الغير بقطع علاقة السببية متى كان كافيا لإحداث النتيجة[143].

2ـ حالة الضرورة

هي الحالة التي يوجد فيها شخص ما دافعا عن نفسه أو عن غيره خطرا محدقا به أو بغيره إلا بارتكاب جريمة بحق نفسه أو بحق أشخاص آخرين من أجل التخلص او الوقاية من خطر جسيم وحال، فحالة الضرورة لا يمكن الأخذ بها إلا عند وجود شخص أمام خطر حال وهو مجبر على ارتكاب جريمة، مضحيا بمبدأ من أجل الحفاظ على آخر له أهمية أكثر، شرط ألا يكون هو من تسبب في حالة الضرورة[144].

فالطبيب غير المرخص له قانونا والذي يجد نفسه أمام حالة استعجالية مثل تهدد المريض بخطر الموت[145] كحالة اختناق عند الحوادث ووجود اللسان إلى الخلف نتيجة كسر في الفك السفلي أو نتيجة حساسية وانغلاق القصبة الهوائية لدى مريض، تستوجب حتى إجراء فتحة له في القصبة الهوائية لتمكينه من النفس.

ولتقوم حالة الضرورة لابد من توفر شروط وهي كالتالي:

أ ـ وجود خطر يهدد النفس أو الغير

فلا يسأل الطبيب الذي يضحي مثلا بالجنين لإنقاذ حياة أمه ويشترط في الخطر:

  • أن يكون الخطر موجودا، جديا وحالا لأنه لا يجوز التعلل بخطر غير موجود.
  • أن يكون الخطر جسيما، منذرا بضرر غير قابل للإصلاح أول تتحمله النفس.
  • أن لا يكون لإرادة الجاني دخل في حلول هذا الخطر[146].

ب ـ فعل الضرورة

وهو الفعل الذي يرتكبه الشخص لوقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على وشك الوقوع ويشترط في هذا الفعل:

ـ أن يكون من شأنه التخلص من الخطر بارتكابه لجريمة وليس كطريقة للانتقام من شخص بحجة توافر حالة الضرورة أو لطمس معالم جريمة قامت من فعله.

– أن يكون هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر وبقدر حالة الضرورة، فإن كان المضطر بوسعه الاستعانة بوسيلة أخرى لتفادي الخطر فلا يعفى من المسؤولية في حال إتيانه لتلك الجريمة بحجة حالة الضرورة، كما يسأل إذا لجأ إلى جريمة وترك الأخف منها لتفادي الخطر.

– أن يكون بحسن نية لإبعاد الخطر، فإذا انحرف عن هذا الهدف اعتبر جريمة يعاقب عليها كالطبيب الذي يستخدم أسلوبا في علاج طارئة ولكن بهدف تجريب مدى نجاعة هذا الأسلوب[147].

3ـ القوة القاهرة

يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة عدم إمكانية توقعه أو التحرر منه ويترب عليه انتفاء الرابطة السببية بين الخطأ والضرر.

أ ـ عدم إمكانية التوقع

وبأن تكون غير متوقعة وخارجة عن إرادة الشخص ليس الطبيب المسائلة فحسب، بل حتى من جانب أشد الأطباء فطنة، وللقاضي السلطة التقديرية[148].

ب ـ استحالة الدفع

وهي أن تكون القوة القاهرة من شأنها أن تجعل تفادي النتيجة أمرا مستحيلا استحالة تلحق بكل من هو في موقف هذا المسؤول وتؤدي إلى حدوث نفس النتيجة حتى ولو كان طبيبا بدرجة كبيرة من الخبرة بتوافر هذين الشرطين الممثلين في عدم إمكانية الدفع تنتفي الرابطة السببية، وبالتالي انتفاء مسؤولية الطبيب الجزائية.

المطلب الثاني: دور الخبرة في إثبات الخطأ الطبي

قد تطرح لدى القاضي أثناء محاولته الفصل في القضايا التي تعرض عليه، مسائل ليس له علم بتفاصيلها وخباياها نظرا لطبيعتها التقنية أو العلمية التي تخرج عن اختصاصه أو مداركه، لذلك أجازت التشريعات للقاضي الاستعانة بأهل الفن والخبرة ممن يتميزون بالاستقامة والعلم والمعرفة.

خول المشرع الجزائري للقاضي اللجوء إلى أهل الخبرة في سبيل تبيان الأمور التقنية التي لا يدركها إلا الطبيب المختص، أفرد المشرع في مدونة أخلاقيات مهنة الطب بندا خاصا تحت عنوان ممارسة الطب وجراحة الأسنان بمقتضى الخبرة، وهذا من المواد 95 إلى 99 من نفس المدونة، وعليه سنقوم إلى التطرق بشيء من التفصيل إلى دور الخبرة في المسؤولية الجنائية للطبيب.

الفقرة الأولى: تعريف الخبرة

يقصد بالخبرة استعانة القاضي أو الخصوم بمختصين أو ذوي الخبرة في أمور أو وسائل ليس باستطاعة القاضي لوحده الإلمام بها، ذلك بهدف التغلب على مختلف الصعوبات والعراقيل التي يصادف هذا الأخير بصدى الدعوى والنزاع المطروح عليه ذلك بالقيام بأبحاث فنية وعلمية واستخلاص النتائج منها[149].

نظرا إلى التقدم والتطور الذي شهدته مختلف العلوم والفنون، وما شملته من دراسة الوقائع التي تتصل بوقوع الجريمة قد ازدادت أهمية الخبرة عن ما كانت عليه في السابق والحاجة إلى الخبرة تنشأ أو تظهر أثناء سير الدعوى ومباشرتها حول مسألة معينة يتوقف عليها الفصل في الدعوى خاصة إذا كانت تلك المسألة من المسائل الفنية التي ليس بمقدور القاضي البت فيها لوحده، كفحص جثة القتيل لمعرفة سبب الوفاة[150].

تعتبر الخبرة الفنية الطبية من إحدى طرق الإثبات التي يستعان بها لتقدير وإثبات وقائع ومسائل شائكة في المجال الطبي، والقاضي له كل السلطة في تعيين الخبراء، ولا دخل للأطراف في ذلك وليس لهم الطعن في خبرتهم أو المناقشة ما خلصوا إليه من نتائج تستمد الخبرة أساسها ومصدرها من الشريعة الإسلامية لقوله سبحانه وتعالى: “فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”[151].

عرفها الأستاذ محمود توفيق اسكندر باعتبارها وسيلة من وسائل التحري[152]، أما الفقه الفرنسي[153] فلقد عرفها على أنها إبداء الرأي في نقطة متنازع فيها تتعلق بالفن الذي يختص فيه الخبير.

كما عرفها البعض[154] بأنها الحصول على معلومات فنية في المسائل التي تعرض على القاضي ولا يستطيع العلم بها، بل أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل الفنية بعلمها إذا يجب الرجوع فيها إلى أهل الخبرة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 24/06/2003[155].

الفقرة الثانية: خصائص الخبرة وأنواعها

أولا: خصائص الخبرة

تتميز الخبرة بخصائص فهي، أول إجراء قضائي، ثم هي اختيارية للقاضي، وهي أخيرا ذات صفة تبعية.

1ـ الخبرة قضائية

معنى كون الخبرة قضائية أنها تقرر من قبل القضاء[156]، إما من طرف محكمة الدرجة الأولى أو المجلس القضائي، وذلك إما لإجراء معاينة أو تقديم استشارة فنية أو تحقيق فني، ويتم تعيين الخبير بطلب من الخصوم أو من طرف القاضي من تلقاء نفسه.

غير أنه في القانون الفرنسي وفي مجال المسؤولية الطبية لا يمكننا الحديث عن هذه الخاصية، ذلك أنه بعدما تم إنشاء اللجان الجهوية للصلح والتعويض بشأن الحوادث الطبية بموجب قانون 303-2002[157]، والذي منح هذه اللجان صلاحية تعيين خبير لإجراء خبرة، وذلك حين تتم دراسة القضية على مستوى هذه اللجان، أي قبل وصول القضية إلى ساحة القضاء في حالة عدم الصلح، ويتم اختيار الخبير من قائمة الخبراء المسجلين على مستوى اللجنة الوطنية للحوادث الطبية.

2ـ الخبرة إجراء اختياري للقاضي

يكون للقاضي حرية الاختيار بين اللجوء للخبرة الفنية إذا رأى سبب لطلك، وبين عدم اللجوء إليه متى رأى لذلك أسباب شائعة مقبولة، ككفاية الدلائل للفصل في دعوى دون حاجة إلى خبير فني[158].

غير أنه يكون ملزما بإجراء الخبرة في حالة ما إذا كانت المسألة فنية لا يمكن الاعتماد للفصل فيها على الدلائل الأخرى المقدمة إلا باللجوء إلى الخبرة، وفي حالة عدم القيام بذلك يكون حكمه معرضا للنقض من المحكمة العليا[159].

3ـ الخبرة إجراء تبعي

معنى كون الخبرة ذات صفة تبعية أنها تقرر تبعا لدعوى أصلية وكإجراء إثبات يساعد على الفصل في الدعوى المقامة.

ثانيا: أنواع الخبرة

يوجد نوعين من الخبرة إضافة إلى الخبرة القضائية التي سبق وعرفناها وهي: الخبرة الاستشارية والخبرة الاتفاقية.

1ـ الخبرة الاستشارية

هي خبرة تتم عن طريق المحكمة دون أن يشترط فيمن يلجأ إليها صفة الخصم، تتمثل في اللجوء إلى أهل الفن والاختصاص من أجل الحصول على المشورة والنصح بشان نقطة فنية، وذلك لأهداف وغايات مختلفة، غالبا ما تكون بهدف الحصول على دليل قوي لتدعيم موقف الطرف الذي يلجأ إليه، أو لتنفيذ رأي خبير قضائي تم تعيينه من طرف المحكمة[160].

تتم الخبرة الاستشارية بطلب من شخص معين لاستيضاح أمر معين[161]، وغالبا ما تكون الخبرة سابقة على نزاع يحتمل حصوله[162].

2ـ الخبرة الاتفاقية

هي الخبرة التي تتم نتيجة لاتفاق بين طرفين أو أكثر، قبل أو بعد نشوء نزاع بينهم[163]، ويلتزم الخبير الاتفاقي بتوجيه تقرير الخبير إلى كل طرف من الأطراف الذين قاموا بتعيينه[164]، فالخبرة الاتفاقية هي تلك الخبرة التي يلجأ فيها أطراف في النزاع إلى خبير ليبدي رأيه في مسألة فنية وتخصيصه مختلف عليها بينهم[165]، وهذا دون أن يتدخل القضاء في ندب الخبير.

يعتبر اتفاق الأطراف هو الصورة الفعلية بكل ما يتعلق بهذه الخبرة، ولا تلتزم المحكمة بهذا النوع من الخبرة إلا بالقدر الذي يعطيه الاتفاق لها، فمتى قدم الخصوم هذه الخبرة للمحكمة، فإنها وكأثل عام لا تلتزم بما جاء فيها إلا بالقدر الذي اتفق عليه الأطراف، فهي تخضع لأحكام العقد نظرا لكونها ناجمة عن اتفاق الأطراف، ومتى لم يحدد الاتفاق قوة هذه الخبرة كان للمحكمة أن تستنير بتقرير الخبرة الاتفاقية وأن تأخذ منه بالقدر الذي تشاء أو ترفض ما جاء فيه، ولها أن تلجأ لإجراء خبرة جديدة، وقد تلجأ المحكمة إلى تعيين نفس الخبراء الذين قاموا بالخبرة الاتفاقية.

الفقرة الثالثة: مدى تأثير الخبرة في إثبات الخطأ الطبي

لتحديد دور الخبرة في إثبات الأخطاء الطبية، يتسنى علينا معرفة اللالتظامات التي يتحلى بها الخبير ومدى تأثير تقريره لمعرفة الحقيقة عند القاضي، لدى ارتأينا استقراء بعض المواد التي أوجبها المشرع الجزائري على الطبيب الخبير من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري، فقد أوجب على الطبيب الخبير أو جراح الأسنان، الخبير قبل البدء بأي عمل خبرة إخطار الشخص المعني بهذه المهمة، وأنه لا يمكن ان يكون طبيبا خبيرا وطبيبا معالجا لنفس المريض في نفس الوقت، ولا يجوز للطبيب أو جراح الأسنان القبول بمهمة من شأنها تعريض مصالح أحد زبائنه أو أصدقائه أو أقاربه أو حتى مصالحه الشخصية للخطر، كما يتعين عليه بعدم الإجابة على الأسئلة الغريبة عن تقنيات الطب الحقيقة، كما أوجب عليه عند كتابة تقريره عدم الكشف عن العناصر التي من شأنها تقدم إجابة على الأسئلة المطروحة في قرار تعينه، وأوجب عليه الاحتفاظ بأسرار جميع المعلومات التي اطلع عليها[166].

ويرى البعض أن القاضي عند تقديره للخطأ الطبي يجب أن يكون في غاية الحكمة والحذر فلا يقر بثبوت خطأ الطبيب إلا إذا ثبت ثبوتا قاطعا أن الطبيب قد خالف عن جهل وتهاون أصول الفن الثابتة، والقواعد العلمية بحيث لا يدع مجالا للشك أو الجدل قياسا بطبيب وسط من نفس المهنة والاختصاص[167].

وفي الأخير يمكن القول، بأنه تظهر أهمية الخبرة الطبية خاصة في تأكيد خطأ الطبيب، وتوافر العلاقة السببية بينه وبين الضرر الذي أصاب المريض الذي يعتمد عليهم القاضي لتقرير مسؤولية الطبيب من عدمها، غير أن القاضي يجب ألا يأخذ بها على إطلاقها خاصة مع قيام الشك حول الحياد الذي يمكن أن يلتزمه الخبراء في تقرير أخطاء زملائهم.

الفصل الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء

يتيح العمل فرصة الاتصال بزملاء المهنة على اختلاف اتجاهاتهم، مع ما يثيره ذلك من مشاكل قد تدفع إلى بعض صور السلوك الإجرامي، بل إن الممارسة اليومية للعمل قد تكون مناسبة يتعرض فيها الشخص لظروف تدفعه إلى الإجرام[168]

وإذا كان للمهنة دور مهم في تحديد الالتزامات التي تثقل كاهل المهني في علاقته مع زبنائه أو عملائه، فإنها تلعب دورا بارزا في مجال المسؤولية وتعيين نطاقها[169]، والمشرع المغربي حدد الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الطبيب وتترتب مسؤوليته جنائيا، إلا أنه لم ينظم هذه الجرائم في مدونة قانونية خاصة، بل نجد بعضها وارد في القانون الجنائي والبعض الآخر متناثر ضمن قوانین خاصة[170] ، ولعل أول ما يلفت الانتباه بالنسبة لنظامنا الجنائي هو تشتت النصوص والمقتضيات الجنائية في عدة قوانين خاصة، على نحو يجعل ما الصعوبة بمكان – عمليا- الاطلاع عليها والاهتداء إليها بسهولة ويسر، حتى أننا لا نجد قانونا خاصا لا توجد مقتضيات زجرية[171] ، ولعل تحديد نطاق العمل القضائي في الجرائم الطبية تحيد مواقفه أحيانا عن منطق الليونة والتساهل إلى اتخاذ موقف الحزم والشدة مع فئة غير قليلة من الأطباء التي تخرج عمدا عن السلوك الواجب الالتزام به في مهنة الطب، أو ثلة من الأطباء المنضبطة العادات وأعراف المهنة الطبية على ضوء معيار الخطأ الذي تقوم عليه المسؤولية في الجرائم الغير العمدية، وإذا كان علماء الإجرام يتفقون على حقيقة يتم إثباتها بالاستناد إلى المعطيات الرقمية للإحصائيات الجنائية نفسها، وهي أنه منذ تاريخ ارتكاب الجريمة وقيام الشرطة بالتحقيق في ظروف وماديات ارتكابها، وصولا إلى تدخل النيابة العانة، وصولا إلى إحالة المتهم على العدالة الجنائية قصد محاكمته، أي كلما تعددت إجراءات المتابعة والأجهزة المكلفة بالقيام بذلك، كلما قلت حظوظ إصدار أحكام الإدانة، وبالتالي إدراجها ضمن إحصائيات القضاء[172]، فإنه يصعب عملية تحديد ماديات الجريمة الطبية بين جرأة النصوص القانونية وافتقارها للعقوبة المتكافئة للفعل أو الامتناع في الجريمة الطبية، وبين تجزیئ القضاء لكل جريمة على حدة خارج النصوص العامة – القانون الجنائي المغربي – إلا استثناءا يتطلب من القاضي جهدا جبارا للاطلاع والمعرفة بالقوانين والنصوص التي توجب العقوبة الجنائية للمخالفات والجرائم الطبية.

لذلك ومحاولة منا لمعالجة النطاق الجرائم الطبية للطبيب بين سبل التشريع وعمل القضاء” في هذا الفصل تقسيمه إلى مبحثين:

المبحث الأول: التطبيقات القضائية للمسؤولية الجنائية للطبيب الناشئة عن خطأ غير

عمدي

المبحث الثاني: محدودية تدخل القضاء في المسؤولية الجنائية للطبيب وخالات انتفائها

المبحث الأول : التطبيقات القضائية للمسؤولية الجنائية للطبيب الناشئة عن خطأ غير عمدي

لعل المرجع الأساسي الذي يتم الركون إليه في حالة عدم وجود تعریف مدقق لمفهوم معين في قانون معين، هو الشريعة العامة لقوانين الشكل أو الموضوع. وما دمنا في كنف الشق الموضوعي القانون الجنائي المغربي ونحن بصدد دراسة صور الخطأ الطبي المنحدر من مفهوم الخطأ بشكل عام، هذا الأخير الذي لم يتعرف التشريع بيانه في نطاق الأعمال الطبية، ولم يخلع له إسما معينا، مما حدا بالقضاء إلى القواعد العامة في المسؤولية الجنائية للأطباء شأنهم في ذلك شأن جميع أرباب المهن الأخرى كالمهندسين والصيادلة، وذلك لقلة النصوص الصريحة في هذا الجانب، اللهم ما كان من الفصلان 432 و 433 اللذين يشكلان نصا عاما يطبق على الطبيب كما يطبق على غيره.

وباعتبار أن الطبيب يجد مبرر تدخله وتعرضه لأجسام الأشخاص في الفصلين 124-125 من القانون الجنائي لكون مهنة الطب تعتبر واجبا إنسانيا، والأفعال التي يقوم بها أوجبها القانون وأمرت بها السلطة الشرعية، فإنه وجب لتقرير مسؤولية الطبيب إثبات ارتكابه خطأ أدى إلى وفاة أو جرح أو إلى تشويه الخلقة أو بتر أحد الأعضاء[173] . و حيث أن المشرع أورد في نصوص مختلفة من المجموعة الجنائية صورا للخطة الجنائي، وهي من الشمول بحيث تتسع لجميع حالات الخطة التي يمكن تصورها في الواقع ما دام المشرع الجنائي المغربي في هذا الإطار قد نحی منحي التشريعات التي عددت صور الخطأ الجنائي إلا أنه لم يذكرها جميعا إلا في الفصلين432-433 وهي كلها صور الجرائم غیر عمدية وردت في صياغة عامة، لم تحدد الخطأ بعينه مما يعني أنه خطأ قابل لأن ينطبق على الطبيب، بتوافر إحدى هذه الصور فقط دون الأخرى.

وهي صور لأخطاء طبية مادية، أي أنها تشكل صورا للخطأ العادي، في حين الأخطاء الطبية الفنية هي حالات لأخطاء مهنية ذات صلة بأعمال الطبيب في مراحل مختلفة تبتدئ من مرحلة  التشخيص حتى تصل أخطاء تحرير الوصفة الطبية أي عملية تنفيذ العلاج بصورة غير مباشرة أو مباشرة في علاقته بالمريض.

ولإلقاء الضوء على هاته الأمور، سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين أيضا، نعمد فيها إلى بسط أهم الجوانب لتسليط الضوء على أشكالها حتى تمد القارئ عموما والباحث في المجال الطبي خصوصا، بالسمات الجوهرية التي تنفرد بها هاته الصور، وذلك من خلال القواعد القضائية المسطرة في هذا الباب.

يمكن مؤاخذة الطبيب

فما هي إذن أهم التطبيقات القضائية لهذه الصور الخطأ الطبي؟ و كيف على جرمه الغير العمدي و على أي أساس؟.

المطلب الأول: التطبيقات القضائية لصور الخطأ الطبي الواردة في القانون الجنائي المغربي

الفقرة الأولى: عدم التبصر وعدم الإحتياط

  • عدم التبصر

لعل من أهم التطبيقات القضائية الفرنسية ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في هذا الشأن: “الذي أحدثه في رحم المجني عليها بجهاز الشفط، ثم أمره بإيقاف فحص التجويف البطني عن طريق المسطرة الذي أمر به طبيب التخدير، وانتهاء بعدم فتح البطن الذي كان ضروريا لإيقاف نزيف داخلي ” حاد”[174] و أيضا ما قضت به محكمة السین Seine بتاريخ 25 يناير 1949 حينما أدانت” طبيبا جراحا بجنحة الإصابة الخطأ لرعونته وإهماله، حينما أجرى عملية جراحية في الفخذ الأيمن للمريض بدلا من الأيسر، في حين لو رجع إلى الملف الخاص بالمريض لوجد أن صورة الأشعة والبيانات المدونة الخاصة به تشير إلى موضع العملية الصحيح وبالتالي كان في استطاعته تجنب الوقوع في هذا الخطأ ولو تذرع بالحيطة والعناية، وهذا يكفي بإدانته بجنحة الإصابة الخطأ” وفي نفس المعنى أدانت محكمة Douie بتاریخ 12 نوفمبر 1952 “طبيبا جراحا خالف ما جرى إليه العمل بين الأطباء من حيث الإستعانة أثناء إجراء العملية الجراحية بمتخصص حاصل على دبلوم في التخدير أو على الأقل ذو خبرة طويلة في هذا الفن والإكتفاء بإسناد مهمة التخدير العاملة بسيطة رغم علمه بأنها غير حاصلة على دبلوم فني في التخدير وعديمة الخبرة بالمواد المخدرة مما أدى إلى وفاة المريضة أثناء التخدير[175].

أما ما يتعلق بالقضاء المصري، نجد ما قضت به محكمة النقض بأن: “الآثار الحيوية الموجودة برأس الجنين الذي عثر عليه الطب الشرعي بالتجويف البطني تشير إلى أنه وقت إجراء عملية التخدير كان الجنين مازال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم، وأنه يفسر تشخيص المتهم لوفاة الجنين ما زال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم، فضلا عما ظهر من وجود تمزق كبير بالرحم، وأن ذلك مفاده أنه قد أخطأ في الطريقة التي اتبعها في إنزال الجنين الأمر الذي أدى إلى حدوث الوفاة نتيجة تمزق الرحم وما صحبه من نزيف وصدمة عصبية. وانتهى الطبيب الشرعي في تقريره إلى أن ذلك في رأيه يعتبر خطأ مهنيا جسيما. وأنه كما يزيد من مسؤولية المتهم أنه قد فوت على المجني عليها فرصة علاجها على يد أخصائي بعدم تحويلها إلى أحد المستشفيات ثم خلص الحكم إلى ثبوت الإتهام المسند إلى الطاعن في قوله: “و من حيث أنه يتبين مما تقدم أن التهمة الأولى ثابتة من أقوال الشهود سالفة الذكر.

قد جاءت قاطعة الدلالة على أن المتهم أجرى عملية إجهاض للمجني عليها أودت بحياتها ومن أقوال المتهم نفسه، وقد اعترف بإجرائه تلك العملية مستعملا جفة البويضة، ومع التقرير الطبي الشرعي و قد ثبت منه أنه ما كان ينبغي للمتهم استعمال ذلك الجفت وهو يدرك أن المجني عليها في الشهر الخامس الرحمي، كما أن استعمال تلك الآلة قد أدى إلى إحداث تمزيق كبير في الرحم، و أن ذلك يعتبر خطأ مهنيا جسيما من المتهم. و لما كان ذلك، وكانت القاعدة أن الطبيب أو الجراح المرخص له بتعاطي أعمال مهنية لا يسأل عن الجريمة العمدية وإنما يسأل عن خطئه الجسيم، وكان المتهم قد أخطأ في إجراء تلك العملية خطأ جسيما فأهمل ولم يتبع الأصول الطبية. ولا أدل على جسامة خطئه من ترکه رأس الجنين وقد وجدها الطبيب الشرعي بالتجويف البطني عند تشريح جثة المجني عليها ولما كان ذلك قد أدى مباشرة إلى وفاة المجني عليها فإنه يتعين إدانة المتهم طبقا للمادة238 من قانون العقوبات[176]

وهو ما يدل على أن عدم التبصر – الرعونة – كأحد صور الخطأ الطبي الجنائي تنطبق على التعريف الذي رسمه الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح:

“هو عدم إدراك الجاني لحقيقة الأخطار التي يمكن أن تترتب على فعله[177]

و بالنسبة للقضاء المغربي نجد تطبيقا بارزا لخطأ عدم التبصر الجنائي في حكم حديث صادر عن ابتدائية واد زم بتاريخ2006/07/10 الطبيب المعالج والطبيب رئيس المستوصف والممرض الرئيسي والمسؤولة عن الصيدلة مشیرا:

“وحيث أنه بالنظر إلى طبيعة العلاقة التي تربط الطبيب بمريضة التي تحكمها اعتبارات شخصية، يجب أن يباشر الطبيب بنفسه علاج المريض وأن يتتبع بنفسه حالته. وإذا ما قرر الإعتماد على شخص آخر فإنه يبقى مسؤولا إزاء مريضه ويكون مسؤولا عندما يكلف أخر ليحل مكانه عند غيابه إذا تبين أن هذا الأخير لا تجربة له…

وحيث أن إقدام الطبيب الأول على وصف الدواء دون أن يكلف نفسه عناء تتبع حالة المريضة الصحية، وحيث إنه و كما معلوم أن العلاج بالعقاقير والأدوية بات ينذر يوما بعد يوم بمخاطر جمة إذا لم يتقن استعمالها وفقا لمعايير دقيقة ومحكمة. ونظرا لما تنطوي عليه من مواد قد تصل إلى درجة عالية من الخطورة وكل ذلك يقتضي من الطبيب الإلتزام في علاج مرضاه جانبا كبيرا من اليقظة والحيطة لئلا يقع في أخطاء فلا يمكن تدارك عواقبها كما يقتضي منه أخذ كل الحيطة عندما يضطر إلى استعمالها ومتابعة مدى تأثير الدواء على المريض وما إذا كانت له مضاعفات أم لا…

وحيث اعترفت الظنينة الخامسة تمهيديا باعتبارها الممرضة التي أشرفت على عملية الحقن بأنه استعصى عليها إيلاج شوكة الإبرة وأعادت ذلك مرة ثانية بعد تسريح مجرى الدم، وحيث إن من واجب هذه الأخيرة أيضا التأكد من صلاحية الدواء وأخذ كافة الإحتياطات اللازمة لتفادي وقوع أي خطر محتمل حيث كان يتوجب عليها بعدما استعصى عليها إيلاج الشوكة إخبار الطبيب بذلك لكي يتسني لهذا الأخير التدخل ومعرفة سبب هذه الصعوبة وتفادي أي مضاعفات يمكن أن تنجم عن ذلك الشيء الذي لم تقم به مما يعد ذلك أيضا تقصيرا وعدم تبصر وإهمال من طرفها بصفتها ممرضة وتضطلع بمسؤولية جسيمة…

وحيث إنه ومن خلال تفحص مختلف أوراق الملف فإن الظنينة الرابعة هي التي تتولى حراسة صيدلية المستوصف وهي المسؤولة عن الدواء المتواجد بها، وحيث إن عملها هذا يقتضي منها بالدرجة الأولى معرفة صلاحية الدواء قبل تسليمه للممرضة…

وحيث أضافت الظنينة الرابعة في تصريحها التمهيدي بأنها تقوم بمعية كل من طبيب المستوصف والممرض الرئيسي بإحراق الدواء عندما يصبح فاسدا.

وحيث تكون بذلك مسؤولية الطبيب باعتباره رئيس المستوصف جسيمة كما أن مسؤولية الممرض الرئيسي والمسؤولة عن الصيدلة جسيمة أيضا سيما و أنهم مسؤولون عن صلاحية الأدوية المتوفرة بالصيدلية التابعة للمستوصف…

وحيث إن كل واحد من هؤلاء الأظناء أخل بالتزام عام يفرضه القانون على الناس كافة، وهذا يقتضي أن يتجنب الإنسان كل تصرف من شأنه المساس بالحقوق والمصالح التي يحميها القانون وأن يكون متبصرا بعواقب تصرفاته وهذا الإلتزام يفترض أن يكون الوفاء به ممكنا وإذ “لا إلتزام إلا بمستحيل، ولا تكليف إلا بمقدور كما يقول الأصوليون”.

وحيث إن ما كان مفروضا على الأظناء كان ممكنا تفاديه بأخذ التبصر وترك الإهمال و اللامبالاة واحترام النظم والقوانين المعمول بها، و حيث إنه ما دام أن عمل هؤلاء الأشخاص هو جسم الإنسان فالقانون يقرر أن كل أذى يلحق بجسم الإنسان بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله وعدم مراعاته النظم والقوانين يشكل جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي حسب ما يستفاد من الفصل 433 وهو فصل المتابعة أعلاه.

وحيث تكون بذلك أفعال الأظناء عدم تبصر وإهمال وعدم مراعاة للنظم والضوابط أدى إلى إصابة الضحية بشلل على مستوى أطرافها السفلى وحيث إن العلاقة السببية بين ما تعرضت له الضحية والخطأ في حق المتهمين الأول والثاني والرابعة والخامسة ثابتة وفق ما هو مبين أعلاه بشكل لا يرقى إليه الشك سيما وأن حالة المريضة بعد الإصابة شخصت على أساس أن ما حصل لها كان نتيجة حقنها بمادة الأكستنسلين بصفة مباشرة…[178]

لئن كان الحكم أعلاه يحوي جميع صور الخطأ المنصوص عليها في إطار الفصلين432 و 433 من القانون الجنائي المغربي، فإنه يجعل وكما أومأنا أنه ليس ضروريا أن يكون الخطأ الطبي الجنائي الذي يدخل في تكوين الجنحة خطأ غير منفصل عن صور الخطأ لقيام مسؤولية الطبيب الجنائية عن أخطائه المهنية. فعنصر الإتصال والترابط بين صور الخطأ الطبي ليس شرطا لتحريك المسؤولية الطبية بل تخلف إحداها لا يؤثر على مجريات الواقعة الجرمية الطبية.

ولا مجال للإحتجاج بأن هاته الصور قد وردت على سبيل الحصر حتى نقول بانتفاء مسؤولية الطبيب الجنائية لتظل حكرا فقط على الخطأ المدني في إطار قواعد المسؤولية المدنية. لأنه حتى وإن سلمنا بذلك فالصور الأربعة الواردة في إطار الفصلين 432 و 433 تكون كافية لاحتواء جميع عناصر الخطأ بكافة أشكالها كيفما كانت مدنية أو جنائية. و في هذا الصدد يتجه أيضا الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح:

الصور التي ذكرها المشرع من الإتساع بحيث يمكن أن تشمل كل صور الخطة التي عدد المشرع” [179]

لننتهي أن مؤاخذة الطبيب عن جرمه الغير العمدي، في عدم التبصر كأحد صور الخطأ الطبي قياسا على صور الخطأ بشكل عام، تتطلب ثبوت المنسوب إليه بتوافر العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. غير أن أهم المفارقات القضائية تجعل من ثبوت ذلك مجرد جنحة موقوفة التنفيذ، مما يجسد سمو عمل الطبيب على رقابة القضاء كما في الحكم أعلاه. فأي ضمانة تبقى لضحية الخطأ الطبي الجنائي في ألفية ثورة النصوص الدستورية والقوانين المعدلة كما هو الشأن لدستور المغرب فاتح يوليوز 2011 الذي نص في فصله 22:

“لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، و من قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة.

لا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أولا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية

ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.

وحامي الحقوق و الحريات – القضاء – يقف عاجزا أمام بحر العلوم عام، و الطب خاصة. باعتبار مهنة الأطباء تقوم على تقديس حياة الإنسان والحفاظ على جسمه، فيتساهل في تطبيق النصوص رغم جرأة -بعض-الأطباء واستخفافهم بواجبهم وعدم رعايتهم لقواعد المهنة. فالخدمات ومراكز الإستقبال الصحية ببلادنا هي – أعرف من أن تعرف – فمتى يعي المشرع خطورة الوضع وإلى متى ستظل فصول المتابعة الجنائية غير قابلة للتنزيل تحت ذريعة تعاطف القاضي الجنائي، ووسيلته في ذلك سلطته التقديرية غير الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى في غير مقام الشأن الطبي؟

هذا ما يهم عدم التبصر كأحد صور الخطأ الطبي، فماذا يمكن القول عن عدم الإحتياط كصورة أخرى لا تخلو أهمية من نشاطات وسلوكات طبية ذات طابع إيجابي؟

2- عدم الإحتياط

أما القضاء المصري فقد ذهب بدوره إلى إدانة طبيب جنائي ارتأينا أن نعرضه أدناه

في نقض بالتفصيل

“وحيث أنه يبين من الحكم الإبتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه حمل واقعة الدعوى بما هو مجزء أن المجني عليه مورث المطعون ضدهم كان يعمل حدادا بشركة مصر للبترول (الطاعنة الأخرى وفوجئ أثناء عمله بدخول جسم غريب في عينه اليسرى فأخرجه، و لما توجه إلى طبيب الشركة أحاله إلى الطاعن بوصفه أخصائيا في الرمد تعاقدت معه الشركة على علاج العاملين بها، و بعد أن أوقع الكشف الطبي عليه حقنه في عينيه و أجرى له جراحة في عينيه معا ثم صرفه بعد ساعة من إجراءها و ظل يتردد على الطاعن بسبب تورم عينيه ووجهه حوالي أربعين يوما للعلاج أن تحقق فيما بعد أنه فقد إيصاره مع أنه كان سليم البصر قبل الجراحة التي لم يستأذن الطاعن في إجرائها. ولم يجري مخصوصا قبلها وقد تخلفت لديه بسبب الطاعن عاهة مستديمة وهي فقد بصره كلية، وبعد أن عرض الحكم لبيان مختلف التقارير الطبية الفنية المقدمة في الدعوى وأقوال واضعها – أثبتت أن المجني عليه لم يكن في حاجة إلى الجراحة بالسرعة التي أجراها له الطاعن، عول في ثبوت خطأ الطاعن على ما أورده من تقرير أخصائي مصلحة الطب الشرعي الدموي مع أنه كان يتعين على الطاعن إجراء الفحوص الباطنية والمعملية اللازمة التي توجبها الأصول الفنية للمريض قبل الجراحة وأن إجراء الجراحة في العينين معا قد يعرض المريض إلى مضاعفات إذا أصابت العينين معا بسبب بؤرة مستكنه أو عدوى خارجية أو أثناء الجراحة قد تفقدهما الإبصار وهو ما حدث في حالة المجني عليه، و أن الجراحة لو أجريت على عين واحدة فقط لأمكن اتخاذ الإجراءات الواقية ضد الحساسية عند إجراء الجراحة على العين الأخرى، و لما حدثت المضاعفات في العينين معا مما أدى إلى فقدهما الإبصار كلية، فضلا عن أن الطاعن أخصائي في طب العيون فإنه يطالب ببذل غاية الحذر في علاجه [180] وهو ما أكده الحكم المستأنف: “… وبذلك يكون المتهم مسؤولا عن النتيجة التي انتهت إليها حالة المريض وهي فقد إبصاره لا بسبب خطأ علمي وإنما كان نتيجة عدم تبصر شخصي منه وهو أمر معنوي تقديري لیس میزان خاص”.

أما محكمة النقض فقد علت تأييدها للحكم المطعون فيه بما يلي: “… فإن هذا القدر الثابت من الخطأ يكفي وحده لحمل مسؤولية الطاعن جنائيا ومدنيا، ذلك أنه من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقة للأصول العلمية المقررة، فإن فرط في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله، وإذا كان يكفي للعقاب على جريمة الإصابة الخطأ أن تتوافر صورة واحدة من صور الخطأ التي أوردتها المادة 233 من قانون العقوبات، فإن النسف على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الخصوص يكون غير سديد[181]

أما التطبيقات القضائية لهذا النشاط الإيجابي كصورة من صور الخطأ الجنائي في المغرب فقد أدانت المحكمة الإبتدائية بالبيضاء في حكم جنحي صادر عنها في19 فبراير 1988 “طبيبا جراحا متخصصا في فن التوليد لعدم اتخاذه الإحتياطات الكفيلة بالحفاظ على حياة المريضة الضحية على الرغم من توفره على بطاقة المعلومات الشخصية بها … حيث إنه لم يعمل قبل إجراء عملية الولادة على اخذ صور للجنين داخل بطن أمه حتى يتمكن من معرفة وضعيته، ولم يقم بتهيئ كمية الدم اللازمة لحالة الطوارئ، ولا بتهيئ المحضنة لاستقبال المولود الذي ولد بتاريخ سابق لتاريخ الولادة (30 أسبوعا، وإنما عمد إلى عملية قلب الجنين داخل الرحم وتوليد الضحية دون إجراء فحوص دقيقة، ودون حضور الطبيب المخدر المنعش مما عجل بوفاة المريضة[182]

وفي حكم ابتدائية تازة و التي تتلخص وقائعه في أن “طبيبة مختصة في أمراض النساء و الولادة قامت بإجراء عملية قيصرية لسيدة قصدت عيادتها للولادة، و بعد إجراء العملية استمرت تحس بالآلام على مستوى رحمها اضطرت منه المريضة إلى مراجعة الطبيبة عدة مرات. إلا أن حالتها ازدادت سوءا و اضطرت إلى الإنتقال إلى مستشفى ابن سينا بالرباط حيث خضعت لعملية جراحية تبين من خلالها أن الطبيبة التي أجرت العملية القيصرية نسيت جسما غريبا في بطنها هو عبارة عن ضماد تسبب في تعفن الرحم، حيث خضعت لعملية جراحية لإزالة هذا الجسم الغريب و هو من مخلفات العملية الأولى المنجزة من طرف المتهمة… و بالتالي تبقى هذه الأخيرة مسؤولة عن ذلك مسؤولية كاملة في إطار الفصل 433 من ق. ج لعدم تبصرها أثناء عملية إغلاق الجرح و إهمالها في احتساب ما استعملته من قطع نسيج أثناء العملية بصورة دقيقة و مركزة خاصة و أن مسؤولية الطبيبة في هذا الشق لا تندفع بمبدأ إبداء غاية أو تحقيق نتيجة. مما يتعين مؤاخذة المتهمة بما نسب إليها وفق فصل المتابعة…” [183]

على أن الأحكام لا تنتهي دائما بالإدانة ومؤاخذة الطبيب بالمنسوب إليه، فقد ذهبت المحكمة الإبتدائية بتازة في جنحة الإيذاء الغير العمدي نتيجة عدم اتخاذ الإحتياطات اللازمة طبقا للفصل 433 من ق ج معللة حكمها في قضية ولادة ترتب وجود شلل الظفيرة بيد الوضع الأتي:

“… وحيث أنه وما دامت الولادة قد تمت بطريقة عادية وأن المولود استمر حیا بعد ذلك وهو ما يؤكد أن الطبيب المولد استعمل يقظته وحنكته وراعي في هذه الولادة للحفاظ على حياة الأم والمولودة خاصة، وأن تقرير الخبرة أفاد أن الطبيب كان أمام ولادة مستعصية ومستعجلة تطلبت إجراءاها خلال 20 دقيقة بالنظر لكون الأم لم تلتحق بالمصحة إلا خلال الساعة الرابعة وأربعين دقيقة مساء، وأن الوضع كان على الساعة الخامسة مساء وهي العناصر التي تدخلت بدورها في جعل الولادة مستعصية وأن الشلل الجزئي للظفيرة الذراعية اليمنى للمولودة ما هو إلا نتيجة محتمة لمثل هذه الولادة في مثل هذه الظروف، وهو ما أكد الشاهد في معرض شهادته.

وحيث أنه لم يثبت للمحكمة من خلال ما ذكر أعلاه أن المتهم قام أو ارتكب إهمالا أو لم يراع القوانين والنظم ولم يتبصر خلال عملية الولادة، مما تبقى معه العناصر التكوينية لجنحة الفصل 433 من ق ج غير متوفرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى الطرف المشتكي صرح في محضر الضابطة القضائية أنه زار الطبيب في العيادة صباحا ونصحهم بارتياد المصحة على الفور لكن لم يلتحقوا إلا خلال المساء وبعد الزوال مما يؤكد صحة ما ورد بشهادة الولادة من ضبطه للتواريخ لم ينازع فيها المشتكين رغم اطلاعهم عليها بعد الولادة.

وحيث أن المحكمة من خلال المناقشات الشفاهية وما راج أمامها وانطلاقا من معطيات الملف لم يثبت لديها العناصر الكافية للقول بإدانة المتهم خصوصا وأن عمل الطبيب ليس مبنيا على تحقيق نتيجة وإنما بذل عناية.

وحيث أن الأصل هو البراءة وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم وهي القاعدة القانونية التي ارتأى نظر المحكمة إعمالها أمام عدم ثبوت السبب المباشر في حدوث الضرر وعدم إمكانية الجزم بكونه ناتج عن إهمال الطبيب وتقصيره وارتأت تبعا لذلك القول ببراءته”[184]

إن مؤاخذة الطبيب بأحد صور الخطأ المنصوص عليها في الفصلين432 و 433 من القانون الجنائي المغربي تستلزم على الطبيب الحيطة والحذر، وإلا أصبح مسؤولا في مواجهة مريضه أمام القضاء الجنائي الذي لن يحيد ويتوارى في تطبيق قواعد الخطأ الغير العمدي، في حالة ثبوت القصد الجنائي للطبيب في تخلفه عن القيام بما كان يلزم، واتخاذه كافة سبل الإحتراز الواقعي والمادي والمهني لدحض ما يواجه به، سواء من طرف النيابة العامة في إطار تحريك الدعوى العمومية، أو من ضحية عمله الطبي جنائيا أو مدنيا في إطار الدعوى العمومية أو الدعوى المدنية التابعة لها، و أيضا في إطار أحكام المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني.

هذا ما قد يخلفه الخطأ في عدم الإحتياط فماذا بخصوص الإهمال وعدم الإنتباه الطبي اتجاه المريض؟ و ما هو أثره القانوني الجنائي في الجريمة الطبية؟

الفقرة الثانية: الإهمال وعدم مراعاة النظم و القوانين

1- الإهمال و عدم الإنتباه

ففي القضاء المصري نجد حكم لمحكمة النقض يقضي في هذا الصدد: “حيث أن الحكم المطعون فيه في سياق بيانه لواقعة الدعوى قد أورد العناصر التي يتوافر فيها ركن الخطأ فيما نسب إلى الطاعن فقال أن المصاب عرض على المتهم الثاني المفتش للصحة فأثبت أن به إصابات من عقر الكلب وظل يعالجه فترة ادعى أنه شفي في حين كانت تبدو منه حركات غريبة لاحظها أقارب المجني عليه بعد خروجه من عيادة المتهم الثاني، فذهب خال المجني عليه يرجوه في أن يرسله لمستشفى الكلب لمعالجته فرفض الطاعن، ثم ذكر الحكم أن الخطأ الذي وقع من الطاعن هو امتناعه عن إرسال المصاب إلى مستشفى الكلي ليعطى المصل الوافي أخذا بما جاء بتقرير الطبيب الشرعي من أن الإصابات كما وصفت بتقرير الطبيب الكشاف تقع بالأنف والجبهة مما يحتم معه إرسال المصاب فورا الإجراء العلاج بالحقن دون انتظار ملاحظة الحيوان العاقر. و قال الحكم إن تصرف الطبيب على النحو الذي تصرف به كان سببا في وفاة المريض. و فيما أثبته الحكم من ذلك ما يدل على أن المحكمة قد استظهرت وقوع الخطأ من الطاعن الذي أدى إلى وفاة المجني عليه. لما كان ذلك، و كانت المادة 238 من قانون العقوبات التي طبقتها المحكمة على جريمة الطاعن لا تستلزم توافر جميع مظاهر الخطأ الواردة بها. وإذا فمتى كان الحكم قد أثبت توافر عنصر الإهمال في حق المتهم “مفتش الصحة” بعد اتباعه بما يقضي به منشور وزارة الداخلية رقم23 لسنة 1927 الذي يقضي بإرسال المعقورين إلى مستشفى الكلب، و لوقوعه في خطأ يتعين على كل طبيب أن يدركه ويراعيه بغض النظر عن تعليمات وزارة الصحة…”[185]

والإهمال و عدم الإنتباه كصورة للخطأ الطبي السلبي في القضاء المغربي تظهر جليا في مجموعة من الأحكام والقرارات. حيث جاء في قرار المحكمة استئناف تازة أدان طبيبة لم تراع اهتماما لازما على إثره نسيت قطعة ثوب في جسم المريضة ما تعليله: “… و هو ما يفيد أن المتهمة و أثناء إجراءها العملية المذكورة قد انعدم لديها التبصر ولم تتخذ الإحتياط ولم ترد انتباها بما تقتضيه القواعد الطبية العادية، إذ أن نسيان قطعة ثوب في الجسم وهو أحد أدوات إجراء العملية ليس من الأخطاء العملية والفنية الفائقة الدقة التي تقتضي تطبيق نظريات طبية قد يثبت نجاحها أو فشلها بتجربتها والتي يمكن التساهل فيها وعدم المساءلة، وإنما هو تقصير في مسلك الطبيب العادي ولا يقع من طبيب يقظ و نبيه وجد في نفس الظروف التي أحاطت به، أو هو إخلال بواجب سابق في عدم عد الضمادات والأدوات المستعملة عدا دقيقا والتأكد من استرجاع ما تم استعماله في جسم الضحية طالما أن الضحية تكون أثناء العملية فاقدة الوعي والطبيب مسؤولا عن سلامته.

وحيث إن ما سبق بيانه قد تسبب في ضرر للضحية ببتر الخرطوم الأيمن للرحم بسبب ما أصابه من تحلل وتعفن بسبب الخرقة المذكورة كما هو ثابت من التقرير المذكور وهو كاف للقول بثبوت مقتضيات الفصل 433 من ق ج في حق المتهمة..”[186]

وفي هذا الصدد أدانت ابتدائية فاس في حكمها بتاريخ2007/05/24 مكلف بالتخدير بتهمة التسبب في القتل الخطأ عن طريق الإهمال وعدم الإحتياط ومما جاء فيه: “حيث إن المتهم و عند الإستماع إليه في سائر المراحل أفاد أنه هو الذي قام بعملية تخدير الضحية أثناء قيام الطبيب بعملية جراحية على مستوى جانب أنفها بطول سنتمتر بشكل عمودي وأنها توفيت أثناء إجراء العملية الجراحية لها، و تبين للمحكمة أن سبب وفاة الضحية يدخل في إطار حادث تخدير، علاوة على أن الضحية كان بالإمكان إنقاذها ولو خضعت لطريقة إنعاش مؤطرة وسريعة من طرف المكلف بالإنعاش، و حيث وأن المحكمة ومراعاة لما اتضح لها أن المتهم ارتكب إهمالا أثناء تخديره للضحية وتقصير أثناء إنعاشها، ذلك أنه لم يتخذ الإحتياطات اللازمة أثناء عملية التخدير ولم يقم بعملية إنعاش

للضحية سريعة ومؤطرة لإنقاد حياتها وبذلك تكون مقتضيات الفصل 432 من القانون الجنائي ثابتة في حقه”.[187]

هذا عموما ما يتعلق بالإهمال وعدم الإنتباه كأحد صور الخطأ الطبي، فالمتتبع للعمل القضائي بشأن جريمة الخطأ الغير العمدي من خلال صور الخطأ الثلاث: “عدم التبصر، عدم الإحتياط، الإهمال وعدم الإنتباه” المضمنة في قانون العقوبات، إن على مستوى التشريعات المقارنة أو التشريع الوطني المغربي – الفصلين 432 – 433 من القانون الجنائي – سيستشف مدى الترابط والتناغم بين عناصر الخطا الثلاث، مما يجعل مجرد توافر إحدى الصور كفيلا للقول بضم جميع الصور الأخرى في الفعل الجرمي، وكأن انتفاء ثبوت جميع الصور لا يلغي توافر مجرد أحد الصور في الخطأ حتى تتحقق المساءلة الجنائية في حق الطبيب عن أخطائه المهنية.

فالأحكام و القرارات الأنفة خير دليل على أن القضاء – المقارن والوطني – يسائل الأطباء عموما والأخصائيين بشكل خاص بمجرد وجود إحدى صور الخطأ الجنائي الذي يتسع ليشمل باقي صور الخطأ المحتملة خارج ما هو محدد في الفصلين

432 و 433، مما يجعل من الخطأ الطبي الجنائي في صورة الثلاث يندرج في سياق الخطأ العام والذي يشكل فيه مبدأ – عبء الإثبات – إشكالا قانونيا كونه رهينا بأمور مادية وفنية دقيقة تتسع معها دائرة التملص من المسؤولية الجنائية. في حين عدم مراعاة القوانين و الأنظمة كصورة رابعة من صور الخطأ الجنائي بمثابة صورة رابعة مستقلة عن الصور السالفة، و لذلك أطلق على هذه الصورة بالخطأ الخاص” لتمييزه عن الخطأ العام” الذي يتسع لبقية صور الخطأ.

وعليه كيف يمكن أن تتحدد المسؤولية في عدم مراعاة النظم والقوانين في المجال الطبي؟ و كيف يمكن مساءلة الأطباء في ضوء هذا “الخطأ الخاص”؟ و هل مجال الإثبات في هذه الصورة يتسع أم يضيق، ولصالح من؟ و هو ما سنقف عليه في النقطة الموالية.

– 2 عدم مراعاة النظم و القوانين :

كما أسلفنا فإن لفظ القوانين واللوائح يحمل على أوسع معانيه، فلا يقتصر على اللوائح التي تصدرها جهات الإدارة، بل يشمل القوانين والقرارات والتعليمات التي توضع لحفظ النظام والأمن وصيانة الصحة العامة، ولعل أهم تطبيق قضائي لذلك، قرار المحكمة النقض المصرية لسنة 1927

ورد فيه: “إذا كان الثابت أن مفتش الصحة قد أخطأ بعدم اتباعه ما يقضي به منشور الداخلية رقم 33 لسنة 1927 م والذي يقضي بإرسال المعقور إلى مستشفى الكلب، فإنه يكون مسؤولا عن وفاة المصاب[188]

ويعد هذا القرار أهم تطبيق لهذه الصورة. وفي نقض مصري أخر بتاريخ

25 فبراير 1931 ذهبت محكمة النقض إلى أن: “الطبيب الذي يجري عملية دون أن يكون مرخصا له بمزاولة المهنة يرتكب المخالفة بذلك و جنحة الإصابة الخطأ. فلا يعاقب إلا على الإصابة إذ المخالفة والجنحة نشأتا عن فعل واحد هو إجراء العملية ولكن الطبيب في هذه الحالة يرتكب جرحا عمدا، لأن إجراء العملية لا يباح له إلا بالترخيص بمزاولة المهنة[189].

وما دمنا لم نتوفق في تشريعنا الوطني – القانون المغربي – لتطبيق قضائي يتعلق بهذا الجانب، تجدر الإشارة إلى أن عدم الإلتزام بالقرارات الوزارية أو المناشير أو اللوائح تعد مخالفة مهنية لقاعدة قانونية صريحة وملزمة، فمثلا ينص قرار لوزير الصحة العمومية رقم بتاريخ 27 يوينو 1967 بتحديد كيفيات تطبيق المرسوم الملكي رقم554.65 الصادر في 17 ربيع الأول 1387 (26 يوينو 1967) بمثابة قانون يوجب التصريح ببعض الأمراض و اتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض على إجبارية التصريح ببعض الأمراض وردت على سبيل الحصر[190] مما يعني أن مخالفة الطبيب لذلك يعد خطأ ومخالفة صريحة للقانون.

كخلاصة لهاته الفقرة صور الخطأ الطبي إجمالا: “الخطأ العام والخطأ الخاص”. فإن هذا الأخير يكتسي أهمية خاصة في ميدان الإثبات الجنائي، وذلك لما يغلب على مهنة الطب من اعتبارات تقنية وفنية دقيقة ومعقدة، تكون في الغالب بمثابة مجسمات لحالات الخطأ الطبي الفني والعادي معا. والذي سنستنتج بأنها تشكل فعلا عبئا حقيقيا على القضاء في استنباط القرائن القضائية، لأنها تعد مرحلة لعمل طبي تترامى فيه وسائل الإثبات بين الشك واليقين، وتتجاذبه اعتبارات المهنة وتعاطف العدالة أحيانا، وصعوبة الإثبات بالنسبة للأطراف النزاع الطبي، وحتى متاهة قناعة القاضي في الجزم بالإدانة أو العكس.

المبحث الثاني: محودية تدخل القضاء في المسؤولية الجنائية للطبيب

سنقف في المبحث على استقصاء منطوق القضاء في الأحكام الطبية ذات الطبيعة الجنائية، إذ سنخصص المطلب الأول لمدى محدودية دور القضاء في قضايا المسؤولية الجنائية للطبيب، والمطلب الثاني سنتناول فيه إبراز المسؤولية الجنائية الناجمة عن خطأ غير مقصود.

المطلب الأول: محدودية دور القضاء في قضايا المسؤولية الجنائية للطبيب

للقضاء منزلة رفيعة كملاذ لطالب العدالة والإنصاف على مر العصور والأزمان، يدرأ عنهم ظلم الذالمين ويفصل في منازعاتهم وخصوماتهم، ويعطي كل ذي حق حقه من خلال ما أنيط به من واجب الفصل في الخصومات، وفي مجال القانون الطبي والمنازعات الطبية فإننا نلمس مطارحات قضائية عديدة تتجاذبها عدة اعتبارات فنة وتقنية تكون رهينة بمقياس الخبرة الطبية القضائية في نهاية المطاف.

وتفاديا للتكرار سنعهد إلى استحضار بعض نماذج العمل القضائي الحديث في مجال المسؤولية الجنائية للأطباء، وذلك لاستبيان نمط الجزاء المتذبذب بين التوفيق بالمنسوب للأطباء في الجرائم الطبية ذات البعد الجنائي بين هاجس الإدانة والحكم بالبراءة.

الفقرة الأولى: نذرة الأحكام القاضية بالإدانة

إن الطبيب باعتباره إنسان غير معصوم من الخطأ ونظرا لصعوبة وخطورة التدخلات الطبية فقد يقترف أخطاء من شأنها المساس بصحة المريض الأمر الذي يستوجب مساءلة الطبيب لذلك وضع القانون ضوابط وقواعد توفر للمستهلك الخدمات الطبية للحماية اللازمة.

أصبح الأطباء يسألون عن أخطائهم الطبية بعد أن كانت قديما تعتبر على أنها قضاء وقدر، وذلك بسبب التطور العلمي والقانوني الذي عرفه المجال الطبي الشيء الذي غير فكرة الخطا الطبي والتي أصبحت محل توسع في الفهم والتحليل هذا أدى إلى تنوع الأحكام الصادرة عن القضاء في هذا المجال.

فقد أولى القضاء أهمية كبيرة إلى حماية مستهلكي الخدمات الطبية حيث يستلزم على الطبيب الالتزام بالدقة والعرض المتناهي في جميع مراحل العلاج لأنه صاحب الدراسة الفنية والمعرفة الفائقة بأصول المهنة وهو ما لم يجد له صدى في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 01/02/2008 والذي ورد فيه ما يلي: “وحيث استبان للمحكمة من خلال التقرير أعلاه أن المدعي عليهما الدكتور (م.إ)، وكدا الذكتور (م.ب) باعتبارهما يمثلان طاقم طبي الذي تكلف بالهالكة منذ دخولها إلى المصلحة إلى حين إجراءها العملية الجراحية التي ا{ت إلى وفاتها قد ارتكبا خطأ مهنيا يتمثل في عدم اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة أثناء استعمال الأنبوب لإفراغ السائل المتواجد بغشاء الرئة اليسرى للهالكة لتفادي أحداث تقب في القطعة المعوية مما أدى إلى الدمة التعفنية التي تستوجب تدخلا جراحيا عاجلا حسب الأصول الفنية الصحيحة والعلمية الحديثة المكتسبة في المجال الطبي الامر الذي لم يتقيد به الطاقم الطبي الذي تأخر عن الموعد المقرر لإجراء العملية فيمثل هذه الأحوال مما فوت على الضحية فرصة العلاج وأدى إلى الوفاة[191].

الفقرة الثانية: هيمنة الأحكام القاضية بالبراءة

القضاء لا يميل دائما إلى إدانة الأطباء، بل يعمد إلى استقصاء كافة السبل الفنية والتقنية المهنية لتزكية أحكامه حتى لا يؤاخذ أحدا بمظلمة، فنجد كما وافرا من الأحكام سواء في ظل القضاء المقارن وفي جانب القضاء المغربي، يذهب إلى تبرئة الطبيب ما لم تتحقق أركان النازلة الطبية في ثبوت الخطأ الطبي من جهة الطبيب مع شرط توافر الضرر وثبوت العلاقة السببية. أضف إلى ذلك إخلال الطبيب بالتزاماته القانونية أثناء العمليات وقبلها وبعدها كل في مجال تخصصه ومسؤولياته. فالطب كمهنة نبيلة وشريفة قبل كل شيء يجب أن يكرم مزاولوها – الأطباء ومن في حكمهم – تحت شعار القانون. وهو ما سنتطرق إليه في الأحكام التالية

فمثلا ورد في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 22 مارس 1984 والذي ألغى الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 14 فبراير 1983 وقد اكتفى هذا باستبعاد مسؤولية  الطبيب الجراح لعدم ثبوت الخطأ في حقه وكذلك العلاقة السببية بين وفاة الضحية والفعل الصادر عنه…وقد جاء في

وقد جاء في هذا الحكم (…وحيث أن المتهم أنكر جميع التهم المنسوبة إليه ولم يثبت من المناقشة الموضوعية، ولا من الحجج المدلى بها من الطرفين تواجد العلاقة السببية بين وفاة

المريضة وبين ما قام به المتهم، بوصفه طبيبا جراحا من أعمال، سواء قبل إجراء العملية أو أثناءها أو بعدها… وحيث أن المحكمة إذ رأت أن الإثبات غير قائم، وأن الفعل المنسوب

إلى المتهم لا يترتب عليه مخالفة للقانون، فإنها تقرر عدم الأدانه وتقضي بالبراءة وبعدم الاختصاص في المطالب المدنية عملا بالفصلين 389 و 411 من ق.م.ج) وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 31 مارس 1989، وقد ألغى الحكم الابتدائي الصادر بشأنها بتاريخ – ابتدائية سلا8/8/14  1988، والذي قضى بإدانة كل من الطبيب الجراح والممرضة المخدرة وكذلك الطبيب المسؤول عن المصحة والتي أجريت فيها العملية القيصرية.على الهالكة كما جاء في قرار صادر عن محكمة البيضاء بتاريخ 6 دجنبر 1989 “قد قضى هو الآخر، ببراءة طبيب مولد من تهمة القتل الخطة التي سبق وأدين من أجلها من قبل المحكمة الابتدائية بالبيضاء في 16 فبراير 1989.

المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية للطبيب الناجمة عن خطأ

إن الجرائم المتعلقة بمهنة الطب عديدة ومتنوعة، وقد توزعت أحكامها بين قانون العقوبات وقانون حماية الصحة وترقيتها، فضلا عن قوانين أخرى مكملة لقانون العقوبات وقد ارتأينا أن نتطرق في هذا المطلب إلى الجرائم الطبية المنصوص عليها في قانون العقوبات في الفقرة الأولبى، وذلك من خلال استعراض جرائم تزوير الشهادات الطبية، إفشاء السر المهني، امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة في حالة خطر، وجريمة الإجهاض ونتطرق في الفقرة الثانية إلى نموذجين من الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية الصحة وترقيتها، ألا وهما: جريمة الممارسة غير الشرعية لمهنة الطب كجريمة مهنية غير ماسة بالسلامة الجسدية.

الفقرة الأولى: الجرائم الطبية المنصوص عليها في قانون العقوبات

سوف نتناول في هذا الصدد دراسة جريمة تزوير الشهادات الطبية، ثم جريمة إفشاء السر المهني (الطبي) الصادرة من الطبيب وكذلك إفشاء السر المهني وامتناع الطبيب عن تقديم المساعدة في حالة خطر، وجريمة الإجهاض، وذلك على النحو التالي:

أولا: جريمة تزوير الشهادات الطبية

إن جريمة تزوير الشهادات الطبية من الجرائم العمدية، ففيها يحرر الطبيب شهادة طبية لا تعكس الحالة الصحية الحقيقية للمريض، والجريمة هنا جريمة تزوير لذلك يجب أن تتوافر فيها لشروط العامة التي يجب أن تتوافر في جريمة التزوير[192].

حيث نص المشرع الجزائري على هذه الجريمة في نص المادة 266 من قانون العقوبات والتي نصت على أن: “كل طبيب أو جراح أو طبيب أسنان أو ملاحظ صحي أو قابلة ككذب بوجود أو إخفاء مرض أو عاهة أو حمل أو أعطى بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة، وذلك أثناء تأدية أعمال وظيفته، وبغرض محبة أحد ألأشخاص، يعاقب بالحبس من سنة إلأى ثلاث سنوات ما لم يكن الفعل إحدى الجرائم الأشد المنصوص عليها في المواد إلى 134، ويجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر، ما لم يكن متعلقا بالرشوة أو استغلال النفوذ، حيث اتفق الباحثون في المجال الجزائي على أن التزوير بمختلف صوره وأشكاله من أخطر الجرائم التي تهدد النظام في أي دولة[193].

ثانيا: جريمة إفشاء السر المهني

يعد الالتزام بالمحافظة على أسرار المريض من أهم الالتزامات التي أوجبها القانون على الطبيب بصفته الطبية، على اعتبار أن هذا الالتزام يدخل في إطار احترام الحياة الخاصة للأفراد، والتي يتم التنصيص عليه في المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 “لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة”، وهذا المبدأ تم تكريسه في العديد من القوانين الجنائية المقارنة فالطبيب ملزم بعدم البوح بالمعلومات المتعلقة بصحة المريض، وهذا ما جاء به الفصل الرابع من قانون أخلاقيات مهنة الطب الفرنسي[194].

وفي المقابل يعاقب على كل إفشاء السر الطبي ثم خارج الحالات التي يميزها القانون بعقوبات جنائية وتأديبية.

ويتحقق إفشاء السر من الكتمان إلى العلن بكل فعل من أفعال البوح والإبلاغ، يقوم به المؤتمن عليه، متى تحققت النتيجة المتوخاة من وراء ذلك، بأن انتقلت المعلومة من طابعها السري إلى العلانية في إطار العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة، من دون الاعتداء يصاحب السر أو مصدره، ولا يثبت الركن المادي في جريمة إفشاء السر المهني، إلا بتحقق عنصر مفترض فيه، يتجلى أساسا بوقوع فعل الإفشاء من طرف مؤتمن على الأسرار، الذي هو الطبيب الذي توصل إليها بفضل ممارسته لمهنة الطب، وهو التزام يمتد ذلك إلى مساعديه ومعاونيه من الأطقم الطبية أو الإدارية التي تشتغل أو تحت إمرته[195].

أما تعتبر جريمة إفشاء السر الطبي من الجرائم العمدية التي لابد من توافر القصد العام فيها، وذلك من خلال اتجاه إرادة الجاني إلى إفشاء المعلومات والوقائع التي تعد سرا طبيا، مع تحقيق النتيجة الإجرامية المتمثلة  في إفشاء أسرار المريض أما إذا نتج الإفشاء عن إهمال صادر عن الطبيب كأن يترك ملف المريض على مكتبه فيسرق منه، فإنه لا يكون مسؤولا عن ذلك وعلى غرار ذلك هناك عدة حالات من بينها رضا صاحب السر، والتي تجعل الطبيب ي منأى عن المسؤولية ، إلا أن هذا الرضا يجب أن يصدر قبل فعل الإفشاء، وإلا ترتب عن ذلك المسؤولية الجنائية للطبيب، وفي هذا الصدد تجب الإشارة إلى حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء والذي جاء فيه ما يلي: “ليس هناك إفشاء للسر المهني مادام أن الشهادة الطبية تثبت كون الزبونة مصابة بمرض تناسلي قد سلمت لها بناء على طلبها، بل لا يمكن القول بمسؤولية الطبيب نتيجة إخلال بالالتزام بالمحافظة على سر المهنة مادجام المريض قد طلب ذلك، اللهم لا إذا ثبت في حقه تواطؤ تدليسي أو أي خطأ جسيم[196]

إلا أن المشرع المغربي وكغيره من التشريعات العربية[197]، اعتبر إفشاء السر المهني جريمة وعاقب عليها بمقتضى المادة 446 من مجموعة القانون الجنائي، وذلك لضمان ثقة المرض إزاء الأطباء وحمايتهم مما قد يقع التشهير به من أسرارهم.

ثالثا: جريمة الإجهاض

الإجهاض معناه خروج ما في الرحم في وقت من أوقات مدة الحمل وقبل اكتمالها، وقد جرم المشرع الإجهاض باعتباره جريمة ضد نظام الأسرة في الفصوةل من 449 إلى 450 من ق.ج[198]

وتظهر مسؤولية الطبيب الجنائية في جرائم الإجهاض إذا قدم للمرأة الحبلى طعاما أو شرابا أو عقاير أو استعمل وسيلة أخرى دون أو تستوجب الضرورة المحافظة على حياة الأم (من سنة إلى 5 سنوات والغرامة)، وإذا نتجت الوفاة أصبحت الجريمة جناية يعاقب عليها بالسجن من 10 إلى سنة 20 سنة.

كما تظهر هذه المسؤولية بوضوح إذا ثبت أن الطبيب يمارس أعمال الإجهاض بصفة معتادة، فترفع العقوبة في الحالات العادية إلى الصفع وفي حالة الوفاة من 20 إلى 30 سنة.

ويجوز الحكم عليه بالحرمان من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من ق.ج وبالمنع من الإقامة من 5 إلى 10 سنوات وكذا الحرمان من مزاولة المهنة نهائيا أو مؤقتا (طبقا للفصل 87).

كما يعتبر الطبيب مسؤولا جنائيا إذا عمد إلى إرشاد الناس وخاصة النساء إلى الوسائل التي تحدث الإجهاض مستغل خبرته وعمله بهذه الوسائل، أو إذا عمد إلى نصح مرضاه باستعمال هذه الوسائل أو باشر ذلك على النساء الحوامل في 451.

ويمكن أيضا تصور هذه المسؤولية أيضا حالة تعريض الطبيب على الإجهاض حسب الفصل 455 كالدعاية في عيادته الطبية الحقيقية أو المزعومة.

فالملاحظ أن المشرع وسع من نطاق المشاركة في جريمة الإجهاض وجاء يصور أكثر اتساعا من تلك النصوص عليها في الفصل 129 المتعلق بالمشاركة في الجرائم.

إلا أن المشرع استثنى الطبيب من العقاب حسب الفصل 453 المعدل بالمرسوم الملكي رقم 66-181 بتاريخ 01-07-1967 في حالة إجهاض المرأة التي استوجبت الضرورة المحافظة على الأم بشرط قيامها بإجهاضها علانية بعد حصوله غلى إذن من الزوج، ولا يشترط إذن الزوج إذا رأى الطبيب أن حياة الأم في خطر وبعد إشعار الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم

رابعا: امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة في حالة خطر

أصبح مفهوم الصحة من النظام العام وبالتالي برزت للوجود أفكار وقوانين من أجل تقييد الحريات الفردية للصالح العام، وكان لذلك أثر في تقييد حرية الطبيب في ممارسة مهنته وألقيت عليه واجبات مستمدة من نبل الرسالة الطبية للتخفيف من المعاناة وتقديم المساعدة في وقت الحرب والسلم وهذا ما نصت عليه مدونة أخلاقيات الطب في عدة مواد (م6و7و8)، وقبل هذا وذلك أقرب الشريعة الإسلامية السمحاء أخلاق التضامن والمساعدة في الشدائد حيث يقول  الله عز وجل في كتابه الكريم: “وتعاونوا على البر والتقوى….[199]، وقول الرسول (ص): “من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة…[200].

مما سبق استمدت القوانين هذه الأخلاق النبيلة كما نصت على ذلك مدونة أخلاقيات الطب وقوانين الصحة وأضحى الامتناع عن تقديم المساعدة كجريمة معاقب عليها لما لهذا النشاط السلبي من خلفيات سيئة في مرتكبه وذلك لإيثار الراحة الشخصية على الواجب الأخلاقي.

الفقرة الثانية: الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية الصحة

فضلا عن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والذي تضمن مجموعة من الجرائم الطبية، وسنتطرق بشأن الجرائم المنصوص عليها بالقانون المذكور إلى جريمة الممارسة غير الشرعية لمهنة الطب كجريمة ممارسة طبية ماسة بالسلامة الجسدية.

أولا: جريمة الممارسة غير الشرعية لمهنة الطب

من الطبيعي أن تخضع ممارسة مهنة الطب للقانون والتنظيمات المعمول بها في أي دولة وما تتطلبه هذه الأخيرة من توافر شروط تسمح بالحصول على ترخيص بمزاولة المهنة من السلطة الوصية وخلاف ذلك يؤدي لمساءلة أي شخص يملك حق مزاولة هذه المهنة سواء أكان طبيبا أ, غير طبيب[201]، وتتكون هذه الجريمة من ركن مادي وركن معنوي.

ثانيا: جريمة تسهيل تعاطي المخدرات

لتسهيل تعاطي المخدرات يقوم الطبيب بتمكين الغير من المادة المخدرة حيث يقضي هذا الفعل بأن يقوم الجاني بتذليل العقاب التي تعترض طريق المتعاطي، فالقانون يرخص للأطباء وصف المادة المخدرة للعلاج، إلا أن إعطائها قصد المساعدة على الإدمان يعد جريمة تقع تحت طائلة البطلان[202].

جرم القانون 18.04 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العملية في المادة 26/2 قدم وصفة طبية صورية أو على سبيل المحاباة تحتوي على مؤثرات عقلية، سلم مؤثرات عقلية بدون وصفة أو كان على علم بالطابع الصوري أو المحاباة للوصفة الطبية، حاول الحصول على المؤثرات العقلية قصد البيع أو الحصول عليها بواسطة وصفات طبية صورية بناء على ما عرض عليه”، وهي جنحة عمدية[203].

ونص القانون المصري على المخدرات في القانون 182/1960 المتعلق بمكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، ونظم علاقة الصيادلة والأطباء بالمواد المخدرة وطريقة طرفها والرقابة عليها، وتناولتها المواد من 14-24، كما تناول حق الأطباء في الحصول على إذن جلب المواد المخدرة أ 4/8 والحصول عليها من الأشخاص المصرح لهم بالإتجار فيها، حسب المادة 11/2[204].

خاتمة

إن حياة الإنسان وسلامته الشخصية هما فوق كل اعتبار، وتمثل أهم واجبات الطبيب في تحقيق رسالته للمحافظة على صحة الإنسان الجسدية والنفسية وقائيا وعلاجيا والتخفيف من آلامه ورفع المستوى الصحي العام، وأن يستلهم البعد الإنساني للمهنة الطبية وعدم استغلالها للمنافع الشخصية، أو المطالبة بأتعاب مرهقة للمريض تفوق التعريفة التي تحددها وزارة الصحة العامة بالاتفاق مع نقابة الأطباء ومراعاة حالة المريض المعوز بكل سبيل.

و من خلال هاته الدراسة نتوصل إلى أن تقرير المسؤولية الجنائية للطبيب عن الأخطاء التي يرتكبها الطبيب كان ولا يزال حتى الساعة جديرا بالدراسة، وأن هذه المسؤولية الازمت الفقه والقضاء الجنائي منذ وجود الطب، غير أن أحكامها لم تتبلور بشكل كلي حتى اليوم. فالطبيب ما يزال يخضع للأحكام العامة في قوانين العقوبات، مع وجود بعض الأحكام في قوانين الصحة التي كثيرا ما ركزت على شروط ممارسة العمل الطبي. فقد أصبحت الأخطاء الطبية تفرض نفسها على القضاء مما يقتضي الفصل فيها. فمسؤولية الطبيب الجنائية تتقرر عند ارتكابه لأي خطأ سواء كان ماديا أو مهنيا، وسواء كان بسيطا أم جسيما طالما كان ناتجا عنه ضرر جسماني يتمثل في الوفاة أو الإصابة بعاهة أو مرض.

وخلصنا في النهاية إلى أن هذا المجال يبقى من المجالات التي لم تحظى من المشرع بالاهتمام والعناية بالرغم من التنصيص على بعض المبادئ العامة في الدستور فاتح يوليوز2011 والقانون رقم131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب ومدونة السلوك الطبي، إلا أن ذلك ليس كافيا، خصوصا مع تنامي الوعي الصحي لدى فئات كثيرة من المجتمع مما يمكن القول معه على عدم وجود أي مبرر من بقاء المشرع دون إيجاد تنظيم قانوني خاص ينضم هذا المجال.

وما يلاحظ في مجال المسؤولية المدنية عند حدوث خطأ طبي هو صعوبة الإثبات، أو قد يكون سببه جهل المواطن بالقانون في الميدان الطبي والذي يجعله يتخلى عن حقه في المتابعة القضائية، وقد لا يحرك لا يحرك المريض أو ذوي الحقوق الدعوى المدنية لغياب الثقافة القانونية، أو الإيمان بالقضاء والقدر الذي يلعب دورا بارزا في عدم تحريك مثل هذا النوع من القضايا

كما أنه من الملاحظ أن أغلبية الأخطاء الطبية في بلادنا ترتكب بسبب الإهمال واللامبالاة بحجة ظروف العمل الصعبة والواقع الاجتماعي المزري وتحلل الأطباء من الالتزام الأخلاقي أو الوازع الديني، لذلك نرى أنه يجب توسيع إنشاء مجلس أخلاقيات الطب وتفعيل دوره، لأن من شأن الأخلاق الطبية أن تجعل الأعمال العلاجية متماشية مع المبادئ القانونية والأخلاقية التي تكفل احترام الذات الإنسانية .

على ضوء ما سبق طرحه نقترح بعض التوصيات المتعلقة بالمسؤولية الجزائية للطبيب :

  • ضرورة تسقيف وتعريف حق المريض من خلال توعية إعلامية.
  • إعداد وتوحيد دليل طبي للإجراءات الطبية المتعارف عليها دوليا وفرض دورات تعليمية مستمرة على الأطباء في أماكن العمل الخاصة والعامة.
  • تحميل وزارة الصحة جزءا من مسؤولية الخطأ الناجم عن الطبيب لأنها الجهة المخولة بمنح التراخيص للأطباء. وضع لجان للتقصي والتحري عن الأخطاء الطبية ودراستها حتى لا تتكرر مستقبلا.
  • ضرورة إتحاد النقابات الطبية لمواجهة الأخطاء الطبية. الإعلان عن الأخطاء الطبية في المجتمع الطبي دون ذكر الإسم الطبيب بشكل محدد، وذلك قصد الردع والتذكير.
  • إقتراح إضافة عقوبات أخرى للطبيب عن مسؤوليته الجزائية، متمثل في :غلق العيادة أو شطب إسم الطبيب لفترة معينة، منع بعض الجراحات التي أخطأ فيها الطبيب. تكوين القضاء في مجال الأخطاء الطبية.

[1] – روى الأستاذ عبد السلام التونجي في كتابه المذكور ص34 عن أرسطو أن الطبيب كان مسموحا له بتغيير العلاج المقرر في “كتاب المقدس إذا لم يلاحظ تحسنا على المريض بعد أربعة أيام من العلاج، وإذا توفي المريض نتيجة العلاج المخالف لما نص عليه في السفر المقدس، “فإن الطبيب يدفع رأسه تمنا لجرأته على التضحية بحياة مواطن، وفي سبيل أمل خاطئ”.

[2] – نقل الأستاذ عبد السلام التونجي في كتابه المذكور ص36 عن هيرودوت: “أنه لم يكن هناك أطباء في بابل”.

[3] – عبد السلام التونجي، نفس المرجع ص36.

[4] – انظر هذا القسم بالملحقات.

[5] – أبو قراط (460-377 قبل الميلاد).

[6] – ورد في الصفحة 134 من كتاب الأستاذ عبد الوهاب رافع الدعاوى الإدارية في التشريع المغربي نموذجا لنظريات “أبو قراط” هي الوجه الإبقراطي: “إذا لاحظ أبو قراط أن وجه المريض يتعدر اقتراب أجله”.

[7] – روى عبد السلام التونجيفي الصفحة 37 من كتابه المذكور أفلاطون قوله: “إن الطبيب يجب أن يخلى من كل مسؤوليته إذا مات المريض رغم إرادته”.

[8] – عبد الوهاب رافع وجليلة البشيري توفيق: الدعاوى الإدارية في التشريع المغربي ص134، كما روى الرواية نفسها عبد السلام التونجي في الصفحة 38، والدكتور شكري السباعي في مقالة له تحت عنوان “الخيرة بين المسؤوليتين التقصيرية والعقدية وارتباطها بتطور القضاء المغربي” نشرتها المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد العدد المزدوج 13-14 لسنة 1983 ص26.

[9] – أفلاطون: السياسة (النظر ص38 من مؤلف عبد السلام التونجي).

[10] – لقد تعددت التعاريف الفقهية التي أعطت للخطأ حتى أن البعض منها يكاد يكون تكرارا لبعضها الآخر، يعتبر الفقيه بلانيول (planiol) أول من حاول تعريف الخطأ عندما قال بأن الخطأ هو “خرق أو إخلال بالتزام قانوني « la foute et la violation d’une doligation préexistantes وقد أثار هذا التعريف ضجة في الفقه، حيث ثم انتقاد التعريف الذي قال به بلانيول من ذلك ما قاله مثلا العميد (مارتيMarty ) من أن التعريف الذي قال به بلانيول لم يكن سليما من الناحية القانونية لصعوبة تحديد الالتزامات التي يتعين احترامها من جهة، ثم إنه ليس هناك إخلال بالتزامات قانونية بالمعني الدقيق للكلمة وإنما الصحيح هو حصول نوع من الانحراف في السلوكيات المنظمة للتعايش بين الأفراد… ليرتفع الحماس بعد ذلك لدى مجموعة من الفقهاء المعاصرين لسد النقص الذي خلفه تعريف بلانيول للخطأ، من ذلك مثلا تعريف الأخوين (خذري وليون مازو) الذي عرف الخطأ بأنه انحراف عن سلوك الرجل العادي الذي يمثل في تظرهما ربن الأسرة العاقل (le bon père de la famille) أما الفقيه كاربونيه فإنه اعتبر الخطأ بمثابة خليط يجمع بين عناصر الإخلال والانحراف عن سلوك الرجل العادي وبين عناصر عدم المشروعية، ويتشكل الخطأ عنده بالتقاء هذين العنصرين، أما الفقيه (إمانويل ليفي) قد اعتبر الخطأ بأنه يعني نوعا من الإخلال بمعيار الثقة المشروعة، وما يلاحظ أنها تعاريف ركزت على العنصر المادي للخطأ، بينما جانب من الفقه حاول تعريف الخطأ من خلال عمليه الربط بين عنصريه المادي والمعنوي من ذلك مثلا أن الأستاذ سليمان مرقس الذي يعتبر الخطأ بأنه إخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل لنتائج أفعاله، وهو تعريف يؤيد الاتجاه المعاصر من الفقه والقضاء.

عبد القادر العرعاري: “مصادر الالتزامات الكتاب الثاني للمسؤولية المدنية” دار النشر مكتبة دار الأمان مطبعة الكرامة الطبعة الثانية الرباط، صفحات 60-70-80.

أما موقف القضاء من الخطأ فيظهر من الأحكام القضائية عند استخلاصها لفكرة الخطأ ذلك أن القضاء اعتنق فكرة الالتزام بضمان السلامة وأثبت قيام الخطأ قبل المسؤول عن عدم تحقق النتيجة أو بذل عناية، ذلك أنه ذهب أول الأمر إلى التمييز بين الخطأ المادي والخطأ المهني، وهي فصول سنقف عليها بالتفصيل في الفصل الثاني عند استجلاء الأساس القانوني لمسؤولية الطبيب الجنائية.

[11] – محمود القبلاوي: “المسؤولية الجنائية للطبيب” دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2004، ص78.

[12] – عبد الجليل اليزيدي: تأصيل الخطأ في المسؤولية المهنية بين النظر الفقهي والنص القانوني” أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 2005-206، ص192.

[13] – ذ. أسامة عبد الله قايد، المسؤولية الجنائية للأطباء، دار النهضة العربية 2003.

[14] – يوسف جمعة يوسف، المسؤولية الجنائية عن الأخطاء الطبية (دراسة مقارنة) منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2003، 72-73.

[15] – ذ. علي عصام غضن، المسؤولية الجنائية للطب، ط1، بيروت لبنان، 2012، ص415.

[16] – يوسف جمعة، مصدر سابق، ص113-114.

[17] – أسامة عبد الله فايد، مصدر سابق، ص216-217.

[18] – يوسف جمعة يوسف، مصدر سابق، ص118-120.

[19] – ذ. أسامة عبد الله فايد، مصدر سابق، ص218-219-220.

[20] – يوسف جمعة يوسف، مصدر سابق، ص97.

[21] – المصدر نفسه ص100.

[22] – ذ. أسامة عبد الله فايد، مصدر سابق، ص68.

[23] – يوسف جمعة يوسف، مصدر سابق، ص104.

[24] – موفق علي عبيد، المسؤولية الجزائية للأطباء عن إفشاء السر المهني، مكتبة دار الثقافة والنشر والتوزيع، 1988، ص67-68.

[25] – يوسف جمعة يوسف، مصدر سابق، ص108.

[26]

[27] و الجدير بالذكر أن المشرع

[28] – هو مبدأ يجد مستنده في الفصل 231 ق.ل.ع المغربي الذي جاء فيه: “كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية، وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الانصاف”

[29] – عبد القادر العرعاري، ” مصادر الالتزامات الكتاب الأول نظرية العقد دراسة على ضوء التعديلات الجديدة التي عرفها قانون الالتزامات والعقود المغربي” مكتبة دار الأمان، مطبعة الكرامة الطبعة الثانية 2005 ص 144

[30] فالالتزام بالتبصير يجده سنده في وجوب مراعاة مبدأ حسن النية في المعاملات، وذلك يقتضي وجود هذا الالتزام حتى وإن لم يكن أي نص خاص يقرره، وفي هذا السياق يقول الفقيه ريبير ” إن الالتزام بالإعلام هو من مظاهر حماية قواعد الأخلاق في نطاق العقد، قبل أن يكون حماية الإرادة من التدليس والغلط،، لأن الصراع بين الإرادتين الذي يرمي إلى تحقيق أكبر قدر من المصالح، و إن كان مفيد للنشاط وحركة الجميع، إلا أنه يجب أن يكون في حدود قواعد الأخلاق بأن لا يكتم المتعاقد مع الآخر ما يعلمه من أمور تهمه”

بوجمعة زفو، ” حماية المستهلك في العقد الطبي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة 2004-2005 صفحتان 16-17. 25

[31] – نور الدين العمراني، ” مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب” م س صفحتان 244-246.

[32] يعتبر القانون الداخلي للمستشفيات أحد القوانين الجديدة المواكبة للإصلاح الاستشفائي الذي باشره المغرب مع بداية التسعينات، كما يعتبر أحد النصوص التكميلية لمدونة التغطية الصحية، دون أن ننسى أنه جاء في بعض موارده مجيب لما تشترطه المنظمات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق المرض من خلال إعلام المريض وتبصيره، و إعلام العائلة في حالة استشفاء مريض قاصر، وحق المريض من الاطلاع على الملف الطبي، وبالتالي يعتبر هذا القانون أحد المستجدات القانونية المحافظة على حقوق المرض، وهو القانون المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5926 بتاريخ 2010/ 03 / 17 بوبكري محمادين، م س ص 60

فإلى أي حد يمكن الجزم بذلك . وهو ما سنعرض له لاحقا في تعليقنا على هذا القانون المتذاكي المبتذل الخادم والمخدوم لفئة الأطباء

[33] فلا يمكن مثلا مؤاخذة طبيب يتولى توليد سيدة لأنه لم يشعرها أن اثنين من كل ألف سيدة حامل تموتان أثناء الوضع، أو من أجل عدم إخبار مريض مقبل على عملية إزالة الزائدة الدودية أن كل عملية تخذير تحتمل إغماء مميتة، فهذه المخاطر غير متوقعة ولا يلزم الطبيب بالإشعار بها.

عبد الجليل اليزيدي، م س ص 2001.

[34] – لقد قررت عدة تشريعات وجوب إعلام المريض منها المشرع الفرنسي في المادة الأولى من القانون رقم 78-501 الصادر بتاريخ 31 مارس 1978 بحيث يجب إخبار الشخص بكل النتائج المحتملة للنظام العضوي والنفسي التي سوف تترتب على الاستئصال وكذلك الانعكاسات الممكنة لذلك على الحياة الشخصية والمهنية للمتبرع ويقع هذا الالتزام بالإعلام الكامل والدقيق ولو كان المتبرع قاصرا.

ضياء علي أحمد نعمان ” إثبات الخطأ الطبي بين الواقع و القانون” المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية العدد 8 يونيو2012 ص 131.

[35] – محمد امین المحجوبي “عبء إثبات الخطأ الطبي جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط 2006-2007 صفحتان 44-45

[36] – محمد أمين المحجوبي، م س ص 46.

[37] – رأفت محمد أحمد حماد ” أحكام العمليات الجراحية دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي” دار النهضة العربية القاهرة، ص 121.

[38] – بوجمعة زفو ” العقد الطبي” م س ص 25.

[39] – بوجمعة زفو، م س ص 29

[40] – كما أوجب القانون المذكور أن يقوم طبيبان يعينهما وزير الصحة باقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيأة الأطباء يعملان إلى جانب رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة مقر إقامة الشخص الذي يريد التبرع بعضو من أعضائه بشرح أبعاد عملية التبرع للشخص المتبرع (المادة 10)

عبد الجليل اليزيدي م س ص 201

[41] بوبكري محمادين م س ص 161

[42] – أحمد ادريوش، “العقد الطبي” م س ص 120

[43] وكذلك في الحالة التي تقتضي إنقاذ حياة الأم من الوفاة في عملية الإجهاض التي قام بها دون التقيد ومراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون – الفصل 453 ق.ج المغرب – إذ لا نعتقد أن حصول الطبيب على إذن الزوج أو شهادة مكتوبة من الطبيب الإقليمي تتحقق معه المسؤولية.

الطاهر کرکري م س ص 111.

[44] أحمد ادريوش، ” العقد الطبي” ص 117.

[45] – بالمقابل نجد المشرع اللبناني ذكر هذا المبدأ بشكل صريح في قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة ل 11 غشت 2004 في المادة السادسة منه التي نصت ” على عدم جواز القيام بأي عمل طبي ولا تطبيق أي علاج من دون موافقة الشخص المعني المسبقة إلا في حالتي الطوارئ والاستحالة” بوبكري محمادين م س ص 108

[46] عبد الجليل اليزيدي، م س ص 195

[47] – مثلا الحالة التي يحضر فيها المريض المستشفى العمومي إثر حصول حادثة سير خطيرة تستوجب الحادثة إجراء عملية معقدة على الرأس أو جراحة القلب أو لوقف نزيف كلوي حاد… فمجرد دخول المريض للمستشفى وتسجيله لدى مصلحة الحوادث المختصة تعد قرينة على أن حالته المتردية كما هو الشأن في الغيبوبة أو فقدان الوعي، لا تدعو إلى ضرورة الحصول على الموافقة لتوافر شرط الاستعجال والطوارئ.

[48] – ضياء علي أحمد نعمان م س ص 132

[49] – نور الدين العمراني م س ص 249

[50] – قد استقر فقهاء الشريعة الإسلامية على وجوب هذا الشرط، بل لقد جعلوا منه مناطا لضمان الطبيب من عدمه، فهو يعتبر متعديا إذا طب شخصا من غير الحصول على إذنه أو إذن وليه: أحمد ادريوش “العقد الطبي” م س ص 120-121

[51] – عبد الجليل اليزيدي م س ص 200

[52] – بوبكر محمادين م س ص 109/ ضياء علي أحمد نعمان م س 132

[53] – عبد الجليل اليزيدي، م س ص 200

[54] – بوبكري محمادين م س ص 108

[55] CoSS.1ere, 18 Janv, D34, 13 dec 2001p 3559-3563

[56] قرارين أوردهما بوبكري محمادين م س ص 110

– بوبكر محمادين م س ص 111

[57] Foro italiano 1991, I, 286, Ginrisprudenza di merito, 1993, I, 1314 ( Tribunal de première instance de Modica, ordonnance, 13 août 1990)

أورده بوبكري محمادين م س ص 111

[58] – أحمد ادريوش، ” العقد الطبي” م س ص 122

[59] – المنشور بالنشرة الصادرة عن مجلس هيأة الأطباء رقم 1999/ 6

[60] – نور الدين العمراني : ” التجارب البيوطبية على الإنسان” م س ص 245

[61] – نور الدين العمراني م س ص 248

[62] – أحمد ادريوش “العقد الطبي” م س ص 124

[63] – نور الدين العمراني، “مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب” م س ص 102

[64] – Coss. Civ, 18 nov, 1995, J.C.P 55, 9014, n

أورده بوجمعة زفو، م س ص 40

[65] – الحسين الزباح ” أخلاقيات الطب وعلم الوراثة وأثرها في ضبط قوانين الأسرة دراسة مقارنة ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة 2007-2008 ص 226

[66] – الحسين الزباح م س ص 226

[67] مع الواقع أن الالتزام بالسلامة يعني التزام الطبيب بتفادي تفاقم حالة المريض أكثر مما يتطلبه التنفيذ العادي للعمل الطبي و أيضا الحالة الأصلية للمريض وتطورها الطبيعي.

محمد أمين المحجوبي : “عبء إثبات الخطأ الطبي”، بحث في إطار دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية الحقوق الرباط 2006 – 2007، ص. 54.

[68] بوجمعة زفو : م. س، ص. 46.

[69] أحمد ادريوش : “الخطأ الطبي والمسؤولية عرض الإشكالية والتقييم المقارن للقوانين الوطنية”، م. س، ص. 72.

[70] و هو ما ورد في ق.ل.ع المغربي في فصله 88 الذي جاء فيه : “كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر في الضرر وذلك ما لم يثبت:

  1. أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
  2. أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي، أو لقوة قاهرة أو لخطط المتضرر.

[71] – قرار 68/ 5 / 15 قضاء المجلس الأعلى عدد 14، ص. 4، أورده : محمد سلام : “دعوى المسؤولية عن حراسة الأشياء”، مجلة المحاكم المغربية، عدد 90، شتنبر – أكتوبر 2001، ص. 44.

[72] -قرار عدد 4/6/1969، محمد سلام، م س، ص: 45.

[73] – بوجمعة زفو: م س، ص: 48.

[74] – حكمان بتاريخ 15 دجنبر 1983 أوردهما أنوار پولاقو : “مسؤولية الصيدلي عن أخطائه المهنية دراسة مقارنة”، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، 2008 – 2009، صفحتان. 122 – 123.

[75] نور الدين العمراني : “مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب”، م. س، ص. 74.

[76] Cass. Civ., 7 janvier 1997, G.C.P 1997, p. 32.

[77] Cass . Civ . Bull . civ . 1 . N° 72 , G . p . 27 – 29 avril 1997 , p27

أورده : بوجمعة زفو : م. س، ص. 65.

[78] – (19) بوجمعة زفو : م. س، ص.65.

[79] حكم المحكمة الابتدائية بمراكش رقم 3812 في الملف المدني عدد 899 – 90 الصادر بتاريخ 21/12/1994 حكم غير منشور أورده : بوجمعة زفو : م. س، ص. 67.

[80] – مرسوم رقم 2. 94 . 285 الصادر بتاريخ 21 نونبر 1994 في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الصحة العمومية، الجريدة الرسمية العدد 4286 بتاریخ 21/12/1994 ص. 2110، بوجمعة زفو : م. س، ص. 50.

[81] – ظهير شريف رقم 1.11.03صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك. منشورات دار الجيل، مطبعة دار القلم، الرباط.

[82] – فرض المشرع الفرنسي الالتزام العام بالسلامة في تقنين الاستهلاك لسنة 1993، حيث نصت المادة 221 – 1 على أنه ينبغي أن تقدم المنتجات والخدمات ضمن الشروط العادية للاستعمال أو ضمن الشروط المعقولة المتوقعة من طرف المهنيين وذلك للحفاظ على سلامة المستهلكين بصفة مشروعة، وعدم المس بصحة الأشخاص.

بوجمعة زفو : م. س، ص. 54.

[83] – دستور المغرب بتاريخ 29 يوليوز 2011.

[84] – المسؤولية المدنية للطبيب عبد السلام التونجي، ص294.

[85] – قرار محكمة النقض الفرنسية في 30/5/1962، انظر المسؤولية الطبية، حسين منصور، ص112 هامش1.

[86] – الفصلان 98 و264 من ق.إ.ع.

[87] – نظرية الالتزام، ص398.

[88] – انظر الفصلين 115 و124 من مدونة الأحوال الشخصية.

[89] – قرار رقم 5648 بتاريخ 9 دجنبر 1964، انظر نظرية الالتزام لمأمون الكزبري، ص398.

[90] – قرار مجلس الدولة الفرنسي 11ماي 1928.

انظر مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات، ص399، وعبد السلام التونجي المسؤولية المدنية للطبيب…، ص397.

[91] -ذ. عاطف النقيب، المرجع لسابق، ص340.

[92] – ذ. حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المرجع السابق، ص430.

[93] – قرار المحكمة العليا رقم 24770، الصادر بتاريخ 14-04-1984، المجلة القضائية، العدد الأول، 1985، ص153.

[94] – نقض مصري 13 ماي 1965، المجموعة الرسمية لأحكام محكمة النقض، ع16. رقم 93، ص570.

[95] – انظر بهذا الصدد من قضاء محكمة النقض المصرية.

الطعن رقم 2225 لسنة 50 ق، جلسة 10/06/1982، الطعن رقم 148، لسنة 49ق، جلسة 4-5-1982، الطعن رقم 421 لسنة 49ق، جلسة 9-5-1982، الطعن رقم 1354 لسنة 49ق، جلسة 27/03/1980 مشار إليها في:

ذ. فتيحة محمود قرة، مجموعة المبادئ القانونية التي أقرتها محكمة النقض المصرية، الدائرة المدنية من عام 1979-1984، ج1، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، ص512، وانظر أيضا: ذ. أحمد محمد إبراهيم القانون المدني معلقا على نصوصه بالأعمال التحصيرية وأحكام القضاء وأراء الفقهاء، الطبعة الأولى 1964، ص216.

[96] – قرار محكمة التمييز 1464، حقوقه، في 27-2-1965، قضاء محكمة التمييز، المجلد3، ص55، وبنفس المعنى:

– قرار محكمة التمييز 301.م1، 973 في 6-3-1974، النشرة القضائية، العدد 1، السنة 5، ص67، قرار محكمة التمييز 410، م1، 975 في 30-10-1975، مجموعة الأحكام العدلية، العدد 4، السنة 6، 1975، ص76.

قرار محكمة التمييز، 301، م1، 973 في 6-3-1974، النشرة القضائية، العدد1، السنة 5، ص67، قرار محكمة التمييز 410، م1، 975 في 30-10-1975، مجموعة الأحكام العدلية، العدد4، السنة 6، 1975، ص76.

[97] – وفي نفس الاتجاه فقد جاء في قرار لمحكمة التعقيب التونسية “من المعلوم أن التعويضات يجب أن تنال الأضرار العامة الموجودة في وقت التعويض والتي منها سيتواصل وجوده في المستقبل أما التي لا أصل لها في الوقت الحاضر فإن ما يتوقع وجوده في المستقبل تمر قبله عدد من الأعوام فإنها تتداخلها بدون شك الاحتمالات والافتراضات وليس من من شأن التعويض أن ينال الأضرار المحتملة” انظر قرار تعقيبي مدني 4882 في 20 ماي 1982.

[98] – علي عصام غضن، الخطأ الطبي، الطبعة الثانية، منشورات زين الحقوقية، لبنان 2010، ص180.

[99] – منصور عمر المعايضة، المسؤولية المدنية والجنائية في الأخطاء الطبية، الطبعة الأولى جامعة نايف للعلوم الأمينة، المملكة العربية السعودية (الرياض)، 2004، ص57.

[100] – أحمد عبد الكريم موسى الصرايرة، التأمين من المسؤولية المدنية الناتجة عن الأخطاء الطبية، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر والتوزيع، الأردن (عمان)، بدون سنة طبع، 2012، ص137.

[101] – عبد القادر بن تشيه، الخطأ الشخصي للطبيب في المستشفة العام، دار الجامعة الجديدة مصر (الإسكندرية) 2011، ص55.

[102] – منصور عمر المعايضة، م.س، ص61.

[103] – سعد، أحمد محمود، مسؤولية المستشفى الخاص عن أخطاء الطبيب ومساعديه، رسالة دكتوراه منشورة، جامعة القاهرة، 1983، ص471.

[104] – خربوطلي، صفاء، المسؤولية المدنية للطبيب، دراسة مقارنة، دار المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان 2005، ص135.

[105] – المحتسب بالله، بسام، المسؤولية الطبية المدنية والجزائية، ط1، دار الإيمان، بيروت، دمشق، 1984، ص255.

[106] – مشروع القانون المدني الفلسطيني، ديوان الفتوى والتشريع، رام الله، فلسطين، 2003، المادة 186.

[107] – القانون المدني الأردني، رقم (43) لسنة 1976، المادة 266.

[108] – المحتسب بالله، بسام، ص255.

[109] – المحتسب بالله، بسام، المسؤولية الطبية المدنية والجزائية، مرجع سابق، ص256.

[110] – المعايطة، عمر منصور، المسؤولية المدنية والجنائية في الأخطاء الطبية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، 2004، ص60.

[111] – القانون المدني الأردني، مرجع سابق، المادة 261.

[112] – خربوطلي، صفاء، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق، 137.

[113] – المعايطة، عمر منصور، المسؤولية المدنية والجنائية في الأخطاء الطبية، مرجع سابق، ص61.

[114] – الحياري، أحمد، المسؤولية المدنية للطبيب، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2005.

[115] – عبد الحميد، ثروت، تعويض الحوادث الطبية، دار الجامعة الجديدة، القاهرة، 2007، ص131-133.

[116] – عبد الحميد، ثروت، تعويض الحوادث الطبية، مرجع سابق، ص133.

[117] – المرجع السابق، ص133.

[118] – سعد أحمد محمود، مسؤولية المستشفى الخاص عن أخطاء الطبيب ومساعديه، مرجع سابق، ص483.

[119] – قرار محكمة التمييز الأردنية، تمييز جزاء رقم 330-2004، تاريخ 19-04-2004  www.adalch.com

[120] – عبد الحميد الشواربي، مسؤولية الأطباء والصيادلة والمستشفيات المدنية والجنائية والتأديبية، ط1، منشأة المعارف، مصر (الإسكندرية) 1988، ص239.

[121] – حروزي عز الدين، المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة في القانون الجزائري والمقارن، دار هومة، الجزائر، 2008، ص20.

[122] – عبد القادر بن تيشه، الخطأ الشخصي للطبيب في المستشفى العام، دار الجامعة الجديدة مصر (الإسكندرية)، 2011، ص56.

[123] – بسام محتسب بالله، مرجع سابق، ص254.

[124] – محمد البوشواري، الوجيز في القانون الجنائي المغربي، مطبعة طوب بريس، الرباط 2007، ص42.

[125] – نور الدين العمراني، شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي، مطبعة سجلماسة الطبعة الثالثة 2011، مكناس، ص112.

[126] – عبد الواحد العلمي، “شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، دراسة في المبادئ العامة التي تحكم الجريمة، المجرم والعقوبة والتدبير الوقائي”، الطبعة الثالثة 2009، ص160.

[127] – محمد بنجلون، شرح القانون الجنائي العام وتطبيقاته، طبعة 2004، ص87.

[128] – نور الدين العمراني، شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي، مرجع سابق، ص113.

[129] – عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص160.

[130] – عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص160.

[131] – ثروت عبد الحميد، تعويض الحوادث الطبية، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، 2007، ص32.

[132] – ذ. حسن الأبراشي، حسن، مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري والمقارن دار النشر للجامعات المصرية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الملك فاروق الأول مصر 1951، ص205.

[133] – منصور، محمد حسين، المسؤولية الطبية، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر 1999، ص120.

[134] – القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2008، المتعلق بالمسؤولية الطبية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

[135] – كما نص المشرع الليبي في المادة 24 من قانون المسؤولية الطبية رقم 17 لسنة 1987 على أنه: “لا تقوم المسؤولية الطبية إذا كان الضرر ناشئا عن رفض المريض للعلاج أو عدم إتباعه للتعليمات الطبية رغم نصحه بالقبول وذلك كله دون الإخلال بحكم البند (ب) من المادة السادسة من هذا القانون”.

[136] – أمر 75/58 مؤرخ 26 سبتمبر 1975، يتضمن قانون المدني، ج ر عدد 78 مؤرخة 30 سبتمبر 1975، المعدل والمتمم.

[137] – نقص فرنسي 19 أكتوبر 1991، مشار إليه لدى عبد الحميد، ثروت، تعويض الحوادث الطبية، م.س، ص143.

[138] – منصور، محمد حسين، “المسؤولية الطبية” مرجع سابق، ص274.

[139] – منصور، محمد حسين، المسؤولية الطبية، م.س، ص274.

[140] – مجلة المحامي الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، جوان 2017، عدد 28، سطيف، ص110.

[141] – فريحة كمال، المسؤولية المدنية للطبيب، مذكرة ماجستر، قانون المسؤولية المهنية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وزو، 2012، ص301.

[142] – مشروع القانون المدني الفلسطيني، المادة 185، ديوان الفتوى والتشريع، رام الله، فلسطين، 2003، القانون المدني الأردني رقم (43ظ) لسنة 1976، المادة 265.

[143] – الأبارشي، حسن، مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري المقارن، م.س، ص202-203.

[144] – سيدهم مختار، المسؤولية الجزائية للطبيب في ظل التشريع الجزائري، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص، قسم الوثائق، الجزائر، 2011، ص21.

[145] – منير رياض حنا، المسؤولية المدنية للأطباء والجراحين في ضوء القضاء والفقه الفرنسي والمصري، الطبعة الثانية، دار الفكر الجامعي، مصر 2011، ص137.

[146] – السيد عبد الوهاب عرفة، الوجيز في مسؤولية الطبيب والصيدلي، دار المطبوعات الجامعية، مصر (الإسكندرية)، 2005، ص71.

[147] – منير رياض حنا، المسؤولية الجنائية للأطباء والصادلة، م.س، ص139.

[148] – منصوري جواد، توجهات المسؤولية المدنية الطبية، رسالة ماجستر في قانون الطبي، أبو بكر بلقايد 2017، ص45.

[149] – رايس محمد، مسؤولية الأطباء المدنية عن إفشاء السر المهني، أعمال الملتقى الوطني حول المسؤولية الطبية، عدد خاص المجلة النقدية لكلية الحقوق، مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر، سنة 2008، ص44.

[150] – محمد ليسكير، آلية المسؤولية الجنائية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، سنة 2008، ص105.

[151] – انظر الآية 43 من سورة النحل.

[152] – محمود توفيق إسكندر، الخبرة القضائية، دار هومة، الجزائر، 2002، ص55.

[153] – MARC –Bernard), Médecine legale te toixcologie,Ellipses, Paris, 1994, P75.

[154] – نبيل صقر، مكازي نزيهة، الوسيط في القواعد الإجرائية والموضوعية للإثبات في المواد المدنية، دار الهدى، الجزائر، 2009، ص229، ذ. بابكر الشيخ، المسؤولية القانونية للطبيب، دار الجامعة، الأردن 2002، ص317.

[155] – قرار المحكمة العليا رقم 2972062، الصادر بتاريخ 24/06/2003، المجلة القضائية، العدد الثاني، 2003.

[156] – ذ. رمضان أبو السعود، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية، النظرية العامة للإثبات، دار الجامعية، ذ.ب.ن 1993، ص400.

[157] – loin°2002/303, 4 mars 2002, Relative aux droits des malades et à la qualité du système de santé, PITCHO. (benjamin) et DEPADI, SEBAG, (valérie), Médecine et droits de l’homme… p270.

[158] – باستثناء إجراء الخبرة لإثبات مسائل قد تكون محل نزاع مستقبلي في دعوى مستعجلة.

[159] – انظر في هذا الشأن قرار المحكمة العليا 2972062 الصادر بالتاريخ 24-06-2003 المجلة القضائية العدد الثاني، 2003.

[160] – GODERYD (Michel), les expertises médicales, presse universitaire de France, Paris, 1999, p9 aussi.

ذ. مراد محمود الشنيكات، الإثبات بالمعاينة والخبرة في القانون المدني “دراسة مقارنة” دار الثقافة، عمان 2008، ص100.

[161] 6 GODERYD (Michel) les expertises médicales…, op, cit, P9.

[162] – الاختلاف الجوهري بين الخبرة القضائية والخبرة الاستشارية هي أن الأولى يكون تعيين الخبير فيها بموجب حكم صادر من القاضي بند به حتى ولو كان صدور الحكم بناءا على طلب الخصوم فإنه يبقى للقاضي الحرية في الموافقة على ندبه من عدمه، أما الخبرة الاستشارية فإن الخبير يتم تعيينه بناء على اتفاق يبرم بين شخصين أو أكثر وبين الخبير.

[163] – GODERYD (Michel) les expertises médicales…, op, cit, P10.

[164] – Ibid. p11.

[165] – ذ. مراد محمود الشنيكات، الإثبات بالمعاينة…، م.س، ص104.

[166] – انظر المواد 96-97-98-99 المرسوم التنفيذي رقم 92-276 المؤرخ في في 5 محرم عام 1413 الموافق ل6 يوليو سنة 1992، يتضمن مدونة أخلاقيات الطب.

[167] – محمد هشام القاسم، المسؤولية الطبية من الوجهة المدنية، مجلة الحقوق والشريعة، “العدد الثاني، السنة الخامسة”، كلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت، الكويت، سنة 1979، ص15.

[168] – آمنة سميع: محاضرات في علم الإجرام، مطبعة سجلماسة 2010-2011، مكناس، ص 261

[169] – وفاء الصالحي: الممارسة المهنية بين المسؤولية والأخلاقيات، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 83 نونبر – دجنبر 2008، ص

[170] إكرام الدكي: م. س، ص 69.

[171] – فعلى سبيل المثال، توجد مقتضيات زجرية بمدونة التجارة والشغل وقوانين الشركات وقانون الصحافة والمحاماة

وقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وقانون المنافسة والملكية الصناعية ومدونة الجمارك مزاولة مهنة الطب والصيدلة، والقانون المتعلق بزرع الأنسجة والأعضاء البشرية والقانون المنظم للملك الغابوي والماء…، والأمثلة عديدة تستعصي على الحصر والعد. نور

الدين العمراني:” سياسة التجريم والعقاب في إطار المجموعة الجنائية- أية ملاءمة”، مجلة الملف العدد 15 نونبر2009، ص 53 .

[172] – محمد أحداف: علم الإجرام النظريات العلمية والسلوك الإجرامي، مطبعة سجلماسة، الطبعة الثالثة 2009

[173] – رشید تاشفين: “المسؤولية الجنائية على ضوء القوانين الجديدة المتعلقة بالطب و الأعمال الطبية” مجلة الدفاع، العدد الرابع شتنبر 2005 ص 33.

[174] – حكم منشور بمجلة الحقوق العدد الثالث 2004 ص 211 أوردته سهام صبري، “المسؤولية الجنائية للأطباء” م. س ص 19.

[175] – – نور الدين العمراني: “مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب” م. س ص 106.

[176] – نقض جنائي 8/ 1/ 1996 رقم 1920 – 27 قد أورده شريف الطباخ “جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها في ضوء الفقه و القضاء” دار الفكر الجامعي، مطبعة شركة جلال للطباعة – العامرية – الطبعة الأولى الإسكندرية 2003 الصفحتان 27-28

[177] – أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح: “شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى الدار البيضاء 1980 ص 224.

[178] حكم المحكمة الإبتدائية بواد زم صادر بتاريخ2006/07/10 ملف / جنحي عدد 04/1263 ، غير منشور.

[179] – أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح، م س ص 224.

[180] — شريف الطباخ، م. س ص 34.

[181] – نقض جنائي1973/2/11 أورده شریف الطباخ، م س ص 36. 82

[182] – نور الدين العمراني: “مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب” م س ص 108

[183]  – عبد الجليل اليزيدي: م س ص. 193.

[184] — حكم المحكمة الإبتدائية بتازة بتاريخ2007/04/18 ملف جنحي رقم 760 عدد03/2147 ، غير منشور.

[185] – نقض جنائي بتاريخ1953/01/03 أورده شريف الطباخ، م . س ص 37.

[186] — حكم استئنافي صدر بتاريخ2001/05/16 تحت عدد 3120، غير منشور.

[187]— حكم جنحي صادر عن المحكمة الإبتدائية بفاس، ملف رقم2006/604 ، غير منشور أوردته إكرام الدكي، م. س ص38.

[188] – نقض جنائي أشرنا إليه سابقا بالتفصيل

[189] – أورده عادل عبد الحميد الفجال، م . س ص422

[190] وقد وردت في خمس فصول منها أمراض يجب التصريح بها كالأمراض الجاري عليها الحجر الصحي (كالطاعون، الكوليرا، الحمى الصفراء، التيفوس الوبائي الناتج عن القمل و الحمى العائدة الناتجة عن القمل)، و الأمراض ذات الصبغة الإجتماعية (السل الرئوي، الزهري الإبتدائي و الثانوي، و حمى المستنقعات و الأمراض المعدية أو الوبائية (حمى التيفويد، الحمی القريبة من التيفويد، أمراض السيلان الأبيض، الكزاز (التيتانوس) الذباح (الدفتريا)، الشلل، الإلتهاب المخي و الأمراض الوبائية الناتجة عن الإصابة بجرثومة “بروسيلا” الفصل الأول من القرار وهي أمراض يترتب عنها التطهير الإجباري الفصل4 أو إجباريا استعمال مبيد الحشرات.

[191] -حكم عدد 30/2008 الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 01/02/2008، ملف عدد 657/23/2007، غير منشور.

[192] – عبد الحميد الشواربي، التزوير والتزييف، منشأة المعارف الاسكندرية، دون ذكر السنة، ص: 12.

[193] – سعاد عمير، جرائم تزوير وتزييف العملة وفق أحكام قانون العقوبات الجزائري، مجلة المفكر، العدد الرابع، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة 2009، ص:283.

[194] – ياسين نباري، المسؤولية المدنية للمصطلحات الخاصة، أخطاء الأطباء ومساعديهم نموذجا، رسالة لنيل الماستر في القانون المدني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ابن زهر أكادير سنة 2015-2016، ص: 116.

[195] -الدكتور عبد الكافي ورياشي: المسؤولية القانونية للأطباء بين الفقه والقانون والقضاء، ص: 36-37.

[196] – حكم المحكمة الابتدا\ية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 16 مارس 1996، أشار إليه نور الدين الناصيري، الالتزام بالسر المهني، مجلة الملف، عدد5، 2005، ص: 109.

[197] – المادة 437 من قانون العقوبات المراقب لسنة 1969 المادة 355 من قانون الأردني لسنة 1960 والمادة 310 من قانون لعقوبات المصري

[198] – رشيد تاشفين، المسؤولية الجنائية للطبيب على ضوء القوانين الجديدة المتعلقة بالطب والأعمال الطبية، أشار إليه يوسف وهابي، مجلة الملف، 134، 135، العدد 4 شتنبر 2004.

[199] – سورة المائدة، الآية 176.

[200] – حديث شريف أخرجه مسلم من كتاب أربعون حديثا في اصطناع المعروف.

[201] – محمود القبلاوي: المسؤولية الجنائية للطبيب، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2004، ص:34.

[202] – بودراي شرف الدين، جريمة تعاطي وترويج المخدرات في القانون الجزائري، مذكرة ماستر تخصص قانون جنائي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، 2013-2014، ص: 20.

[203] -سلخ محمد الأمين، مسؤولية الطبيب عن الوصفة الطبية 1، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، مصر، 2015، ص:181.

[204] – السيد عبد الوهاب عرفة، الوسيط في المسؤولية الجنائية والمدنية للطبيب والصيدلي، ديوان المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، مصر، 2006، ص: 237.

لتحميل البحث كاملا إضغط

هنا

اترك رد

error: Content is protected !!