الإجراءات المسطرية لإحداث التجزئات العقارية
ـ دراسة في ضوء القانون 25.90 والقوانين ذات الصلة ـ
رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص
وحدة التكوين والبحث: المعاملات العقارية
إعداد الباحث: محمد أمين بوسمن
إن عملية إحداث التجزئات العقارية تمر عبر اتباع مجموعة من الإجراءات المسطرية، تبدأ أولا بتقديم طلب الإذن بذلك إلى الجهة المختصة بإصدار القرار، والمتمثلة في رئيس المجلس الجماعي، كونه يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية في المنطقة التي سينجز فيها المشروع موضوع الإذن، وخلصنا إلى أن سلطته تبقى شكلية تنحصر في التوقيع، نظرا لأن الوكالة الحضرية لها رأي ملزم في الموضوع.
فهذا الطلب يتعين أن يستوفي مجموعة من الشروط، العامة والخاصة منها، وذلك حتى يكون صاحب الشأن في وضعية قانونية حيال الضوابط التعميرية التي تحكم مشروع التجزئة المراد إنجازه، بشكل يراعي المصلحة العامة والخاصة.
وبعد ذلك تقوم لجنة الشباك الوحيد لرخص التعمير أو اللجنة الإقليمية للتعمير بدراسة الملف، وهي متركبة من مجموعة من المتدخلين في ميدان التعمير، نظرا لما تتميز به التجزئة العقارية من تعقيد في جوانبها التقنية، لتخلص في الأخير إلى إيراد موقفها ورأيها بخصوص الطلب، ليبقى القرار الأخير لرئيس المجلس الجماعي، إما بقبول الطلب أو رفضه، ففي حالة منح صاحب المشروع الإذن بإحداث التجزئة العقارية يترتب عن هذا القرار الإداري مجموعة من الآثار، تتجلى في الالتزامات المفروضة عليه، والتي ينبغي التقيد بها، سواء تعلق الأمر بالالتزامات الشكلية أو الموضوعية، مقابل ذلك تمنح له مجموعة من الحقوق، من قبيل الحق في التعويض عن الارتفاقات وفق قوانين التعمير، وما يترتب عن ذلك من منازعات في حالة امتناع الإدارة عن أداءه لفائدة المجزئ، حيث أنه قبل صدور قانون المالية لسنة 2020 كان توجه القضاء الإداري يكرس أحقية المالك في الحصول على التعويض المذكور عن طريق إجبار الإدارة على أداءه، سواء باستعمال وسيلة الغرامة التهديدية أو الحجز على حساباتها البنكية، غير أنه وبعد صدور قانون المالية لسنة 2020 نجد أن المادة التاسعة منه قد منعت إمكانية الحجز على أموال الإدارة لإجبارها على أداء التعويض لفائدة المالك.
للمزيد: دليل عملي محدد لشكل وشروط إيداع ودراسة وتسليم الرخص والأذون المتعلقة بالتعمير
بالإضافة إلى حق صاحب التجزئة في التعويض، فإنه أيضا يتمتع بحقوق أخرى، من قبيل الحق في تسلم أشغال التجزئة، وهنا يتعلق الأمر بالتسلم المؤقت والتسلم النهائي.
فبعد استعراض مختلف الإجراءات المسطرية التي تمر منها عملية التجزئة العقارية، فقد سجل الباحث مجموعة من الملاحظات، والتي على ضوئها أوردبعض الاقتراحات، عساها أن تتجاوز الإشكالات القانونية والعملية التي يطرحها موضوع الدراسة، وهي كالآتي :
-
من الملاحظات التي يثيرها موضوع الدراسة، نجد على أنه في إطار تدبير ملفات طلبات الأذون بإحداث التجزئات العقارية، أصبح الأمر يتم عن طريق الاعتماد على المنصة الرقمية تفعيلا للمادتين 53 و 54 من مرسوم ضابط البناء العام رقم 2.18.577. غير أنه بالرغم من الاعتماد على هذه المنصة يلاحظ أن هذه التجربة الفتية لا زالت غير معممة على صعيد تراب المملكة، خاصة في العالم القروي، نظرا لضعف الموارد البشرية المؤهلة من حيث التكوين والتأطير التقني والقانوني، فضلا عن الضعف في المواكبة من قبل الإدارات المعنية، وكذا ضعف الأدوات اللوجستيكية، إضافة إلى وجود ضعف في التغطية في الشبكة العنكبوتية، الشيء الذي يترتب عنه إما أن صبيب الشبكة العنكبوتية يكون ضعيف أو منعدم في بعض المناطق القروية، مما يحول دون دراسة ملفات الطلبات داخل الأجل القانوني.
وعليه. من أجل تنزيل وتعميم تجربة الاعتماد على المنصة الرقمية، يتعين العمل على إحداث التكوين المستمر للأطر القانونية والتقنية المكلفة بدراسة الملفات المشار إليها أعلاه ومواكبتهم، مع ضرورة تحسين جودة الخدمات الإلكترونية في العالم القروي، وذلك بتقوية التغطية في الشبكة العنكبوتية حتى يكون صبيب هذه الشبكة شغال بشكل جيد، لتتم دراسة الملفات داخل الأجل المحدد قانونا، لكي لا تبقى هذه الملفات عالقة، وبالتالي يهدر وقت طالب الرخصة بشكل لا يشجع على الاستثمار في مجال التجزئات العقارية.
-
يلاحظ أيضا أن المشرع المغربي حدد أجل ثلاثة (3) أشهر لإصدار القرار موضوع طلب الإذن بإحداث تجزئة عقارية، وذلك من تاريخ التوصل بالطلب، حسب المادة الثامنة (8) من قانون التجزئات العقارية. وبما أن هذا الأجل الممنوح لرئيس المجلس الجماعي يعد طويل، فإنه يتعين إعادة النظر فيه، بتقليصه إلى شهر واحد بشكل يستجيب للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب السرعة من أجل الحصول على الإذن بإحداث مشروع التجزئة، وبالتبعية يشجع على الاستثمار في هذا المجال.
-
ومن الملاحظات التي أثارها الباحث من خلال بحثه، إبقاء المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة الثامنة (8) من قانون 25.90 على الرخصة الضمنية، بالرغم مما تثيره من إشكالات عملية والتي تنعكس سلبا على طالب الرخصة الذي يريد الحصول على الإذن الصريح بالتجزيء في آجال معقولة من دون مماطلة، قصد إنجاز مشروعه التنموي. وفي ضوء ذلك يتعين إعادة النظر في الرخصة الضمنية بإلغائها استنادا إلى مقتضيات المادة 71 من مشروع مدونة التعمير رقم 07.30.
-
يلاحظ أيضا أن القضاء الإداري في إطار تدبير منازعات رخص التعمير، أنه استقر على تخويل الإدارة مانحة الإذن بالتجزيء إمكانية سحبها للقرارات الإدارية الصادرة عنها في هذا المجال، حتى في حالة مرور الأجل القانوني على رفع دعوى الإلغاء، بعلة مخالفة الترخيص لقانون التعمير، وهذا بطبيعة الحال يبقى توجه غير محمود يتعين إعادة النظر فيه، بجعل هذه المكنة مقيدة في حالة كون صاحب التجزئة لم يشرع بعد في أعمال تجهيزها، لأنه إذا تمت هذه الأعمال فإنه يكون من الصعب إرجاع الأمور إلى نصابها، خاصة أن صاحب المشروع يكون قد أنفق أموالا طائلة حصل عليها من مؤسسة تمويلية بواسطة قروض منحتها له، وقيامه بإبرام عقود مع المتعاملين معه، من أجل التشجيع على الاستثمار في مجال التجزئات العقارية، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
إقرأ: مذكرة المحافظ العام عدد 2019/10 بشأن المرسوم الصادر بالموافقة على ضابط البناء العام للبناء
-
الملاحظ أن المشرع المغربي منح للمجزئ الذي لم يستكمل أشغال تجهيز تجزئته داخل الأجل القانوني إمكانية استئناف وتتمة الأشغال إذا تجاوزت نسبة 50 في المائة، شريطة إثبات هذه الحالة بواسطة محضر تنجزه الإدارات المعنية، وذلك وفق المادة 42 من قانون 07.20 المتعلق بالجبايات المحلية المعدل والمتمم للقانون 47.06، إلا أنه بالمقابل لم يحدد أجلا معينا يتعين فيه على صاحب التجزئة خلاله أن يقوم باستكمال الأشغال، حيث أن هذا الأمر يخلق نوعا من عدم الثقة والرضا في نفوس المتعاملين معه الذين يكونوا قد منحوا له تسبيقات من أجل تجهيز أرضهم قصد البناء أو تخصيصها لمختلف الأغراض.
وأمام هذا الوضع ينبغي إعادة النظر في مقتضيات المادة 42 المومأ إليها أعلاه، وذلك بتحديد الأجل الذي يتعين فيه على المجزئ بأن يستكمل باقي الأشغال غير المنجزة داخل الأجل القانوني، حتى لا تبقى التجزئة معلقة بدون تجهيز إلى أمد قد يطول.
-
المشرع المغربي اعتبر مرور أجل ثلاث (3) سنوات في حالة عدم القيام بالأشغال أو إتمامها بمثابة سقوط الإذن في القيام بالتجزئة، حيث يُلزم صاحب التجزئة بتقديم طلب إذن جديد إلى السلطة المختصة مانحة الإذن، غير أنه وبالنظر إلى أن إيداع الطلب الجديد قد يستغرق مدة زمنية مهمة من أجل دراسة وصدور القرار تبعا لذلك، فإنه يتعين مراجعة هذا الأمر بجعل المجزئ يستفيد من مكنة تمديد الإذن في القيام بالتجزئة، من أجل استكمال مشروعه التنموي داخل آجال معقولة، بشكل يشجع على الاستثمار لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتطلبة.
-
المشرع المغربي خول للجنة المكلفة بالتسلم المؤقت لأشغال تجهيز التجزئة صلاحية تحرير وثيقة المعاينة عندما تلاحظ عدم التطابق بين ما أنجز في الواقع والمستندات موضوع طلب الإذن بإحداث تجزئة عقارية، حيث في هذه الحالة تبلغ الوثيقة المذكورة إلى المجزئ قصد التقيد بمضمونها، غير أنه ما يلاحظ عدم تحديد أجل يتعين فيه على هذا الأخير أن يتقيد بمضمون الوثيقة، حيث أن الممارسة العملية أبانت على أن هناك بعض اللجان تمنح أجل شهر وأخرى تمنح أجل 45 يوما للقيام بالمتعين، وهذا بطبيعة الحال يعد تضاربا على مستوى الممارسة العملية بين اللجان المكلفة بالتسلم المؤقت للأشغال، وبالتالي يجب إعادة النظر في هذا الأمر بتحديد أجل موحد من خلاله يتم إلزام المجزئ بالتقيد بمضمون وثيقة المعاينة المحررة من طرف اللجنة المذكورة أعلاه، حتى لا تبقى التجزئة معلقة بدون تجهيز كامل وشامل لأمد قد يطول، مما يخلق نوعا من عدم الثقة والرضا في نفوس المتعاملين مع صاحب المشروع.