الاجهاض بين القانون والواقع
الإنسان منذ وجوده في هذا الكون يتمتع بمجموعة من الحقوق المقررة له في الشرائع السماوية والمنصوص عليها في المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، ويعد الحق في الحياة من اسمى الحقوق التي تكفل للإنسان في كل مراحل حياته،ولهذا حفظت الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية حق الجنين في الحياة و عدم الاعتداء عليه لكن جريمة الإجهاض تعتبر واحدة من هذه الاعتداءات التي يجب القضاء عليها .
جريمة الإجهاض ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل جريمة بالغة القدم في تاريخ الطب والقانون ومع ذلك ستظل من أهم الموضوعات في عصرنا الحالي بسبب انتشارها بشكل ملحوظ في كثير من بقاع العالم ، نتيجة للعلاقات الغير الشرعية و انتشار الفاحشة فقد كان الإجهاض في القانون الروماني جريمة ضد والدي الجنين لا ضد الجنين نفسه لكن إذا قام بها الأب فلا يعاقب عملا بنظام السلطة الأبوية ، أما في العهد الإغريقي فقد انتشر الإجهاض على أثر الكتابات الأفلاطونية في الجمهورية المثالية في ضرورة إجهاض المرأة التي تجاوزت الأربعين عاما من العمر ، كما نادى للحد من زيادة عدد السكان و ذلك لتبرير عملية الإجهاض.
كما أن الإجهاض ظاهرة بالغة الخطورة والتعقيد ، تجابه العالم بأسره بحيث تؤدي سنويا إلى ازهاق أرواح الآلاف من النساء الأمر الذي يتطلب دراسات تعنى باستجلاء علتها وبيان أسبابها وتسعى إلى إيجاد سبل معالجتها في ظل المجتمعات وتأثرها بنسق الحياة والقيم السائدة ونمو الوعي الحضاري . ان الإجهاض مشكلة رافقت نشوء المجتمعات منذ القدم مما ادى بالشرائع والأديان القديمة إلى تنظيمها وإيجاد الحلول لها ومن اهم هذه الشرائع شريعة حمورابي في عام 1760 قبل الميلاد حيث فرضت غرامات على المرأة التي تقوم بها أما اول شريعة حكمت بالإعدام شريعة الحضارة الأشورية عام 1075 قبل الميلاد حيث طبق ذلك على المرأة التي تقوم بالإجهاض ضد رغبة زوجها.
الحضانة
وجاءت الشريعة المسيحية -بما تحوي من مثاليات و معاني سامية-فحرمت قتل الجنين مهما كانت الأسباب. و اعتبرت قتل الجنين بمثابة القتل العمد. أو أشد إذنايا و جرما منه
اما في الشريعة الإسلامية فقد أجمعت كتب الفقه في المذاهب الإسلامية على تحريم جريمة الإجهاض بعد نفخ الروح الذي هو الطور السابع من الأطوار التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، قال تعالى ” و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم جعلنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين”
وقال عز وجل في كتابه العزيز أيضا ” و لقد كرمنا بني آدم و حملنهم في البر والبحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”
شرع الله نظام عظيما يكفل حقوق الناس و أنفسهم و أعراضهم بحمايتها من كل اعتداء و يصون كرامتها و يدافع عن حرمتها و يعمل على ديموماتها و بقائه، لكن لغياب النص الصريح الذي يحرم الإجهاض قطعا ، جعل الفقهاء يجتهدون و تعددت الآراء في هذا الموضوع الذي كان و لازال محل خلاف بين الفقهاء والأطباء والمفكرين ورجال القانون والساسة. فالفقهاء جعلوه بين مقياس التحليل والتحريم؛ والأطباء درسوه من حيث الأخطار التي تهدد صحة الأم وحياتها؛ والمفكرون عالجوه كظاهرة اجتماعية تؤثر على الأفراد والمجتمع.
وحتى وقت قريب كانت القوانين الجنائية تتعامل مع جريمة إسقاط الحمل بأشد العقوبات و لم تكن تبيح إسقاط الحمل لأي سبب من الأسباب حتى ولو كان ذلك من أجل إنقاذ حياة الحامل و ما زال عدد ليس بالقليل من هذه القوانين يتبنى ذلك الاتجاه.
ان للشريعة و العرف و الثقافة وجهات نظر حول الإجهاض تتفاوت من بلد لآخر، وهناك جدل في كثير من البلدان حول أخلاقية و قانونية الإجهاض.
ففي العراق و مصر ممنوع تماما و لا يوجد أي استثناء قانوني ، و في بعض الدول العربية مسموح فقط في حالة الحفاظ على حياة الأم و في بعض الدول العربية الأخرى مسموح لإنقاذ حياة الأم و إذا كان هناك تشوه في الجنين ، و في بعض الدول الاخرى خاصة الغربية مسموح دون قيد .
إن المشرع المغربي كغيره من التشريعات إتبع التشريع الإسلامي في تجريم جريمة الإجهاض فبالرغم من أن قانون العقوبات لم يعرف الإجهاض تاركا الأمر لإجتهادات فقهاء القانون ،إلا أنه بين أنواع الإجهاض والعقوبات المحددة لها ، وقد نظم المشرع المغربي جريمة الإجهاض بعشر فصول من الباب الثامن تحت عنوان الجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة من الفصل 449 إلى الفصل 458 وقد حدد أركان جريمة الإجهاض وعقوبتها والإستثناء الوارد عليها. حيث يهدف من خلال هاته الفصول إلى حماية المرأة وذلك بالحفاظ على جنينها والذي يعتبر الموضوع الأصلي لهذه الجريمة ، وتجريم أي فعل يكون سببا في إنهاء حالة الحمل ،سواء إسقاط الجنين قبل الموعد الطبيعي للولادة أو بقتله وهو ما يزال في رحم أمه ،إضافة إلى حمايتها بذاتها وذلك بتجريم أفعال الإجهاض ،خاصة الإجهاض الجنائي والذي لا يؤذي فحسب إلى موت الجنين وإنما يتسبب أيضا في أذى يلحق بالمرأة قد يصل ألى الموت.
دوافع اختيار الموضوع
أما عن دوافع إختيارنا لهذا الموضوع ,فقد دفعتنا عدة أسباب لإختيار هذا الموضوع والتي أضفت عليه أهمية خاصة لاسيما في عصرنا الراهن ،ومن أهم الأسباب :
-
حساسية الموضوع و تشعباته لاسيما بالنسبة للأسرة في الوقت الراهن
-
نظرا لاعتبار مرحلة الجنين أساس وجود العنصر البشري.
-
ظهور عدة مستجدات طبية وقضايا قانونية متشعبة بحاجة إلى البحث كالقيام بالإجهاض
-
نظرا لانتشار وتفشي جريمة الإجهاض في المجتمع في وقتنا المعاصر رغم كل العقوبات التي نص عليها المشرع
-
قلة الأبحاث في هذا الموضوع.
-
الرغبة في تمتع الجنين بالحماية الكاملة والغرض من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على جريمة الإجهاض التي تمس بحقه في الحياة
-
هذا الموضوع يهم فئات كثيرة من المجتمع إن لم يكن المجتمع بأسره
-
مدى خطورة هذه الجناية في تعديها على حق االله تعالى، وتهديدها لكل المصالح الفردية والإجتماعية، وضررها البالغ على الجنين والام والمجتمع، والقيم والأخلاق.
-
انتشار ظاهرة الإجهاض بشكل مهول و مربع في كثير من بقاع العالم بما فيها الدول الإسلامية للأسف في عصرنا الحالي إضافة الى تضارب الآراء والقرارات المؤيدة و المضادة له
مناشير ومذكرات ودورات حول مدونة الأسرة