أسباب الاباجة وموانع المسؤولية
الجزء الأول ــ أسباب الاباحة
أسباب الاباحة أو أسباب التبرير، عبارة عن ظروف موضوعية عينية مرتبطة بالجريمة، وهي إذا ما توافرت أخرجت الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الاباحة؛ أي تؤدي إلى صيرورة الفعل مباحا بعد ما كان مجرما، وتعددت التقسيمات التي أوردها الفقه لأسباب الاباحة، غير أن المشرع حصرها بعددها، موضوعها وجوهرها، وتتشابه مع العديد من الموضوعات الجنائية، غير أنها تختلف عنها، وأهم ما تختلف فيه عن تلك الموضوعات من حيث الآثار القانونية المترتبة عليها.
وهذا ما سنحاول شرحه والتطرق إليه، ذلك من خلال توضيح ماهية أسباب الاباحة وآثارها (المبحث الأول)، وتحديد تلك الأسباب بحسب نطاقها (المبحث الثاني).
المبحث الأول: ماهية أسباب الاباحة وآثارها
إذا كان القانون الجنائي محكوما بمبدأ الشرعية يحدد الأفعال التي يمنع ارتكابها تحت طائلة العقاب، فإنه يحدد كذلك بعض الحالات الاستثنائية التي تزول فيها الصفة الاجرامية عن أفعال تعتبر جرائم في الحالات العادية؛ تسمى هذه الحالات بحالات التبرير أو الاباحة، فالإباحة وصف يلحق بالفعل ولا شأن له بشخصية الفاعل.
لكن وقبل الحديث عن تلك الأسباب، فمن الضروري بما كان تحديد ماهية أسباب الاباحة (المطلب الأول)، على أن ندرج التقسيمات التي أوردها الفقه لهذه الأسباب (المطلب الثاني).
المطلب الأول: ماهية أسباب الاباحة
للحديث عن ماهية أسباب الاباحة، لا بد من تحديد تعريف لها وتمييزها عن الحالات المشابهة (الفقرة الأولى)، وكذلك بيان أحكام الجهل بأسباب الاباحة والغلط فيها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم أسباب الاباحة وتمييزها عن الحالات المشابهة
- أولا: تعريف أسباب الاباحة وأساسها:
أسباب الاباحة أو التبرير عبارة عن ظروف موضوعية عينية حددها المشرع، لكنه لم يجعل لها تعريفا، فأسند هذه المهمة للفقه، فحسب الدكتور عبد الواحد العلمي هي رخص قانونية تبيح أو تبرر لمن توافرت لديه أن يرتكب فعلا أو تركا جرمه المشرع الجنائي في نص من نصوصه[1]، في حين ذهب الدكتور توفيق المجالي بالقول أنها عبارة عن ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الفعل المجرم فتزيل عنه الصفة الجرمية وتحيله إلى فعل مبرر[2]، وهناك من عرفها بكونها الحالات التي تنتفي فيها عن السلوك صفته غير المشروعة[3]، وقد أورد الدكتور محمود نجيب حسن بخصوص تعريف الاباحة أنها حالات انتفاء الركن الشرعي بناء على قيود واردة على نطاق نص التجريم تستبعد منه بعض الافعال[4].
فأسباب الاباحة إذن هي تلك الحالات التي يكون من شأنها رفع الصفة الجنائية عن الفعل في الظروف التي وقع فيها[5]، حيث يعود الفعل أو الامتناع إلى أصلهما من الاباحة، فانتفاء هذه الاسباب شرط ضروري لقيام الركن القانوني في أية جريمة[6].
♠العلامة التجارية بين آليات الحماية وواقع الممارسة♠
فأساس الاباحة هو انتفاء موجب التجريم، إذ يقوم على فكرة تعارض المصالح، مصالح المجتمع أو المجني عليه، ومصالح مرتكب الجريمة في حالة من حالات الاباحة وترجيح أحدهما على الأخرى[7]، كون المشرع وفقا للقواعد العامة لا يجرم إلا الأفعال التي تشكل اعتداء على المصالح الاجتماعية التي يرى ضرورة حمايتها، ذلك أنه إذا كانت علة تجريم فعل أو امتناع ما تكمن في ضرورة حماية حق أو تبرير نفس الفعل أو الامتناع؛ هي عدم وجود أي اعتداء على هذه المصلحة[8]، فعلة تجريم القتل كونه اعتداء على حق الإنسان في الحياة تنتفي حينما ترتكب في حالة دفاع شرعي فهو لا يشكل اعتداء على ذلك الحق؛ بحجة أن الأولى أولى بالحماية من الثانية، ويقال الأمر نفسه لأفعال الايذاء مثلا التي ترتكب أثناء ممارسة الأعمال الطبية أو الجراحية، فجميعها تحقق مصلحة للمجتمع وتؤدي إلى تعطيل تطبيق نصوص التجريم.
- ثانيا: تمييز أسباب الاباحة عن الحالات المشابهة:
تختلف أسباب الاباحة عن موانع المسؤولية وموانع العقاب من حيث طبيعتها والآثار المترتبة عنها، بالرغم من كونهم يؤدون إلى عدم توقيع العقاب، لكن الفارق بينهم كبير، وتبعا لذلك نتعرض للتمييز بين أسباب الاباحة وموانع المسؤولية وبينها وبين موانع العقاب.
- تمييز أسباب الاباحة عن موانع المسؤولية:
موانع المسؤولية عبارة عن أسباب وعوارض تصيب إرادة المجرم وتمييزه، أي أنها موانع شخصية[9]، فهي ترتبط بشخص الجاني وليس بالفعل الذي يظل دائما جريمة معاقب عليها، ومثال ذلك الجنون أو صغر السن؛ ففي الحالتين يكون الشخص غير مميز وبالتالي عديم الأهلية، لذا فإن ارتكب جريمة لا يسأل عنها جنائيا، لكن إذا اشترك معه آخرون لا يستفيدون من هذا العذر ويسألون عن هذه الجريمة جنائيا[10]، لكنها وإن كانت تحول دون توقيع العقاب إلا أنه يمكن معها توقيع تدبير وقائي على مرتكب الجريمة، بالإضافة إلى الحكم عليه بالتعويض المدني إذا توافرت شروطه[11]، في حين أسباب التبرير ذات أثر موضوعي بحيث تجرد الفعل من صفة عدم المشروعية، ولا علاقة لها بإرادة الجاني؛ إذ تنصب على النص فتعطل مفعوله مما يحول دون قيام الجريمة أصلا، ويعفى مرتكب الجريمة من التعويض المدني ومنه من المسؤولية المدنية، وفي ذلك قرار المجلس الأعلى عدد 471 ـ محكمة النقض حالياـ في نقض الملف الجنائي رقم 44602، إذ ورد في تعليل المحكمة كون “لا محل للمسؤولية المدنية في الدفاع الشرعي[12]“، أو من أي تدبير وقائي.
كما أن مسألة إثبات أسباب الاباحة أمر يسير مقارنة بإثبات موانع المسؤولية فهذه الأخيرة تعد أسباب نفسية داخلية، إثباتها يتطلب تحليل نفسية الجاني لإثباته، ويستشهد على هذا بقرار قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتازة في ملف التحقيق عدد 66/2006 وذلك من خلال أمره بإجراء فحص طبي نفساني لبيان ما إذا كان المتهم وقت ارتكابه للأفعال المنسوبة إليه في كامل قواه العقلية وقت ارتكابه للجريمة أم لا ومدى قدراته العقلية[13]، كما أن تطبيق أسباب الاباحة يمتد لكل شخص ساهم في الجريمة سواء بصفته فاعلا أصليا أو شريكا، بينما لا يمكن أن يستفيد المشارك من الاعفاء في موانع المسؤولية على النحو الذي تم بيانه سابقا[14].
ب. تمييز أسباب الاباحة عن موانع العقاب:
موانع العقاب أو ما يعبر عنها اصطلاحا “بالأعذار المعفية”، هي موانع لا تؤثر على قيام الجريمة ولا على المسؤولية الجنائية، وبها تقوم الجريمة وتثبت مسؤولية فاعلها، بل تظل جريمة في نظر المشرع إلا أن المانع يحول دون توقيع الجزاء فقط، فإذا ما توافرت ترتب عنها عدم عقاب الجاني، ولا يستفيد منها إلا من توافرت في حقه، ولا تمتد إلى غيره من المساهمين معه في الجريمة عكس أسباب التبرير، عملا بقاعدة استقلال كل مساهم في مسؤوليته[15]، فهي ذات أثر شخصي، ومن أمثلة موانع العقاب صلة القرابة كالأصل والفرع والزوجة في جرائم السرقة (الفصل 534 ق.ج)، فلاعتبارات المنفعة الاجتماعية يقدر المشرع الاعفاء من العقوبة ليحقق مصلحة تربو على مصلحة توقيع العقوبة[16].
الفقرة الثانية: الجهل بأسباب الاباحة والغلط فيها
- أولا: الجهل بأسباب الاباحة:
يعبر الفقه عن هذه الحالة “بالجريمة الظنية”، كأن يعتقد الشخص الذي يرتكب فعلا معينا أو تركا أن فعله أو امتناعه مجرما، بينما يكون قد طرأت عليه ظروف جعلته مباحا، فمثل هذا الشخص لا يسأل عن هذا الفعل أو الامتناع رغم جهله بإباحته وارتكابه له قاصدا[17]، وقد يكون الجهل متعلقا بالقانون أو بالواقع؛ ومثال الافتراض الأول الشخص الذي يدفع الاعتداء عليه أو عن غيره وهو يجهل أن المشرع يبيح له الدفاع الشرعي عن نفسه أو عن غيره، كما قد يكون مرجعه جهل بالوقائع كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض فيموت على إثرها، فيعتقد أنه سيعاقب لعدم رضا المريض بالعلاج في حين يكون المريض قد وقع وثائق تثبت رضاه بإجراء هذه العملية له.
الإحصاء العــــــــــــــــــام للسكان والسكنى
وفي غياب نص تشريعي يحدد حكم الجهل بالإباحة، فقد أنقسم الفقهاء في وضع الحلول، فبعضهم ذهب إلى القول بأن الفعل يعد مبررا، انطلاقا من النظر إلى أن أسباب الاباحة ذات طبيعة مادية تحدث أثرها لمجرد توافر شروطها بغض النظر عن علم مرتكب الفعل بها أو جهله، في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بأن الفعل لا يكون مبررا إلا إذا انصرفت النية إلى جعله متجاوب مع مقتضى الظرف وما عدم العلم بوجود الظرف المبيح إلا قرينة على عدم انصراف نية الفاعل إلى إعماله في واقعة الحال، ووفقا لهذا الرأي فالوجود الفعلي للسبب المبيح لا يغني عن ضرورة العلم بوجوده، في حين توسط الرأيين السابقين رأي ثالت ذهب إلى القول بأن ارتكاب شخص جريمة ما مع وجود سبب مبرر لها على غير علم من مقترفها، ينسب إليه مجرد شروع فيها لا جريمة كاملة[18]، ويذهب الدكتور المجالي بالقول على أن أسباب الاباحة ذات طبيعة مادية وموضوعية والاستفادة منها لا يتطلب العلم بها، وذلك عملا بالقاعدة المستقر عليها “أن الجهل بأسباب التبرير لا يحول دون الاستفادة منها“، ويعمل بهذا الحل في غياب لنصوص قانونية بالرغم من كون بعض التشريعات حسمت في الموضوع منها التشريع السوري في المادة 202/02 “لا عقاب على من ارتكب فعل وظن خطأ أنه يرتكب جريمة”، وتقابلها المادة 203 من قانون العقوبات اللبناني، ولكن هذه القاعدة استثنائها حين تقوم بعض أسباب الاباحة على عناصر شخصية يكون متعينا تطلب هذه العناصر كي يتحقق التبرير وقد يكون العلم أحد هذه العناصر[19].
- ثانيا: الغلط في الاباحة:
الغلط في الاباحة، هو الاعتقاد الوهمي للشخص بأنه يتوافر له سبب من أسباب التبرير مع أن السبب لا يعرفه القانون، أو لا يتوافر في الواقع[20]، وهو ما يعبر عنه الفقه ب”البراءة الظنية”، إذ أنه حالة معاكسة لحالة الجهل بالإباحة، والحكم هنا أن الاباحة لا تتوافر لعدم توافر أسبابها ذات الطبيعة الموضوعية، فلا يكفي توافر العنصر الشخصي[21]، وتثور صور الغلط في الاباحة إذا توهم الفاعل توافر سبب من أسباب الاباحة في فعله في حين أن هذا السبب لا يتوافر في الفعل المقترف، كمن يضرب طفلا في الظلام تأديبا له معتقدا أنه ابنه، ثم يتضح أنه ليس بابنه، أو حالة الموظف الذي يفشي سرا أوتمن عليه اعتقادا منه أن صاحب السر راض عن إذاعته ثم يتضح أن صاحب السر لم يرضى بذلك.
وإذا بحثنا عن أثر الغلط في الاباحة على المسؤولية الجنائية للفاعل في القانون الجنائي المغربي لا نجد نصا تناولها، على خلاف ما هو عليه الأمر في بعض التشريعات العربية كالتشريع المصري؛ إذ تنص المادة 36 من قانون العقوبات على “لا يعد جريمة العمل غير المشروع الذي يرتكبه الموظف بعد التثبت والتحري إذا كان يعتقد بمشروعيته وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة”، وورد تطبيق لهذه الفكرة في المادة 56 من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الامارات العربية المتحدة ” لا يعد جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق الدفاع المشروع إذا واجه المدافع خطرا حالا على نفسه أو ماله أو اعتقد قيام هذا الخطر وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة”.
ولكن ومع ذلك، فإذا كان الغلط في التبرير لا يبرر ولا يبيح الفعل الاجرامي ويبقى الفعل المرتكب غير مشروع لتخلف حالات الاباحة حسب الشروط المحددة قانونا، كون الغلط في الاباحة لا ينفي الركن القانوني للجريمة؛ لكنه يؤثر في الركن المعنوي[22]، إذ ينفي القصد الجنائي الذي يقوم على انصراف العلم إلى جميع عناصر الجريمة وإرادة إحداثها.
وعلى ذلك يطرح السؤال أليس للغلط أثر في المسؤولية الجنائية للفاعل؟ ومنه وجب التمييز بين حالتين، حالة الغلط في تبرير يتعلق بالقانون، ويتحقق ذلك إذا اعتقد الجاني توافر سبب تبرير مع أن هذا السبب لا يعرفه القانون مطلقا، والجاني في هذه الحالة يسأل مسؤولية جنائية كاملة عن فعله، لأنه لا يعذر أحد بجهله للقانون[23]، والحالة الثانية هي حالة الغلط بالوقائع، والحالة هنا إذا لم يتصرف الفاعل تصرف الشخص المعتاد فارتكب الفعل اعتقادا منه بأنه مشروع، وكان اعتقاده مبنيا على غلط في تقدير توافر أسباب الاباحة، ولم يكن هذا الاعتقاد مستندا إلى أسباب معقولة، فإنه يكون قد أخطأ سواء اتخذ خطأه صورة الاهمال أو عدم الاحتياط والذي تقوم به المسؤولية الجنائية عن فعله بوصفه جريمة غير عمدية[24]، إذا كان القانون يعاقب على الفعل المرتكب كجريمة غير عمدية، أما إذا لم يكن يعاقب عليه القانون كجريمة غير عمدية فإن الجاني لا يسأل لا عن جريمة عمدية ولا غير عمدية، وإذا كان الغلط في التبرير ينفي القصد الجنائي، فإنه قد ينفي أيضا الخطأ غير العمدي، وذلك في حالة ما إذا كان الجاني قد قام بكل ما وسعه للتأكد من توافر هذا السبب من أسباب التبرير ومع ذلك وقع في اعتقاده الخاطئ، إذ في هذه الحالة لا يمكن أن ينسب إليه الخطأ، ومن ثم فلا يسأل عن فعله لا مسؤولية عمدية ولا مسؤولية غير عمدية[25].
- ثالثا: أسباب الاباحة وتعدد المساهمين:
يعاقب القانون على الجريمة عندما تكتمل أركانها ولا يقوم أي مانع من موانع المسؤولية، سواء ارتكبها شخص واحد أو عدة أشخاص، وعلى ذلك فإن من يساهم في فعل مباح يعتبر نشاطه هذا مباحا كنشاط الفاعل، إذ جاء في الفصل 130 الفقرة 3 من مجموعة القانون الجنائي “المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة… أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة، والتي تغلظ العقوبة أو تخففها، فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها”.
إلا أن الامر ليس مطلقا، إذ يجب لبيان أثر أسباب الاباحة في المساهمة أن نميز بين الاسباب المطلقة والنسبية، فإذا كان سبب الاباحة مطلقا كالدفاع الشرعي مثلا استفاد منه الجميع سواء المساهمين أو المشاركين معه، فإذا قام شخص بمساعدة الفاعل بإعطائه سلاحا ليمكنه من رد الاعتداء الواقع عليه فإنه يستفيد من الاباحة المقررة لهذا الفعل ولا يناله أي عقاب[26]، أما إذا كان السبب نسبيا فلا يستفيد منه إلا من قام فيه هذا السبب، فلا يستفيد من يقوم بالعمليات الجراحية من الاباحة إلا إذا كان طبيبا، ولكن يستفيد من سبب الاباحة من قام بمساهمة تبعية في الفعل، فيستفيد في هذه الحالة من ساعد الطبيب على العمليات الجراحية وإن كان غير طبيب؛ لأنه لا يرتكب العمل المبرر لغيره بنفسه، وإنما يساهم فيه مجرد مساهمة تبعية[27].
المطلب الثاني: تقسيمات أسباب الاباحة وآثارها
يقسم الفقه أسباب الاباحة للعديد من التقسيمات، وذلك بتعدد الزوايا التي ينظر منها إليها، وبتعدد الآثار المترتبة عنها، وهذا ما سنحاول التفصيل فيه بالحديث عن أهم تقسيمات أسباب التبرير (الفقرة الأولى)، وآثارها القانونية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تقسيمات أسباب الاباحة
قسمت أسباب الاباحة بحسب نطاقها أو يمكن القول حسب المستفيدين منها إلى أسباب إباحة مطلقة وأسباب نسبية (أولا)، وقسمت كذلك بحسب موضوعها أو بحسب أنواع الجرائم؛ إلى أسباب عامة وأخرى خاصة (ثانيا)، وتم تقسيمها بحسب طبيعتها وذلك بالنظر لموضع النص عليها في القانون (ثالثا).
- أولا: أسباب الاباحة حسب نطاقها:
بالنظر لنطاق أسباب الاباحة أو الأشخاص المستفيدين منها، فقد قسمت إلى أسباب مطلقة وأسباب نسبية، ويقصد بأسباب التبرير المطلقة تلك التي يمكن أن يستفيد منها أي شخص وجد في الظروف المنصوص عليها ضمن النص المقرر للسبب بصرف النظر عن صفته، ومثال ذلك الدفاع الشرعي الذي قرر لكل شخص يدافع عن نفسه أو نفس غيره أو عن ماله أو مال غيره[28]، أما أسباب التبرير النسبية فهي التي يقدرها المشرع لأشخاص أو جهة تحتل مركزا معينا أو صفة معينة فلا يستفيد منها إلا الجهات أو الأشخاص الذين عناهم المشرع ومثال ذلك الاعمال الطبية والجراحية، فلا يستفيد من تبريرها إلا من توافرت فيه صفة الطبيب أو من في حكمه، ويقال الأمر نفسه للموظف العمومي ومن في حكمه بالنسبة لأداء الواجب[29].
- ثانيا: أسباب الاباحة حسب موضوعها:
ويجري الفقه على تقسيم أسباب الاباحة حسب موضوعها، بالنظر إلى الجرائم المقترنة بها، وذلك إلى أسباب عامة وأخرى خاصة، فالأسباب العامة هي التي تنتج آثارها بالنسبة لجميع أنواع الجرائم أيا كان نوعها مثال ذلك حق الدفاع الشرعي واستعمال الحق المقرر بمقتضى القانون، أما أسباب التبرير الخاصة؛ فهي تلك التي يقتصر أثرها على وقوع نوع معين من الجرائم، أي لا تبيح إلا جرائم معينة ومثال ذلك الجروح بالنسبة للطبيب في العمليات الجراحية، والضرب الخفيف بالنسبة لتأديب الزوجة من قبل الزوج أو تأديب الابن من قبل الولي[30].
- ثالثا: أسباب الاباحة حسب طبيعتها:
وهو التقسيم الذي يستند في تقسيمه لأسباب الاباحة على موضع النص عليها، وبعبارة أخرى ما إذا كان يعتد بها المشرع من عدمه، كون أسباب الاباحة متعددة إذ تتفق التشريعات حول بعضها؛ مثلما هو الأمر بالنسبة للدفاع الشرعي وأمر القانون، ولا تتفق حول البعض الآخر مثلما هو الشأن بالنسبة لحالة الضرورة ورضا المجني عليه[31]، وأسباب أخرى لم ينص المشرع عليها مثلما هو الأمر لحق التأديب والألعاب الرياضية، لكنها تجد أساسها في الشريعة الإسلامية مثلا حق التأديب أو العرف كالألعاب الرياضية، على اعتبار أنها تعتبر مصادر تكميلية واحتياطية للتشريع يلجأ إليها لسد الفراغ التشريعي.
عقد التجارة الالكتروني الدولي
والملاحظ من خلال هذه التقسيمات وإن اختلفت زاوية النظر إليها أنها تتفق في الآثار المترتبة على توافر إحدى هذه الاسباب، وهذا ما سنعمل على بيانه في الفقرة التالية.
الفقرة الثانية: آثار أسباب الاباحة
يمكن تبين آثار أسباب الاباحة من التمييز الذي قمنا به بينها وبين موانع المسؤولية وموانع العقاب، إذ في حال ما توافر سبب من أسباب التبرير في الفعل أو الامتناع فإنه تترتب عليه العديد من الآثار القانونية.
وتفاديا للتكرار سنوجزها في مجموعة من النقاط لنجعل منها تلخيصا وجمعا لأهم الآثار القانونية التي تترتب على توافر أحد أسباب الاباحة.
-
توافر سبب من أسباب الاباحة ينصرف إلى الفعل أو الامتناع فيرفع عنه وصفه الاجرامي، أي ينتفي الركن القانوني للجريمة، ولا ينصرف إلى الفاعل وهذا معناه أن ثبوت قيام أحد أسباب التبرير لا يمكن معه القول بقيام الجريمة مع عدم مساءلة الفاعل، وإنما يؤدي هذا الثبوت إلى تقرير عدم وجود أية جريمة أصلا[32]؛
-
يعتد بسبب التبرير في أي مرحلة من مراحل الدعوى فأمام النيابة العامة قبل المتابعة يتعين حفظ الملف، أو أثناء التحقيق الإعدادي حيث يتعين إصدار أمر بعدم المتابعة، أو خلال المحاكمة فيجب النطق بالبراءة[33]؛
-
يترتب على توافر أسباب الاباحة كذلك انتفاء المسؤولية الجنائية إذ تنعدم لانعدام الخطأ الجنائي[34]، ويقود ذلك لانعدام المسؤولية المدنية أيضا، لأن المسؤولية المدنية لا يترتب عليها التعويض إلا إذا توافر عنصران هما الضرر والخطأ، وعنصر الخطأ هنا غير متوافر لأنه خطأ فيما هو مباح[35]؛
-
وكقاعدة عامة، يستفيد من أسباب الاباحة كل من يساهم في الفعل المقترن به باعتبار أسباب التبرير تنصب على الفعل ذاته لا على الفاعلين سواء كانوا أصليين أم شركاء، كونها أسباب موضوعية عينية لا ذاتية شخصية؛
-
الجهل بأسباب الاباحة أو الغلط فيها لا يحول دون استفادة الشخص منها ـ على النحو الذي تم بيانه سابقا ـ كونها ظروف عينية موضوعية، في حين أن الجهل والغلط أسباب نفسية وشخصية، لا يجوز إعمالها في هذه الحالة[36].
المبحث الثاني: أسباب الاباحة حسب الأشخاص المستفيدين منها
تعرض المشرع الجنائي المغربي لأسباب التبرير في الفصلين 124[37] و125 من القانون الجنائي، وهي تهم كل الجرائم سواء جنايات أو جنح أو مخالفات بحسب مضمون الفصل 124، وتتعلق هذه الاسباب بحالتي “أمر القانون وإذن السلطة الشرعية” و”حالة الضرورة” و”حالة الدفاع الشرعي”.
إلا أن هذه الحالات ليست لوحدها التي يمكن أن تدخل في عداد حالات التبرير، فهناك حالات أخرى يمكن القياس عليها مادام أن الاجتهاد القضائي والفقه عامة يعتبران أن مبدأ الشرعية لا يمنع القياس والتوسع في تفسير هذه الحالات[38]، وعلى هذا الأساس سنقسم حالات التبرير بحسب نطاقها أو بالنظر إلى الأشخاص المستفيدين منها، وذلك إلى أسباب نسبية وأخرى مطلقة.
بحيث سيمكننا من الجمع بين الاسباب التي نص عليها المشرع في الفصل 124، وبين تلك التي لم ترد في مجموعة القانون الجنائي؛ وعلى ذلك سنعالج الاسباب النسبية (المطلب الأول) أي تلك الحالات التي خص المشرع بها أشخاصا وجهات تحتل مراكزا معينة، على أن ندرس (المطلب الثاني) الاسباب المطلقة للإباحة؛ أي التي يمكن أن يستفيد منها أي شخص توافرت فيه الشروط المتطلبة.
المطلب الأول: الأسباب النسبية للإباحة
يقرر القانون حقوقا، ويبيح استعمالها، وترد نصوص القانون محددة صور هذه الحقوق ومحددة كذلك شروط ونطاق هذا الاستعمال[39]، ويعبر عنه في القانون المغربي وحسب الفقرة الأولى من الفصل 124 ب”أمر القانون وإذن السلطة الشرعية” (الفقرة الأولى)، كما قد تأتي هذه الحقوق من مصادر أخرى غير التشريع المكتوب إذ أن الفقه والقضاء معه يأخذ بها ويجعلها أسباب مبررة تمحوا الجريمة وتعطل الركن القانوني، وهو ما يعبر عنه ب”استعمال الحق أو اذن القانون” (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أمر القانون وإذن السلطة الشرعية
تعرض المشرع المغربي إلى هذا السبب في الفقرة الأولى من الفصل 124 ق.ج، عندما نفى ترتب أية جريمة سواء جناية، جنحة أو مخالفة عن اتيان الفعل إذا كان قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية[40].
إذ يتمتع بعض الأشخاص بحكم القانون بمزية استعمال السلطة العامة في مواجهة غيرهم، وإن ترتب على ذلك الاستعمال مساس بمصالح خاصة يحميها القانون الجنائي، كما هو الأمر بالنسبة لضباط الشرطة القضائية في إطار البحث التمهيدي، أو قاضي التحقيق في إطار التحقيق الإعدادي لما يمارسان الاختصاصات المخولة لهما قانونا ويترتب على ذلك انتهاك لحصانة منزل من المنازل أو المساس بحرية شخص، فإن فعلهما هذا لا يعد جريمة معاقب عليها؛ كونهما قاما بذلك تنفيذا لما أوجبه القانون وأمر به.
فدراسة تنفيذ أمر القانون كسبب من أسباب الاباحة، يقتضي منا دراسة ماهية هذا السبب في حذ ذاته، من خلال تبيان المقصود به (أولا)، وكذا تحديد الشروط المتطلبة في أوامر القانون وفرضيات إعماله حتى يعد سببا من أسباب التبرير (ثانيا).
- أولا: مفهوما “أمر القانون” و ” إذن السلطة الشرعية”:
لقد ثارت مسألة البحث في معنى أوامر القانون، وما إن كان يقصد بها أوامر القانون الجنائي فقط أم غيره من القوانين الأخرى، واستقر الرأي على أن المقصود بالقانون هنا هو القانون بمعناه الواسع أي ما يصدر عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية في إطار سلطتها التنظيمية، غير أن الفقه الحديث ذهب إلى حد التوسع في معنى كلمة قانون فأدخل في الأفعال المبررة حتى تلك التي تستند إلى العرف وقواعد المجاملات وكذا إلى الشريعة الإسلامية[41]. لكن ما يجب التنبيه إليه، أنه لا يمكن إدخال الرخص الادارية في مجال التبرير؛ كالترخيص ببيع دواء من الأدوية الذي تسلمه الادارة المختصة[42].
الدليل العملي للعقار غير المحفظ
فأمر القانون هو كل الحالات التي يأمر فيها القانون أو يجيز فيها القيام بفعل من الأفعال، وقد يكون هذا الأمر صريحا أو ضمنيا، ومن أمثلة الأمر الصريح للقانون ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 446 ق.ج؛ بالنسبة لبعض الأشخاص كالأطباء والمولدات…الذين يجوز لهم أو يجب عليهم التبليغ عن سر يصل إلى علمهم في حالات معينة، وذلك تطبيقا للمرسوم الملكي رقم 65-1554 ل 26-06-1967[43]، والذي ينص الفصل الأول منه على ما يلي “إن حالات الأمراض الجاري عليها الحجر الصحي والأمراض المعدية أو الوبائية الموضوعة قائمتها بقرار لوزير الصحة العمومية يجب التصريح على الفور من طرف أصحاب المهن الطبية الذين أثبتوا وجودها…”، هذا ما يبطل نص الفصل 446 من القانون الجنائي والذي يعاقب على الاخلال بالسر المهني، كما يتضمن قانون المسطرة الجنائية في المادة 76؛ ترخيص لأي شخص بأن يقوم بضبط شخص متلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالسجن ويسوقه إلى مركز الشرطة.
من جهة أخرى؛ نجد الترخيص الضمني للقانون مثل القانون المنظم لمهنة الطب، إذ يبطل تطبيق الفصلان 401 و402 ق.ج المتعلقان بالإيذاء، إذ لا يتصور متابعة طبيب من أجل جريمة الجرح أو الايذاء أثناء تقديمه للعلاجات الطبية أو الأعمال الجراحية؛ إلا حين تجاوزه ما يفرضه عليه قانون المهنة ويقصد من وراء تدخله الايذاء الفعلي للمريض[44].
ولتوضيح مفهوم السلطة الشرعية، يجب توضيح المقصود بالسلطة والمقصود بالشرعية؛ فالسلطة التي يقصدها الفصل 124-1 من القانون الجنائي هي السلطة العمومية، ومن ثم فلا يدخل في عداد السلطة المقصودة سلطة الوالدين على أولادهم مثلا، أو سلطة الرجل على زوجته، أي كل سلطة غير عمومية[45]، أما المقصود بالسلطة الشرعية؛ فهو كون هذه السلطة منصبة بطريقة قانونية، سواء سلطة مدنية كانت أم عسكرية مختصة قانونا بإصدار الأوامر إلى مرؤوسيها[46].
يبدو من ظاهر الفقرة الأولى من الفصل 124 أنه لتبرير الفعل وإباحته يقتضي ضرورة توافر شرطين متلازمين، وهما أن يكون الفعل قد أوجبه القانون من جهة ثم أن يكون هذا الفعل قد أمرت به السلطة الشرعية من جهة أخرى، غير أن اشتراط أمر القانون وحده ينهض أحيانا ويعتبر كافيا لتبرير الأفعال دونما توافر أمر السلطة الشرعية[47].
فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذه الحالة هو، هل من الضروري اجتماع الشرطين معا لقيام سبب التبرير، أم يكفي توافر أحدهما دون الآخر؟.
- ثانيا: شروط التبرير في حالة أمر القانون:
للإجابة عن التساؤل المطروح حول ضرورة اجتماع شرطي أمر القانون وإذن السلطة الشرعية معا، أم مجرد توافر أحدهما فقط، سنورد الفرضيات التي يمكن أن ترتكب فيها الأعمال بأمر القانون أو بأمر من السلطة الشرعية.
- فرضية توافر أمر القانون وإذن السلطة الشرعية:
في حالة وجود أمر القانون وصدور أمر عن السلطة الشرعية للقيام بفعل ما، فإن ذلك الفعل يكون مبررا ولا يمكن المتابعة عنه؛ فمثلا عند صدور حكم بالإعدام فإن العسكري الذي يقوم بتنفيذه بأمر من وزير العدل طبقا لمقتضيات المادة 602-3 من (ق.م.ج) المتعلقة بتنفيذ عقوبة الإعدام؛ يكون نفذ أمر القانون وأمر السلطة الشرعية ولا يمكن متابعته من أجل جريمة القتل العمد (الفصل 392 ق.ج)[48]، إذ أنه في معظم الحالات يتطلب المشرع ضرورة توافر أمر القانون مع إذن السلطة الشرعية مستهدفا بذلك صيانة حقوق المواطنين وحرياتهم، ويتحقق هذا عندما يخاطب المشرع بأوامر الرؤساء[49]، كما في المثال السابق؛ إذ لا يجوز للمرؤوسين تنفيذ هذه الأوامر إلا إذا أذن لهم الرؤساء، فبالرغم من صدور الحكم بالإعدام على المتهم واكتسابه قوة الشيء المقضي به إلا أنه لا يمكن تنفيذه بغير إذن وزير العدل، وإن تم ذلك اعتبر جريمة معاقب عليها، كذا لا يجوز للقوة العمومية استقدام المتهم أو إلقاء القبض عليه إلا إذا تلقى الأمر بذلك من قاضي التحقيق (المادة 146 ق.م.ج).
يجب التنبيه إلى أنه بالرغم من توافر أمر القانون وإذن السلطة الشرعية معا، يشترط لاستغلال السلطة المستمدة منهما حسن النية، أي أن يستهدف المعني بالأمر بفعله تحقيق غرض المشرع من تقرير ذلك الحق وأن لا يقصد الاضرار أو التعسف عن حقوق الغير[50].
- فرضية توافر أمر القانون لوحده في تبرير الفعل:
في بعض الحالات يكون أمر القانون وحده كافيا لإباحة الفعل الذي ارتكب تنفيذا لذلك الأمر، وذلك عندما يتوجه القانون مباشرة إلى جهة معينة ويعطيها سلطة القيام بعمل معين دونما الحاجة إلى إذن صادر عن أية جهة[51]، إذ يكون فعل منفذ الأمر مبررا مهما شكل من اعتداء على مصالح الأفراد المحمية جنائيا، مادام يستمد سلطته هذه من القانون مباشرة[52]، ويتحقق ذلك في حالتين:
دليل النيابة العامة في شأن كفالة الأطفال المهملين
الحالة التي يتوجه فيها القانون بالخطاب إلى الأشخاص الذين تكون مهمتهم القيام بتنفيذ أوامر القانون مباشرة، وهنا تكون أفعال هؤلاء مبررة، حيث أن هذا التصرف يأتيه الفاعل تنفيذا لنص قانوني، وإن كان الفاعل مرؤوسا وأمره القانون بالقيام بعمل فإنه لا يحتاج إلى إذن من سلطة ما لكي ينفذ أمر القانون[53]، كالطبيب الذي يصرح ببعض الأمراض المعدية تنفيذا لأمر القانون، إذ لا يمكن متابعته بجريمة إفشاء السر المهني؛ ففي هذه الحالة يستمد الشخص المأمور سلطته مباشرة من القانون، وكذلك الشأن بالنسبة لقاضي التحقيق الذي يلقي الأمر بالقبض على المتهم أو تفتيش منزله فلا يعتبر مرتكب لجريمتي المس بالحرية الشخصية أو انتهاك حرمة المنزل (المادة 142 ق.م.ج).
الحالة الثانية والتي يكون فيها أمر القانون موجه إلى العموم؛ فمن يضبط مجرما متلبسا بالجريمة ويسوقه إلى مركز الشرطة فعله هذا يعد مبررا استنادا إلى أمر القانون وحده، الوارد في نص الفصل 76 من ق.م.ج؛ أنه “يحق في حالة التلبس بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس لكل شخص ضبط الفاعل وتقديمه إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية”.
إلا أنه تجدر الإشارة أن في بعض الحالات التي يتوجه فيها القانون بالخطاب إلى الرؤساء مباشرة، فلا يكفي توافر أمر القانون لوحده لتبرير الفعل، إذ من الضروري توافر أمر السلطة الشرعية معه، كحالة تجديد فترة وضع المشتبه به تحت الحراسة النظرية لأكثر من 48 ساعة، بحيث لابد فيها من إذن النيابة العامة وإلا اعتبر اعتقالا تعسفيا عملا بالفصل 225 (ق.م.ج)[54].
ج- فرضية توافر إذن السلطة الشرعية دون أمر القانون:
يقصد بهذه الحالة التي يصدر فيها الرئيس أوامر غير مشروعة لمرؤوسيه، أي يأمره بارتكاب أفعال جرمية، إذ يطرح التساؤل هنا حول إمكانية اعتبار ما اقترفه المرؤوس من عمل مبرر استنادا إلى أوامر رئيسهم وبالتالي فإن هذا الأخير هو من يتحمل تبعة هذا الخرق، أم أنه إذا قام المرؤوس بتنفيذ أوامر رئيسه يكون قد ارتكب أفعال مخالفة للقانون ومنه يعاقب عليها.
يظهر أن صياغة الفقرة الأولى من الفصل 124 (ق.ج)، تفيد أنه لا يمكن أن يكتفى بإذن السلطة لوحده، وإنما يتطلب معه توافر أمر القانون إذ تشترط الفقرة لقيام التبرير أن يكون الفعل قد أوجبه القانون أولا، ثم أمرت به السلطة الشرعية إذ أنه متى نفذ المرؤوس أمرا غير قانوني صادر عن رئيسه فإنه يسأل جنائيا، إلا أن المشرع الجنائي ينص على أن المأمور الذي ينفذ أمر رئيسه في نطاق اختصاصاته التي يجب عليه طاعته فيها، يتمتع بعذر معفي من العقاب كما تنظمه الفصول 143-144-145 (ق.ج)، فهو لا يتمتع كما قد يفهم بسبب التبرير الذي ينص عليه الفصل 124-1 (ق.ج)[55]؛ وذلك متى قام بتنفيذ أمر صادر إليه من رئيسه وكان هذا الأمر غير مشروع إلا أن الرئيس يعد مسؤولا جنائيا عن العمل غير المشروع الذي قام به المرؤوس استنادا إلى ما ورد في الفصل 225 من القانون الجنائي على أنه “إذا اثبت أنه تصرف بناء على أمر صادر من رؤسائه في مادة تدخل في نطاق اختصاصاهم ويوجب عليهم طاعتهم، فإنه يتمتع بعذر معفي من العقاب، وفي هذه الحالة تطبق العقوبة على الرئيس الذي أصدر الأمر وحده…”، وهذا ما أكد عليه المشرع أيضا في الفصل 258 من القانون الجنائي[56].
ومن شروط إعمال الفصلين أن يكون قد نفذ الأوامر الصادرة إليه من رؤسائه في نطاق الاختصاصات التي يجب طاعتهم فيها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أنه الإعفاء المقرر للمرؤوس يؤكد على أن الفعل يعد جريمة، والمسؤولية عنه ثابتة بالنسبة للمرؤوس كفاعل رئيسي والرئيس كمشارك، وكل ما في الأمر أنه رأى إعفاء المرؤوس المنفذ للأمر المنافي للقانون الصادر إليه من الرئيس، على أن لا يكون هذا الأمر واضح الدلالة على مخالفة القانون[57]، أو لا يثير أي شك في كونه ليس من اختصاص الرئيس، إذ في هذه الحالة لا يعفى المرؤوس من العقاب؛ بحيث يعاقب كفاعل أصلي للجريمة ويعاقب الرئيس كشريك معه وذلك تطبيقا لقواعد الاشتراك المنصوص عليها في الفصل 129 من القانون الجنائي[58].
هذا من الناحية التشريعية، أما من الناحية الفقهية فقد ظهرت آراء مختلفة وذلك بحسب نوع العلاقة التي يلزم أن تربط الرئيس بالمرؤوس والتي يتحدد نطاقها في ظل ثلاثة أنظمة وهي كالتالي:
- نظام الطاعة العمياء:
في ظل هذا النظام لا يسمح بتاتا للمرؤوسين بمناقشة أوامر رؤسائهم وإن كانت غير مشروعة كما هو الحال في الميدان العسكري.
ومن الطبيعي أن يعتبر المرؤوس الذي ينفذ أوامر رؤسائه غير الشرعية في ظل هذا النظام غير مرتكب شخصيا لأية جريمة، بحيث يعد الأمر الصادر إليه من رؤسائه سببا مبررا لفعله، لكن يبقى الرئيس مسؤولا من الناحية الجنائية عن النشاط الذي أتاه المرؤوس بناء على أوامره المخالفة للقانون[59].
دليل عملي في مجال التعمير
إلا أن العيب في هذا النظام أنه يفرض على المرؤوس نوعا من المساهمة القسرية في مخالفة القانون، لذلك وجد إلى جانبه نظام آخر بديل[60].
2- نظام الحراب الذكية:
يوجب هذا النظام على المرؤوس أن يقدر مشروعية الأوامر الصادرة إليه من رئيسه، وأنه لا واجب على المرؤوس في طاعة رئيسه فيما هو غير شرعي، ويقع على عاتقه واجب مناقشة أوامر الرئيس شكلا ومضمونا لمعرفة مدى مشروعيتها قبل تنفيذها[61].
إذ بحسب هذا النظام، فإن المرؤوس لا يمكنه أن يحتمي من أجل تبرير فعله وراء أوامر رؤسائه، إذا كان مدركا لعدم مشروعيتها[62]، إلا أنه يعاب على هذا النظام إعطاؤه للمرؤوس سلطة مناقشة أوامر رئيسه والاعتراض عليها مما قد يؤدي إلى عرقلة كثير من الأنظمة القائمة على الطاعة المطلقة كما هو الشأن في النظام العسكري، إذ لا يتماشى هذا النظام وواجب الانضباط العسكري.
3- النظام التوفيقي:
وهو نظام يقوم على أساس التمييز بين الأمر غير القانوني والتي تكون عدم مشروعيته ظاهرة، ومنه يلزم المرؤوس الامتناع عن تنفيذه وإلا اعتبر مسؤولا عن نتائج أفعاله باعتباره فاعلا أصليا إلى جانب الرئيس الذي يعد مشاركا، وبين الأمر الذي تشوب مشروعيته نوع من الغموض ومنه فإن تنفيذ المرؤوس للأمر يعتبر سببا مبررا بالنسبة إليه، أما الرئيس فيعاقب باعتباره فاعلا معنويا[63].
الفقرة الثانية: إذن القانون كسبب مبرر للجريمة
- أولا: أساس الاباحة بإذن القانون:
إن تقرير حق لشخص يبيح له بالضرورة استعماله حتى ولو كانت صور هذا الاستعمال تشكل جريمة، وعلى خلاف مجموعة من التشريعات المقارنة التي أباحت لبعض الأشخاص وأذنت لهم باستعمال مجموعة من الحقوق التي لا تقرر إلا لفئة معينة، ومن أمثلة هذه الحقوق “حق التأديب، ممارسة الأعمال الطبية وكذا حق ممارسة الألعاب الرياضية”، وإن كانت هذه التشريعات نصت صراحة على هذه الحقوق وبررت استعمالها[64]، نجد أن المشرع المغربي قد سكت عنها ولم يشر لها في نص الفصل 124، وهذا لا يمنع القياس عن تلك الاسباب المشار إليها صراحة؛ إذ تجد هذه الحالات أساسها في القانون صراحة، سواء كانت قاعدة تشريعية أو قاعدة عرفية أو قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية[65]، باعتبارها مصادر تكميلية للنصوص التشريعية شريطة أن لا تخالفها.
إذ يعتبر إذن القانون أو “استعمال الحق” كما يعبر عنها الفقه، تلك الحالات التي يجيز أو يأذن فيها القانون لشخص معين بالقيام ببعض الأفعال التي تعد جرائم معاقب عليها لو ارتكبت خارج هذا الإذن، غير أنها عكس أمر القانون، فهي حالات تعد مجرد رخصة من المشرع له أن يمارسها أو يتركها؛ بحيث إذا لم يرتكبه صاحب الحق لا يتعرض للمؤاخذة التأديبية أو الجنائية[66]، ذلك على عكس أمر القانون أو أمر السلطة الشرعية؛ إذ يفرض القانون هنا واجب الامتثال لها وأداء الفعل الذي يؤمر به وإلا تعرض للمساءلة الادارية أو الجنائية[67]، فحق التأديب مثلا؛ مخول بمقتضى الشريعة الإسلامية للأب في تأديب الابن، وللزوج في تأديب زوجته؛ لكن يكون هذا الحق اختياريا، فلأي منهما حق استعماله ـ ذلك في إطار شروط معينة ـ من عدم استعماله.
- ثانيا: تطبيقات إذن القانون:
تأذن القوانين بممارسة حقوق متعددة ومتباينة، ومن غير الممكن حصر كل حالات الاباحة بإذن القانون، لذلك نتعرض إلى أهم التطبيقات التي يكثر وقوعها وتثير بعض جوانبها الجدل، وهي حق التأديب، حق مباشرة الأعمال الطبية ثم حق ممارسة الألعاب الرياضية، وسنعالج كل حالة على حدة:
- حق التأديب:
يستمد حق التأديب وجوده من أحكام الشريعة الإسلامية، إذ أنه مقرر شرعا أن للزوج حق تأديب زوجته، وللأب حق تأديب ابنه وللمعلم حق تأديب تلميذه، لكن هذه الحقوق أصبحت تعرف تضييقا وبالخصوص عند تجاوز حدود التأديب.
- تأديب الأبناء:
لقد أغفل المشرع المغربي النص صراحة على هذا الحق، وخلافا لذلك فقد دعت الشريعة الإسلامية إلى تأديب الصغار وتهذيبهم من أجل اعدادهم وتكوينهم[68]، لكن نجد أن مدونة الأسرة في المادة 54 أن للأبناء على آبائهم الحق في التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم …واجتناب العنف المفضي للإضرار الجسدي والمعنوي، وهذا ما يفيد بمفهوم المخالفة أنه يمكن للآباء اللجوء لاستعمال الضرب من أجل التهذيب، ما دام الضرب لا يخرج عن نطاق الأصول التربوية المتعارف عليها[69]، ويخول هذا الحق لكل من الأب والأم على السواء أو الوصي الشرعي، ومن المتفق عليه أن الضرب المباح للتأديب يجب أن يكون في الحدود المقررة شرعا أو عرفا؛ بحيث لا يكون شديدا كاللوم أو التعنيف وألا تتجاوز شدته اعتبارات التهذيب أو الضرب الخفيف مع مراعاة شروط الشريعة الإسلامية[70]، فإذا زادت وسائل التأديب أو كان المقصود الايذاء أو الانتقام، أو كان سيء النية يخفي قصدا اجراميا تحت ستار استعمال حق التأديب، ففي هذه الحالة لا يستفيد الفاعل من الاعفاء أو التبرير، ويكون مسؤولا جنائيا عن فعله[71]، ففي حكم جنائي عدد 339[72] الصادر عن المجلس الأعلى في 13 فبراير 1969، قضى برفض طلب نقض حكم جنائي عدد 40/67 القاضي بإدانة الأب بجريمة الضرب والجرح المفضيين للموت دون نية القتل، على أساس أن “العارض قد ضرب وجرح ابنه الضحية بمطرقة من حديد قصد تأديبه فقط، يفيد حتما قيام القرائن الكافية على أن هذا الفعل الايجابي من قبل المتهم صدر على وجه العمد” “غير أن الضربات صادفت جمجمته التي تكسرت مرتين ومات على إثر نزيف دموي”، وهذا ما يفيد تجاوز حدود التأديب باستعمال وسائل عنيفة وهذا ما لا يجوز في التأديب، وعلى غرار ذلك، فقد ذهبت أحد الأحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي على أن “التعذيب الجسدي لا يعد من نظام تربية الطفل[73]“، أما بالنسبة للمعلمين أو المربين؛ فإن أصول التربية الحديثة قد منعت استعمال الضرب في تربية التلاميذ وتعليمهم.[74]
- تأديب الزوجة:
على خلاف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة التي كانت تقضي في المادة 209 أن للزوج حق تأديب زوجته تأديبا خفيفا عن كل معصية لم يرد بشأنها حق مقرر، حيث لا يجوز له أصلا ضربها ضربا فاحشا ولو بحق، نجد أن مدونة الأسرة لم تأتي بنص صريح في ذلك، وعلى هذا فبرجوعنا لأحكام الشريعة الإسلامية، فإنه يجوز للزوج تأديب زوجته الناشز ـ العاصية ـ بالضرب غير المبرح[75]، استنادا لقوله تعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا…} ـ سورة النساء الآية 34 ـ إذ يثبت هذا الحق للزوج فقط بعقد زواج صحيح، وهذا الحق لا تجوز فيه الإنابة، وإذ انقضت الرابطة الزوجية انقضى معها هذا الحق، ومن حيث الوسيلة فلا يجوز للزوج تأديب زوجته بالضرب إلا بعد استنفاذ وسيلة الوعظ ثم وسيلة الهجر في المضجع، والضرب المباح هو الضرب الخفيف الذي لا يترك في الجسم أثرا[76]، إذ يجب أن يتقيد الزوج بالغاية التي شرع من أجلها حق التأديب وهي تهذيب الزوجة بنية الاصلاح والرجوع إلى الطريق السوي[77]، أما إذا كان يقصد به الانتقام أو الإهانة فإن الزوج لا يتمتع بالإذن، وفي هاته الحالة يمكن للزوجة المتضررة وبمقتضى أحكام مدونة الأسرة التي تخول للزوجة التي تثبت وقائع الضرر طلب التطليق للضرر، إذ يمكن أن يكون الضرر ماديا أو جسمانيا كالضرب والجرح كما يمكن أن يكون معنويا كالسب والإهانة[78]، وتعد هذه أسباب تخول للزوجة حق طلب التطليق للضرر[79].
وهناك من يجيز تأديب المخدوم، إلا أنه الملاحظ أن إجازة القانون في هذه الحالة غير منطقية، لأن الرابطة القانونية التي تجمع بين الاثنين هي رابطة عمل وليست رابطة رقابة وإشراف وتربية.
2- حق ممارسة الأعمال الطبية:
إن كل مساس مقصود بجسم الإنسان يشكل اعتداء على حقه في سلامته الجسدية والصحية، غير أن العمليات الجراحية والعلاجات الطبية التي يجريها الأطباء على مرضاهم تخرج من نطاق التجريم، ذلك أن القانون من خلال اعترافه بمهنة الطب[80]؛ بمقتضى ظهير 367-59-1 بتاريخ 19-02-1960 ج.ر عدد 2469 والخاص بمزاولة مهن الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان والعقاقيريين والقوابل، إذ تستلزم الأعمال التي يقوم بها الأطباء في معالجتهم لمرضاهم أن يحدثوا أحيانا في أجساد المرضى جروحا أو يضطرون في أحيانا أخرى إلى بثر عضو من أعضاء الجسم، فمتى كان الطبيب المرخص له قانونا بممارسة مهنة الطب ونتج عن هذه الممارسة وفاة المريض الذي كان يعالجه أو حدث له عجز دون قصد من الطبيب فإن هذا الأخير لا يسأل جنائيا[81]، ما دامت قد تمت بقصد العلاج.
إذ يشترط لإباحة هذه الأعمال؛ أن يكون من أجراها طبيبا مختصا مرخص له قانونا بمزاولة المهنة، وثانيا أن يرضى المريض بإجراء هذه الأعمال الطبية صراحة أو ضمنا[82] ـ ونشير هنا إلى أن بعض التشريعات كالتشريع الفرنسي من خلال القانون المؤرخ في 22-04-2005 والذي بسماحه للمريض برفض العلاجات فإنه يسمح للطبيب بتركه يموت وبالتالي ينفذ من الملاحقة لعدم تقديم المساعدة لشخص في خطر[83] ـ، إلا أنه في مجموعة من الحالات الضرورية تقتضي تدخل سريع من الطبيب لإنقاذ حياة المريض وإن لم يكن هناك رضى من طرفه، إلا أنه يكون أساس الاباحة هنا هو قيام حالة الضرورة[84]، كما يشترط أن تكون هذه الأعمال بقصد العلاج؛ فلا يجوز إجراء تجربة علمية مثلا بداعي الاستفادة من التبرير إذ يعتبر والحالة هنا مرتكب لجريمة معاقب عليها.
ويثار التساؤل حول مدى مشروعية مجموعة من الأعمال التي يقوم بها الأطباء منها عمليات التجميل؛ إذ تعتبر من الأسباب المبررة متى كان القصد منها العلاج الجسدي كإزالة التشوهات الواضحة في الوجه مثلا، أما بخصوص عمليات الإجهاض فلا تعد من أسباب التبرير؛ إذ تشكل جريمة يعاقب عليها القانون ( الفصول 449-451 ق.ج)، إلا إذا كانت حالة المريضة الجسدية تستدعي ذلك، وكانت العملية ضرورية لإنقاذ حياة الأم، أو لوقايتها من اضطرابات صحية أو خلل عضوي يسببه الحمل أو الولادة[85]، طبقا لنص الفصل 453 من القانون الجنائي.
3- حق ممارسة الألعاب الرياضية:
درج الناس منذ القدم على ممارسة الألعاب الرياضية لما تحققه من مصلحة للفرد والمجتمع، ولعل ذلك هو علة تبرير هذه الألعاب رغم ما يترتب عنها من عنف أو إيذاء، حيث من الألعاب ما يفرض استعمال القوة ضد الخصم كالمصارعة والملاكمة[86]، وتجدر الإشارة إلى أن تبادل الأذى واستعمال العنف في المباريات يكون مشروطا بالاعتراف القانوني بذلك النشاط الرياضي ولو محليا إذ لا يشترط الاعتراف الدولي به، وأن تكون الأعمال الرياضية الجارية متناسقة ومنطقية مع قواعد اللعبة المتعارف عليها سواء كانت هذه القواعد مكتوبة أو عرفية[87]، فإذا تعمد اللاعب الخروج عن هاته القواعد وأصولها وأحدث إصابة اللاعب الآخر اعتبر مسؤولا عن جريمة عمدية، أما إذا ترتبت الإصابة نتيجة إهمال اللاعب اعتبر مسؤولا عن جريمة غير عمدية[88].
ففي كل الأحوال، فإن الالتزام بقواعد اللعبة يقتضي أولا وقبل كل شيء أن يأتي اللاعب اللعبة عن حسن نية، فلا تحركه الضغينة ولا رغبة الانتقام، فيكون رائده الالتزام بالغاية الشريفة التي كانت وراء تلك الإصابات التي تعتبر في الأصل جرائم معاقب عليها قانونا[89].
المطلب الثاني: الأسباب المطلقة للإباحة
بالرجوع إلى أسباب التبرير المطلقة، نجد أن المشرع المغربي قد أورد حالتين في الفصل 124 و125 من القانون الجنائي، وهما حالة “الدفاع الشرعي” وحالة “الضرورة”، فالدفاع الشرعي أو الدفاع عن النفس هو حق منحه المشرع المغربي بموجب الفقرة الثالثة من الفصل 124، ثم أورد حالات خاصة له في الفصل 125؛ يلزم لتوافرهما شروط محددة سواء في فعل الاعتداء أو في فعل الدفاع، هذا ما سنحيطه بالدراسة في (الفقرة الأولى)، على أن ندرج أهم الإشكالات التي تطرحها حالة الضرورة سواء من ناحية تكييفها القانوني أو تشابهها من بعض الحالات المتقاربة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حالة الدفاع الشرعي
- أولا: ماهية حالة الدفاع الشرعي:
من المبادئ المستقر عليها في القانون أنه لا يجوز للشخص أن يقتص لنفسه بنفسه، فكل القوانين الجنائية ترفض فكرة الانتقام حتى لا تسود الفوضى وعدم الاستقرار في المجتمع، إذا ما أصبح كل من يتعرض للاعتداء يدفعه بنفسه، إلا أن الدفاع الشرعي استثناء من الأصل العام، إذ من الأسباب التي دفعت المشرع إلى النص على هذا الحق أن مستعمله لا يصدره عن سوء نية وإنما يهدف فقط إلى حماية نفسه أو غيره أو ماله أو مال غيره[90].
ففكرة الدفاع الشرعي أو دفع الصائل[91]، حق يمنحه المشرع للمجني عليه الذي حل به خطر غير مشروع يهدد نفسه أو ماله أو غيره نتيجة اعتداء الجاني[92]، فهو استخدام القوة الازمة لمواجهة اعتداء غير محق يهدد بضرر يصيب حقا يحميه القانون[93]، وهو سلامة المعتدى عليه أو غيره.
وقد اعترفت جل التشريعات بالدفاع الشرعي القديمة منها والحديثة، وحتى التشريعات التي لم تقنن نظرية الدفاع الشرعي في نصوص تشريعية صريحة فإن القضاء يأخذ فيها بالنظرية على أساس أنها مجرد تطبيق لنظرية استعمال الحق أو ممارسة الحق بدون تعسف أو إساءة[94].
هذا فإن كان التبرير نتيجة اتيان فعل يعتبر جريمة أثناء ممارسة الشخص لحق الدفاع الشرعي متفق عليه ولا خلاف بشأنه فقها وقضاء، فإن الأساس الذي يقوم عليه مازال لم يستقر عليه بعد فقها.
فهناك نظرية تقضي بأن الدفاع الشرعي تستدعيه ضرورة حالة تولد عند صاحبها إكراها معنويا ورد فعل تلقائي؛ يجعله يواجه الخطر المحدق به باعتداء لدفع ذلك الخطر، وفي هذه الحالة يعتبر مجرد مانع من موانع المسؤولية[95]، إلا ما يعاب على هذه النظرية كون المعتدى عليه لا يفقد حريته كليا أثناء ممارسة الدفاع؛ وإنما يظل قادرا على الخيار بين أن يصاب بالضرر نتيجة العدوان أو أن يرد المهاجم ويلحق به الأذى.
ونظرية أخرى تقضي بأن الدفاع الشرعي يشكل ممارسة لحق، إذ يكون من حق الشخص الذي يهدده اعتداء حال أن يرده بالقوة، كونه في هذه الحالة يحل محل القوة العمومية التي تكون غائبة وقت الاعتداء، وهو يسمح بدفع الاعتداء ليس في ذاته فقط بل في ماله كذلك[96]، ومن ثم فإن هذا الاستعمال يؤدي إلى تبرير إتيان الجريمة ومحوها أصلا، وقد أخذ المشرع بهذا الرأي عندما قال “لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة…إذا كانت الجريمة قد استلزمتها حالة للدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء”.
فالدفاع الشرعي على هذا الأساس يبيح كل الأفعال التي يأتيها المجني، وعليه فإنه يفترض فعل اعتداء يهدد بالخطر، وفعل دفاع ضد هذا الاعتداء، فما الشروط التي يجب توافرها في كلا الفعلين حتى نكون بصدد حالة من حالات التبرير وهي الدفاع الشرعي؟.
- ثانيا: شروط حالة الدفاع الشرعي:
يجب التمييز عند الحديث عن شروط الدفاع الشرعي بين نوعين منها، شروط تتعلق بفعل الاعتداء، وأخرى متعلقة بفعل الدفاع.
- شروط فعل الاعتداء:
الشرط الأول: أن يكون فعل الاعتداء على النفس أو المال:
سوى المشرع المغربي فيما يخص وجوب الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء منصب على النفس أو المال متعلقا بشخص المعتدى عليه أو بغيره[97]، فلم يشترط المشرع أية علاقة بين من يقوم برد العدوان بالدفاع الشرعي عن نفس الغير أو ماله وبين هذا الغير، فقد تربطه به علاقة قربى أو صداقة، كما يمكن أن يكون بعيدا عنه لا تربطه به أية علاقة أو معرفة[98].
والنفس هنا يجب أن تحمل على معنى واسع، بحيث تشمل كافة الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان، فلا يقصد بالعدوان على النفس مجرد الاعتداء على الحياة، وإنما ينصرف ذلك إلى جرائم القتل، الضرب وهتك العرض، حيث يعتبر الاعتداء على العرض اعتداء على النفس، وفي هذا قرار أصدره قاضي التحقيق في شأن وقائع حادثة قتل قامت بها فتاة في مواجهة شخص أراد اغتصابها بالقوة حيث قضى بعد المتابعة، اعتمادا على الفصل 124/3؛ معتبرا أن الفتاة المحاول اغتصابها من طرف المقتول كانت في حالة دفاع شرعي صحيح، وبأن رد فعلها الذي نشأ عنه قتل المعتدي متناسبا مع فعل الاعتداء الذي تمثل في ادخالها بالقوة والعنف تحت تهديد السلاح وارغامها على نزع ثيابها لمواقعتها[99].
أما فيما يخص جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار كالسب والقذف فلا تبرر الدفاع الشرعي، كونها لا تمس بالسلامة الجسدية للشخص أو حريته، لكن يجوز للمعتدى عليه أن يقوم بإتلاف ما تتضمنه من عبارات السب أو التشهير في حقه دونما اللجوء إلى العنف.
وقد أباح المشرع أيضا الدفاع الشرعي ضد أي جريمة تشكل اعتداء على المال دون إجراء أي تمييز حول مشروعية الأموال التي يدافع عنها المعتدى عليه، ومن ثم يجوز لحائز المواد المخدرة أو السلاح بدون ترخيص أن يقاوم من يحاول أن يأخذ هذه الأموال، وذلك على أساس أن العقاب على حيازة هذه الأموال غير المشروعة من اختصاص الدولة ممثلة في سلطاتها العامة وليس للأفراد العاديين دخل في ذلك[100].
وإن كان المشرع قد أباح الدفاع الشرعي ضد كل اعتداء يهدد النفس أو المال وجعل هذا الدفاع مطلقا في مواجهة جميع الجرائم، فإن عبء إثبات حالة الدفاع الشرعي تقع على من يريد الاستفادة من الفصل 124، والمحكمة ليست ملزمة بإثارة ذلك من تلقاء نفسها[101]، ويتعين على المحكمة التثبت من توافر قيام عناصر حالة الدفاع الشرعي عن النفس لدى الجاني، وعدم الجواب على الدفع المتعلق بحالة الدفاع الشرعي المثار أمام محكمة الموضوع يعتبر مسا بحقوق الدفاع ويعرض القرار للنقض[102].
الشرط الثاني: أن يكون فعل الاعتداء غير مشروع:
ليبرر للفرد رد اعتداء حال عن النفس أو المال بالقوة، فلا بد أن توجه هذه القوة ضد اعتداء غير مشروع، وبمفهوم المخالفة فلا يجوز مواجهة فعل مشروع كمطاردة رجل الشرطة لمجرم في حالة تلبس، إلا أنه تواجهنا مجموعة من الحالات يصعب معها تقرير عدم شرعية الاعتداء، وبالتالي إمكانية استعمال الدفاع الشرعي من عدمه، وسندرج أهم الحالات المطروحة[103].
فإذا كان من واجب الفرد الامتثال للأشخاص الذين يمثلون السلطة العامة وعدم عصيانهم، فإن ذلك مقصور فقط على الأوامر والأفعال الصادرة عنهم والتي تتماشى مع ما يقضي به القانون[104]، فما القول في الحالة التي تصدر عنهم تصرفات غير مشروعة، وقد وجدت بهذا الصدد ثلاث نظريات:
النظرية الأولى: وتعتبر أن الدفاع يكون مشروعا في حالة تعرض الشخص للاعتداء ولو كان صادرا من أحد رجال السلطة العامة، لأن دفاع الشخص عن نفسه في هذه الحالة لا يعتبر عصيانا، مادام تصرف رجال السلطة العامة لا يرتكز على إذن قانوني[105].
النظرية الثانية: وترى أنه لا يجوز مطلقا استعمال حق الدفاع الشرعي ضد رجال السلطة مهما كانت أعمالهم غير قانونية ذلك على أساس افتراض أن أوامر السلطة تكون دائما مشروعة، وهو موقف كل من القضاء المغربي والفرنسي[106].
النظرية الثالثة: تقول بتمكين الشخص من الدفاع عن نفسه تجاه أعمال رجال السلطة العامة إذا كانت عدم مشروعيتها ظاهرة للعيان، وسلبه من هذا الحق حين تكون عدم المشروعية غير ظاهرة[107].
كما يطرح التساؤل حول إمكانية اللجوء للدفاع الشرعي في مواجهة من يتمتع بعذر قانوني، ويبرز ذلك على الخصوص في الحالة التي يفاجئ فيها الزوج زوجته وعشيقها ـأو العكس[108]ـ بالخيانة الزوجية، فيبادر الزوج بمحاولة قتلهما كونه يتمتع بعذر مخفف للعقوبة، إذ يحق للزوجة أو لشريكها في هذه الحالة أن يقاومان أفعال الاعتداء التي تصدر عن الزوج، ومعنى هذا أن أفعال الزوج تكون غير مشروعة وتبيح للمعتدى عليه الدفاع عن نفسه.
ومن الحالات الأخرى التي تثير جدلا كون الاعتداء غير المشروع يقتضي أن يكون مصدره أهلا للمساءلة الجنائية أم لا، وقد تعرضت بعض التشريعات بحكم صريح، بحيث أباحت للشخص الرد على الاعتداء الصادر عن المجنون والصبي كالقانون الجزائي الكويتي، أما بالنسبة للقانون المغربي فلا يوجد أي نص صريح يقرر حكما لهذه النازلة، لكن بعض الفقه يرى بأن الذي يتعرض لعدوان من شخص غير أهل للمساءلة الجنائية يجوز له الدفاع في مواجهته ولكن ليس على أساس حق الدفاع الشرعي لغياب شروطه، وإنما على أساس نظرية الضرورة[109].
الشرط الثالث: أن يكون الاعتداء حالا وحقيقيا:
هذا الشرط هو ما قصد الاشارة إليه الفصل 124 بقوله “إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي..”، والمقصود بذلك أن الاعتداء يجب أن يكون واقعا في الحال أو على وشك الوقوع، بحيث من شأن أفعال الدفاع أن تمنع وقوعه، أو إذا بدأ الاعتداء ولكنه لم ينته بعد إذ يكون من شأن أفعال الدفاع أن تمنع استمراره، ففي قرار للمجلس الأعلى عدد 1449/4[110] فيه “حيث أثار الطالب أما المحكمة دفعا متعلقا بالدفاع الشرعي، إذ أكد أن المتهم هو الذي بدأ بالاعتداء عليه ضربا بالعصا ففر منه ولكنه اقتفى أثره ولم يستطع التخلص منه إلا برد الفعل”، ذلك حين قضت المحكمة بنقض القرار الصادر عن استئنافية الناضور في 27-12-1989 في الملف عدد 2455/89 حيث “خرقت مقتضيات الفصلين 124 و125 لعدم جوابها على الدفع المثار والمتعلق بحالة الدفاع الشرعي، كون الاعتداء حالا ولا مجال لرده غير الدفاع”، فإذا لم يكن فعل الاعتداء حالا ولم يرق إلى درجة الاعتداء المادي فإن المحكمة لا تعتد بالدفاع الشرعي[111].
أما إذا كان الخطر مستقبلا، كأن يهدد شخص آخر بأنه سيقتله بعد مدة، فإن الخطر هنا وإن كان حقيقيا إلا أنه لا يبيح الدفاع الشرعي؛ نظرا لكون المهدد بالخطر له متسع من الوقت يمكنه من اللجوء إلى السلطات العامة للاحتماء بها، كما أنه إذا تحقق الاعتداء وانتهى فلا مجال للدفاع الشرعي لأنه ليس رد للاعتداء بل يعد انتقاما[112].
تجدر الإشارة أنه لا يشكل الخطر الحال الحقيقي أي إشكال في إعمال حق المعتدى عليه للدفاع الشرعي، لكن يثار التساؤل إذ كان الخطر وهميا، يتصور من خلاله المدافع أنه مهدد؛ فيتصرف على هذا الأساس الخاطئ، وبما أن الدفاع الشرعي كسائر أسباب التبرير ذات طابع موضوعي، فيلزم لقيامها أن يكون الخطر الوشيك الحدوث حقيقيا وليس وهميا، والحالة التي يتصرف فيها المدافع نتيجة لخطر وهمي فيعمل بقواعد الغلط بالإباحة.
- شروط فعل الدفاع:
الشرط الأول: أن يكون فعل الدفاع لازما لدفع الاعتداء:
بمعنى أن يكون الدفاع ضروريا، أي هو الوسيلة الوحيدة الممكنة لمنع الخطر من التحقق، وبالتالي فإنه إذا كان بإمكان المعتدى عليه اللجوء إلى السلطات العامة للاستعانة بها في حماية المهدد بالخطر، كون الخطر ليس حالا ولكنه لم يلجأ إليها فإنه لا يجوز له الاحتجاج بحالة الدفاع الشرعي، وسيكون مسؤولا بدوره إن هو التجأ للدفاع بدل استفادته من تلك الوسيلة، ذلك حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد 241[113] “حيث أجابت المحكمة على تمسك المتهم بالدفاع الشرعي، بأنه كان في وسعه أن يدفع الهجوم بدون الالتجاء للسلاح فإن ذلك يكفي لنفي حالة الدفاع الشرعي”.
لكن ثار خلاف حول إحدى الوسائل وهي الهروب، فأعتبر البعض أن توافر هذه الامكانية من شأنه أن يبعد حالة الدفاع الشرعي وأن يجعلها غير قائمة كون الدفاع لم يكن ضروريا، وعكس ذلك فقد ذهب البعض الآخر إلى اعتبار الدفاع الشرعي حق والأولى أن يمارس المعتدى عليه حقه بدل الهروب لما فيه من سخرية تتنافى مع الكرامة الإنسانية، كما أنه لا يمكن اعتبارها في بعض الحالات التي تعود لصفة الشخص المعتدى عليه[114].
كما يفترض شرط لزوم الدفاع ضرورة أن يتجه إلى مصدر الخطر، لأنه إذا لم يتجه إلى مصدر الخطر فإنه لن يمنع الاعتداء من التحقق وبالتالي فإنه لن يكون لازما لرد الاعتداء، ومن ثم فمتى اتجه المعتدى عليه بدفاعه إلى مصدر آخر غير مصدر الخطر فإنه لا يسوغ له الاحتجاج بالدفاع الشرعي، كما إذا تعرض المجني عليه للضرب من طرف شخص ما فأتى أفعال الدفاع ضد ابن الشخص المعتدي[115].
الشرط الثاني: أن يكون الدفاع متناسبا مع الاعتداء:
قد استلزم المشرع صراحة توافر هذا الشرط في الفصل 124/3، وهو شرط اقتضته المبادئ العامة على اعتبار أن ممارسة حق الدفاع الشرعي كممارسة أي حق يجب أن يمارس بدون إفراط؛ إذ في حالة تجاوز حدود فعل الدفاع فلا تأخذ به المحكمة لعدم التناسب[116].
ذلك أنه لا يعني التناسب أن يكون فعل الدفاع أشد من فعل الاعتداء، فإذا استطاع أن يدفع الخطر عنه بفعل أقل جسامة من فعل الاعتداء فلا يجوز له اللجوء إلى ما يحقق ضررا أكبر[117]، كما أنه ليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى فعل شديد الجسامة ويلحق بالمعتدي ضررا أكبر مما ألحقه بالمدافع؛ متى كان ذلك الفعل هو الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر.
منه يتبين بأن شرط التناسب لا يتحقق بالمساواة المجردة بين الأضرار المترتبة عن فعل الدفاع وتلك المترتبة عن فعل الاعتداء، ذلك أنه شرط يتحدد في ضوء الظروف التي أحاطت بكل حالة على حدى وقت الاعتداء[118].
- ثالثا: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي:
لقد تعرض المشرع المغربي لهذه الحالات في الفصل 125[119] من القانون الجنائي، وتعرف بالحالات الممتازة للدفاع الشرعي؛ ذلك لأنه في جميع الحالات الأخرى يلزم المدافع بإثبات توافر شروط الدفاع الشرعي، بينما في هاتين الحالتين لا يكلف بهذا الاثبات، باعتبار أن القانون نص عليهما صراحة وأقام بذلك قرينة قانونية على وجود شرط التناسب بين فعل الاعتداء وبين القتل أو الجرح الذي يرتكبه المدافع[120]، وأن على من يدعي العكس أن يثبت ذلك، فإن استطاع ذلك فإن ممارس الدفاع إذ ذاك سيعتبر لا شك مسيئا في استعماله لهذا الحق وسيعاقب على ذلك.
فالظاهر هنا، أن الشخص كلما وجد في حالة من الحالات الواردة على سبيل الحصر في الفصل 125، اعتبر في حالة دفاع شرعي مهما استعمل من قوة في مواجهة العدوان، فالغاية هنا هي صيانة حرمة المسكن وضمان سلامة قاطنيه من الاعتداءات التي يمكن أن تقع في جوف الليل، أو الحماية من السرقات المرتكبة باستعمال العنف أو النهب بالقوة، إذ تشكل اعتداءات بالغة الخطورة بحكم القانون.
الفقرة الثانية: حالة الضرورة
من الأسباب المطلقة للإباحة التي جاء بها المشرع المغربي في الفصل 124/2 نجد حالة الضرورة والتي تقضي بأنه “لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال التالية: … 2. إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب جريمة، أو كان في حالة استحال معها استحالة مادية اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته“، وحالة الضرورة هي الحالة التي يجد فيها الإنسان نفسه أو غيره مهدد بخطر جسيم وحال يضيق عليه نطاق اختياره فلا يستطيع تلافيه ولا تجنبه إلا بارتكاب جريمة هي ما يعرف بالجريمة الضرورية والتي تمس حقوق الغير[121]، فحالة الضرورة هي حالة الشخص الذي يرتكب عملا اجراميا من أجل إنقاد حق أو مال[122].
يفهم من هذا أن الضرورة تدل في معناها على المبالغة في الضرر، ذلك أن الشخص الذي تحيط به ظروف استثنائية، فيصبح أمام خطر يستحيل تجنبه إلا بارتكاب فعل ممنوع قانونا يكون في حالة الضرورة، بحيث لو ابعدت تلك الظروف الاستثنائية لما ارتكب الجريمة[123]، فالصور التي تتخذها حالة الضرورة متعددة؛ منها حالة من يدفع الخطر الذي يتهدد حقه عن طريق التضحية بحق شخص بريء أقل قيمة من حقه، ومثال ذلك من يكاد يموت جوعا فيضطر إلى سرقة طعام الغير ليسد به الرمق وينقذ حياته، وصورة أخرى تفترض تضحية الشخص بمصلحة شخص آخر للمحافظة على مصلحة أكثر قيمة تعود لشخص ثالث، وهي ما تعرف “بالضرورة الغيرية” نمثل لها برجل المطافئ الذي يضطر إلى اتلاف سور الجيران ليتمكن من دخول منزل محاصر بالنيران لإنقاذ قاطنيه، كما توجد حالات تكون فيها المصالح المتعارضة من نفس القيمة كأن يوجد اثنان من الغرقى على خشبة النجاة التي لا تستحمل إلا واحدا فيضطر أحدهما لدفع الآخر لينجو بحياته.
وقد اختلفت التشريعات الحديثة في تكييف حالة الضرورة، بين من ذهب إلى اعتبارها مانع من موانع المسؤولية؛ على اعتبار أنها صورة من صور الاكراه المعنوي، بينما ذهب البعض الآخر إلى ادراجها ضمن أسباب التبرير؛ انطلاقا من كونها تقوم على أساس علو المصلحة في التبرير على المصلحة في التجريم[124]، هذا ما سنحاول توضيحه على أن نبين الموقف الذي تبناه المشرع المغربي من هذه التكييفات (أولا)، كما قد تمتزج حالة الضرورة في طبيعتها أو في بعض عناصرها مع حالات الاكراه المادي، الاكراه المعنوي وحالة الدفاع الشرعي مما يستحسن معه التمييز بين حالة الضرورة وهذه الحالات المشابهة (ثانيا)، كما سندرج أهم الشروط التي تستلزمها حالة الضرورة وآثارها القانونية (ثالثا).
- أولا: التكييف القانوني لحالة الضرورة:
- حالة الضرورة كمانع من موانع المسؤولية:
ذهبت العديد من الآراء الفقهية إلى تأسيس فكرة الضرورة كمانع من موانع المسؤولية كون الفعل المرتكب في حالة الضرورة لا تزول عنه الصفة غير المشروعة، ولذلك فإن المضطر يستفيد فقط من عدم المساءلة الجنائية، إذ تنعدم لديه الارادة والاختيار فقط أثناء ارتكاب جريمة الفعل الضروري[125]، بحيث يكون عليه إما التضحية بمصالحه أو التضحية بمصالح الغير[126]، وعلى هذا الأساس فإنه إذا كانت جريمة الضرورة تمنع ترتب الآثار القانونية الجنائية بحق مرتكبها، فإنها لا تضفي الصفة المشروعة على الفعل الصادر منه، حيث يعتبر من الناحية الجنائية فعلا مخالفا للقانون، كما يعتبر عملا غير مشروع مدنيا[127].
وهم يؤسسون امتناع المسؤولية في هذه الحالة على الإكراه المعنوي و ذلك لما لتأثير الظروف الاستثنائية لحالة الضرورة على إرادة الفاعل في الحالة التي يهدد فيها الخطر الناجم عن حالة الضرورة على ارادة الفاعل في الحالة التي يهدد فيها الخطر الناجم عن حالة الضرورة شخص الفاعل أو غيره، إذ يبلغ تأثير المدى الذي تتجرد فيه الارادة من الحرية مما لا يبقى أمام الفاعل إلا اللجوء إلى طريق الجريمة الضرورية للخلاص من ذلك الخطر[128]. وقد أخذت العديد من التشريعات بهذا الطرح، حيث اعتبرت حالة الضرورة مانعا من موانع المسؤولية، منها التشريع المصري (المادة 61)، التشريع الفرنسي (المادة 64) والتشريع الايطالي (المادة 49).
إلا أن هذا الاتجاه تعرض لمجموعة من الانتقادات منها، أنه إن كانت حالة الضرورة احدى صور الاكراه المعنوي أو العكس، فكيف يمكن التسليم بكون المضطر كان مكرها في سبيل إنقاد شخص آخر من خطر جسيم ـ ما يعرف بالضرورة الغيرية ـ، ومعنى هذا أن الاكراه يظل غير كاف ليشمل كل حالات الضرورة، كما أن الاكراه يبطل حرية الارادة تماما عكس الضرورة والتي تترك هذه الحرية، فالضرورة بهذا المعنى ليست عنفا منصبا على جسم من يوجد فيها، ولا هي عنف منصب على نفسيته، ومن ثم فلا هي إكراه مادي ولا إكراه معنوي، لأنه لا إكراه حيث لا يوجد عنف[129].
- حالة الضرورة كسبب من أسباب التبرير:
يذهب الرأي الراجح في الفقه الحديث[130]، إلى اعتبار حالة الضرورة سببا من أسباب التبرير، حيث أنها تقوم على نفس مقومات أسباب التبرير عموما، أي تستمد أساسها في التبرير من السياسة الجنائية التي تسمح بارتكاب الجريمة في الحالة التي يرى فيها المشرع بأن هذه الجريمة تستهدف حماية مصلحة أكثر أهمية من المصلحة المضحى بها[131]، فالشخص في حالة الضرورة يواجه اختيارا بين مصلحتين متعارضتين فيقوم بالموازنة بينهما لتحديد أيهما أجدر بالرعاية، ومن ثم فمرتكب الجريمة الضرورية حسب هذا الاتجاه يقوم باختيار سليم عندما يفضل ارتكاب الجريمة والتضحية بمصلحة معينة حماية لمصلحة أخرى تفوقها في الأهمية أو تعادلها. وعدم العقاب على الجريمة الضرورية يبرر على أساس أن الفعل المعد جريمة والذي أتاه الفاعل لا ينطوي على أي انحراف ومن ثم فلا يحتاج مرتكبه أي زجر، بما أن الظروف التي أحاطت به ودفعت إلى ارتكابه للجريمة إنما هي ظروف استثنائية ومستعجلة، تكون فيها مصلحة الفاعل أو غيره مهددة بخطر لا سبيل لرده إلا بالفعل الضروري، وفي هذه الظروف يكون القانون عاجزا عن أداء مهمته، ومن ثم يرخص للشخص في اختيار الحل المناسب[132].
وقد تبنى هذا الاتجاه كل من المشرع السوداني (المادة 48)، المشرع السويسري والاسباني، كما نجد أغلب الفقه الحديث في فرنسا يذهب إلى اعتبار حالة الضرورة سببا من أسباب التبرير شأنه شأن الفقه المصري، ذلك على أساس أن حالة الضرورة تجمع مقومات الاباحة، فهي من جهة تتسع لصور لا يتحقق فيها التأثير على حرية الاختيار ـ الضرورة الغيرية ـ ومن ثم لا يمكن اعتبار الضرورة من موانع المسؤولية، ومن جهة أخرى تقوم على أساس الموازنة بين المصالح المتعارضة والتضحية بالمصلحة البسيطة في سبيل مصلحة تفوقها أو تتساوى معها في الأهمية[133].
- موقف المشرع المغربي من حالة الضرورة:
يتضح من نص الفصل 124/2 من القانون الجنائي، على أن المشرع المغربي يعتبر حالة الضرورة سببا من أسباب التبرير، واستعمال المشرع عبارة ” لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة” يدل دلالة قاطعة على ذلك.
بالرغم من كون المشرع المغربي لم ينص صراحة على حالة الضرورة، إلا أنه لا يمنع تصنيفها ضمن أسباب التبرير، ذلك أن المشرع المغربي لا يستطيع التنصيص على محتوى الفقرة المذكورة عبثا أو بدون قصد، وإنما كانت تنصرف نيته على الأقل إلى اعتبار الضرورة سبب تبرير، ذلك أن المشرع لا يعني أنه لم يأخذ حالة الضرورة كنظرية؛ وإنما لم يحدد شروطها وآثارها بشكل دقيق فقط، ومن ثم فإن المشرع لم يجعل من الضرورة صورة من صور الاكراه؛ سيما أنه أخذ ببعض صورها بصريح العبارة في نصوص خاصة، خاصة أنه عندما لا يصح التنصيص على الاكراه المادي أو القوة القاهرة في هذه الفقرة، حيث أن هذه الحالات لا تدخل ضمن أسباب التبرير حيث أنهما حالات تعدم الارادة من أساسها والاعفاء من العقاب في هذه الحالة يجد أساسه في امتناع المسؤولية[134]، والقول باعتبار الاكراه المعنوي صورة من صور حالة الضرورة يجعل موقف المشرع في محل نظر، إذ معنى ذلك أنه اعتبر الاكراه المعنوي سببا من أسباب الاباحة وهذا ما لم يقم به أي تشريع وأي رأي فقهي، حيث يعتبر الاكراه المعنوي من موانع المسؤولية؛ إذ تجرد الارادة من حرية الاختيار مما يؤدي إلى انتفاء المسؤولية الجنائية، لذلك يجب عدم الجمع بين الحالتين في نص واحد واخضاعهما لأحكام وشروط واحدة[135].
يبدوا من صياغة الفقرة الثانية من الفصل 124، أن المشرع الجنائي قد مزج بين حالة الضرورة والاكراه المادي والاكراه المعنوي، رغم ما يختلفان فيه عنها سواء من حيث طبيعة كل حالة على حدى أو من حيث الآثار المترتبة عن كل حالة.
- ثانيا: تمييز حالة الضرورة عن الحالات المشابهة:
- تمييز حالة الضرورة عن الاكراه المادي:
لا يكفي القول بالتشابه بين الاكراه المادي وحالة الضرورة استنادا إلى الوضع المادي الذي يوجد فيه كل من المضطر والمكره، والناتج عن ظروف خارجية لا أثر لإرادتهما في خلقها أو ايجادها، بل لا بد من التمييز بينهما انطلاقا من مصدر الخطر[136]، والسلوك الارادي لهما، فبينما يكون مصدر الخطر في الاكراه المادي هو الانسان الذي يمارس عنفا على جسم المكره فيشل إرادته بشكل لا يمكن أن نتصور معه إسناد خطأ عمدي أو غير عمدي إليه، ومن ثم انتفاء مسؤوليته الجنائية، فإن مصدر الخطر في حالة الضرورة لا يكون إلا نتاجا عن الظروف التي تحيط بالفاعل فتجعله في وضع مادي لا يستطيع التصرف على إثره إلا بارتكاب الجريمة الشيء الذي يفسر بأن الفعل المرتكب في حالة الضرورة يسند إلى فاعله لأنه يتصرف بتبصر واختيار[137]، ومن ثم فإن النتيجة في الاكراه المادي لابد من تحققها بينما قد لا تتحقق في حالة الضرورة إذا ما اختار الفاعل التضحية بمصالحه وحماية مصالح الغير[138].
وبالنسبة للآثار المترتبة عن الحالتين معا فتختلف، فالضرورة تمارس أثرها في الركن الشرعي للجريمة فتنفيه ويصبح الفعل الضروري مشروعا، أما الاكراه المادي فيباشر أثره في الركن المادي للجريمة؛ إذ يؤدي لانتفائه[139].
- تمييز حالة الضرورة عن الاكراه المعنوي:
عرف الفقه الاكراه المعنوي أنه “ضغط شخص على إرادة آخر لحمله على توجيهها إلى سلوك إجرامي”، وتتفق حالة الضرورة مع الاكراه المعنوي في أن إرادة الفاعل لا تنعدم كلية إذ باستطاعته أن يترك الخطر الحال به يتحقق دون أن يقدم على ارتكاب جريمة، كما يتفقان في كون الجريمة ترتكب ضد شخص بريء.
دليل عملي في لمسطرة نزع الملكية
ومع ذلك فالضرورة تختلف عن الاكراه المعنوي في مجموعة من النقاط، فمن حيث مصدر الخطر يكون ناتجا عن أسباب طبيعية أو عن إنسان بالنسبة لحالة الضرورة، بينما ينتج الخطر في الاكراه المعنوي عن تهديد إنسان دائما[140]، كما يختلفان من حيث تأثيرهما على إرادة الفاعل في اقتراف الجريمة إذ تنحصر إرادة الفاعل في الاكراه المعنوي بين ارتكاب الجريمة أو تحمل الضرر[141] فتنفي الركن المعنوي للجريمة، في حين حالة الضرورة يقوم الفاعل بالموازنة بين مصلحتين متعارضتين لتحديد المصلحة الأجدر بالحماية.
ويستخلص من هذا التمييز بين حالة الضرورة والاكراه المعنوي، أن الأول لا يخرج من طبيعة ذاتية؛ تتمثل في الخوف الذي يستبد بالفاعل فيحمله على ارتكاب الفعل، حيث لم يعد يتمتع بحرية الاختيار تبلغ القدر الذي يتطلبه القانون لكي توصف الارادة في نظره بأنها حرة، فالإكراه بهذا المعنى يدور وجودا وعدما مع تأثر الإرادة دون أي اعتبار آخر، وذلك بعكس الحال في حالة الضرورة التي تأخذ طابعا موضوعيا[142].
- تمييز حالة الضرورة عن الدفاع الشرعي:
إذا كانت أغلب التشريعات والاتجاهات الفقهية والقضائية تعتبر حالة الضرورة سببا من أسباب التبرير مثلها مثل الدفاع الشرعي، فإن ذلك لا يعني أنها صورة ممتازة لها أو العكس كون القانون حدد نطاق أفعال التبرير وميز فيها بينهما من خلال شروطها وآثارها، لكن هذا لا يمنع من وجود نقاط تشابه واختلاف بين الحالتين.
فمن حيث أوجه التشابه، نجد أن الشخص في كلتا الحالتين يدفع خطر غير مشروع، كما يتفقان في كونهما يعتبران من الاسباب المطلقة للإباحة، والتي يستفيد منها كل شخص وجد في تلك الحالة وتوافرت فيه الشروط المتطلبة بدون وجه تمييز، إذ يلجأ إليهما في حالة تحقق الخطر الحال المهدد للنفس أو المال. إلا أنهما يختلفان من حيث مصدر الخطر، فحالة الضرورة تكون نتيجة ظروف طبيعية لا يد للإنسان في احداثها، بينما يكون مصدر الخطر غير مشروع في حالة الدفاع الشرعي يصدر عن المعتدي[143]، ويؤدي ذلك إلى اختلاف آخر هو أن المدافع عن نفسه أو ماله في حالة الضرورة يرتكب الجريمة الضرورية ضد شخص بريء، بينما يدافع الشخص في الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله ضد معتد يكون اعتداؤه جريمة في القانون، ومن هنا كان اشتراط أن يكون الخطر الذي يقيم حالة الضرورة جسيما، وعدم اشتراط ذلك في الخطر الذي يقيم حالة الدفاع الشرعي، بينما يشترط هذا التناسب المطلق بين الفعل الضروري والخطر في حالة الضرورة[144].
- ثالثا: شروط حالة الضرورة وآثارها:
- شروط حالة الضرورة:
حالة الضرورة سبب مستقل من أسباب التبرير، للقول بقيامها يلزم توافر الشروط الآتية:
الشرط الأول: توافر خطر جسيم حال يهدد النفس أو المال:
وبذلك يمكن القول بأن الخطر الجسيم إذا هو استهدف حياة بشرية أو كان من شأنه أن يلحق أذى بليغا، إذ يهدد النفس أو المال ويتساوى في هذا المقام نفس الفاعل أو ماله ونفس الغير وماله، بحيث لا يمكن جبر الأضرار الناجمة عنه إلا بتضحيات كبيرة[145] أو مساوية لها، فأما إذا كان الضرر الناجم عن الخطر ضئيلا فإنه عندئذ لا يمكن القول بقيام الضرورة[146]، وتقدير جسامة الخطر متروك للقاضي في إطار سلطته التقديرية[147]، وليعتبر الخطر جسيما حالا لابد أن يكون وشيك الوقوع، إذ لا يعتد بالخطر المستقبل مادام باستطاعة المهدد به أن يتدبر طريقة لتفاديه غير ارتكاب الجريمة الضرورية[148].
الشرط الثاني: أن لا يكون الخطر قد تسبب فيه عمدا الفاعل للجريمة:
حيث أن فكرة الاضطرار عندئذ تكون منتفية، فالشخص الذي يتسبب في حريق مثلا ويضطر بعد ذلك لارتكاب أعمال ممنوعة للنجاة بحياته أو المحافظة على أمواله لا يتوافر بالنسبة إليه هذا السبب المبرر[149]؛ معنى ذلك أنه إذا تسبب الشخص عمدا في الخطر ودفعه عن طريق الجريمة فإنه لا يستفيد من حالة الضرورة، استنادا لكونه من أوجد الخطر بإرادته واختياره، وقد اعتبر القضاء المغربي أن الفاعل لا يستفيد من الاعفاء من المسؤولية في أحد أحكامه بقوله “وحيث أن المتهم ارتكب خطأ يبقى مسؤولا عنه ما لم يثبت إعفاءه[150]“.
الشرط الثالث: أن تكون الجريمة الوسيلة الوحيدة لتجنب الضرر:
فإذا كان في إمكان مدعي الضرورة اللجوء لأية وسيلة أخرى تغني عن ارتكاب الجريمة ولم يتم اللجوء إليها ابتداء فيعتبر آنذاك مرتكبا لجريمة غير مبررة[151]، هذا ما أكدته أحد القرارات برفضها براءة المتهم ما دام “أنه لم يثبت عدم إمكانية القيام بعملية أخرى”[152].
الشرط الرابع: كون ما وقع التضحية به دون ما أستهدف المحافظة عليه أو مساويا له:
فالهدف هو دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، فإذا انتفت هذه الغاية لدى الفاعل انتفت مباشرة حالة الضرورة، حيث لا يجوز التضحية بحياة إنسان في سبيل حماية المال، إلا أنه يجوز الدفاع عن حياة شخص بالتضحية بحياة شخص آخر إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة لذلك، مع ضرورة أن لا يكون مقترف الجريمة الضرورية هو المتسبب فيها على النحو الذي تم بيانه سابقا.
- آثار حالة الضرورة:
إذا كانت الضرورة سببا من أسباب التبرير فإن أثرها من الناحية الجنائية لا يثير أي إشكال، إذ يترتب على هذا اعتبار الفعل المرتكب لدفع الخطر فعلا مشروعا، مما يؤدي إلى امتناع معاقبة الفاعل أو تطبيق أي تدبير وقائي عليه، كما ينسحب هذا الأثر إلى جميع المساهمين أو المشاركين معه في الفعل إن وجدوا، وعلى اعتبار أن الفعل الضروري يعد مشروعا فإنه لا يجوز مقاومته من طرف من وقع عليه خطر هذا الفعل؛ فالدفاع الشرعي ضد الفعل الضروري غير جائز، ذلك لأن الخطر الممكن مقاومته غير المستند إلى سند قانوني وخطر الفعل الضروري مشروع[153].
لكن التساؤل المطروح عما إذا كانت المسؤولية المدنية للفاعل تنتفي في هذه الحالة أيضا، أم أنه يحق لمن وقع عليه الضرر المطالبة بالتعويض وإن كان الضرر أحدث في حالة الضرورة؟
منشورات ودوريات في مدونة الأسرة
ذهب جانب من الفقه إلى القول بضرورة تعويض المجني عليه عن الأضرار التي لحقته، فعلى اعتبار أنه لم يصدر من المضرور أي اعتداء على مرتكب الجريمة في حالة الضرورة ويكون حرمانه من التعويض والحالة هذه يتضمن مجانبة للعدل والانصاف خصوصا وأن هذا الحرمان سيؤدي إلى إثراء مرتكب الجريمة بدون سبب، وبالأخص كون مرتكب الجريمة قد هدف إلى حماية نفسه أو ماله أو أي حق من حقوقه، وكان من الأولى أن يتحمل هو نفسه الضرر كونه من وجد في تلك الحالة دون غيره[154].
في حين ذهب البعض الآخر، إلى القول بعدم قيام أية مسؤولية في مواجهة الفاعل في حالة الضرورة؛ على أساس أنه لقيام المسؤولية المدنية يلزم توافر الضرر والخطأ اللذان يعدان من الأركان الأساسية للمسؤولية المدنية، وفي حالة الضرورة يتوافر عنصر الضرر فعلا؛ على أساس أن الضرورة تفترض أن يلحق الفاعل ضررا بشخص بريء، لكن الضرر وحده غير كاف لترتيب التعويض؛ إذ لابد أن يكون الفعل المتسبب في الضرر فعلا خطأ، أي أن يأتي الشخص الفعل عن حرية واختيار ومن غير أن يسمح به القانون، فهل يعد الفعل الضروري من الأفعال الخاطئة؟ الاجابة ستكون بالنفي طبعا، على اعتبار أن الاباحة تنفي الخطأ، ومع الأخذ بفكرة وحدة الخطأ المدني والجنائي، فإنه ينتفي تبعا بذلك الخطأ المدني[155].
وباستقرائنا لنصوص قانون الالتزامات والعقود في كثير من المواد أبرزها المادة 77 والتي تقضي بأن “كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر…”، يتضح من هذه المادة عن طريق مفهوم المخالفة أن كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ويسمح به القانون لا يكون محلا للمساءلة المدنية، والفعل المرتكب في حالة الضرورة هو ما يسمح به القانون، ولذلك فلا يصح القول بإدانة المضطر مدنيا والقانون يسمح له بارتكاب الفعل، ولا شك أن هذا البيان الوارد في هذه المادة كاف لتحديد موقف قانون الالتزامات والعقود المغربي من التعويض في حالة الضرورة ذلك بعدم إدانة الفاعل مدنيا لأنه يقوم بارتكاب فعل مشروع يسمح به القانون[156].
الاحالات:
[1] د. عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي ـ القسم العام ـ، الطبعة السادسة 2015، ص116.
[2] د. نظام توفيق المجالي، شرح قانون العقوبات القسم العام، طبعة 2005، ص135.
[3] تعريف فريد الزغبي، ورد في كتاب ـ المسؤولية الجزائية ـ مأخوذ من مقالة إلكترونية حول موضوع “أسباب الاباحة وموانع المسؤولية”، منتديات الحقوق والعلوم القانونية http://www.droit-dz.com/forum/showthread.php?t=4313
[4] د. علي حسن عبد الله الشرفي، الباعث وأثره في المسؤولية الجنائية، الطبعة الأولى 1986 ، ص179.
[5] د. صبحي جميل برسوم، الجرائم المباحة، مقالة منشورة في مجلة الميادين عدد 5، ص69.
[6] د. عبد الواحد العلمي، م.س، ص117.
[7] دة. لطيفة الداودي، الوجيز في القانون الجنائي المغربي ـ القسم العام ـ، الطبعة الأولى 2007، ص143.
[8] د. عبد الواحد العلمي، م.س، ص117.
[9] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص136.
[10] د. صبحي جميل برسوم، م.س، ص70 بتصرف.
[11] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص136.
[12] مجلة قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي دجنبر 2000، العدد 26 ص 164.163.
[13] ملف تحقيق عدد 66/2006، المحكمة الابتدائية بتازة، غير منشور.
[14] مقالة إلكترونية بعنوان “ماهية أسباب الاباحة وآثارها القانونية” منشورة بمنتدى الأوراس القانوني ـ http://sciencesjuridiques.ahlamontada.net/t1909-topic
[15] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص137.
[16] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص137.
[17] د. صبحي جميل برسوم، الجرائم المباحة، م.س ص 67 ـ بتصرف ـ.
[18] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص138 ـ بتصرف ـ.
[19] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص 139 ـ بتصرف ـ.
[20] دة. شادية الشومي، في القانون الجنائي العام، طبعة 2004، ص53.
[22] مقالة أسباب الاباحة وموانع المسؤولية ـ بتصرف ـ.
[23] دة. شادية الشومي، م.س، ص53.
[24] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص140.
[25] دة. شادية الشومي، م.س، ص54.
[26] د. صبحي جميل برسوم، م.س، ص67 ـ بتصرف ـ.
[27] مقالة أسباب الاباحة وموانع المسؤولية ـ بتصرف ـ.
[28] مقالة ماهية أسباب الاباحة وآثارها القانونية ـ بتصرف ـ.
[29] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص136.
[30] د. نظام توفيق المجالي، م.س، ص136 ـ بتصرف ـ.
[31] مقالة ماهية أسباب الاباحة وآثارها القانونية.
[32] د. عبد الواحد العلمي، م.س، ص117.
[33] دة. رشيدة بنسرغين، محاضرات في القانون الجنائي العام، لطلبة الفصل الرابع من مسلك الشريعة والقانون جامعة القرويين كلية الشريعة فاس ص 27.
[34] د. عبد الواحد العلمي ، م.س، ص117 ـ بتصرف ـ.
[35] دة. شادية الشومي، م.س، ص52.
[36] مقالة ماهية أسباب الاباحة وآثارها القانونية.
[37] جاء في الفصل 124 “لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال الآتية:
- إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية.
- إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية، اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
- إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء”.
[38] د. محمد ملياني، القانون الجنائي العام، طبعة 2008 ص51.
[39] د. حسن الشرفي، م.س ص 204.
[40] لقد جاء قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810 لأول مرة بهذا السبب، إذ جاء في المادة 328 أنه “لا توجد جناية ولا جنحة عندما يكون القتل والجرح والضرب قد أمر بها القانون وأمرت بها السلطة الشرعية”، وقد عدل هذا الفصل ليصبح وحسب المادة 122-4 في فقرتها الأولى على أنه “لا يسأل جنائيا الشخص الذي ارتكب فعلا تأمر به النصوص التشريعية أو التنظيمية”؛ وتنص الفقرة الثانية على “وكذلك لا يسأل جنائيا الشخص الذي ترتكب فعلا مأمورا به من السلطة الشرعية، إلا إذا كان واضحا أن هذا الفصل غير مشروع”، أخذ من ” مقالة إلكترونية لمجلة الشريعة والقانون، كلية القانون جامعة الامارات العربية عدد 26 لد. رنا ابراهيم العطور بعنوان ” دور القانون في اباحة التجريم”.
[41] د. جعفر علوي، المعين في شرح القانون الجنائي المغربي فقها وقضاء الطبعة الأولي 2010 ص 89.90.
[42] اذ في حالة ما تسبب هذا الدواء في تسمم من اشتراه، فإنه لا يمكن يصانعه أن يتذرع بحصوله على الترخيص بالبيع باعتباره ترخيصا قانونيا وحالة من حالات التبرير، إذ يبقى هذا الصانع مسؤولا عما يتسبب فيه هذا الدواء المبيع.
فتكون بهذا الشركة مسؤولة عن القتل الخطأ رغم الترخيص الاداري (محكمة السين الفرنسية في 19-09-1657) عبد الواحد العلمي ص123.
[43] المرسوم الملكي ل26 يونيو 1967 القاضي بالتصريح الإجباري ببعض الأمراض المعدية ج.ر عدد 2853 بتاريخ 5 يوليوز 1967.
[44] د. محمد ملياني، م.س ص 53 بتصرف.
[45] د. محمد ملياني م.س ص 54.
[46] د. جعفر علوي م.س ص90.
[47] د. عصام المديني، المرشد في شرح القانون الجنائي المغربي ـ القسم العام ـ ص 136.
[48] د. محمد ملياني، م.س ص55.
[49] دة. شادية الشومي، م.س ص57.
[50] د. حسن الشرفي، م.س ص205-206 بتصرف.
[51] دة. رشيدة بنسرغين، م.س ص 27.
[52] دة. شادية الشومي، م.س ص58.
[53] د. جعفر علوي، م.س ص91.
[54] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص124-125 بتصرف.
[55] د. محمد ملياني، م.س ص58.
[56] جاء في الفصل 258 “اذا أثبت القاضي أو الموظف العمومي أنه تصرف بناء على أمر من رؤسائه، في نطاق اختصاصاتهم التي يجب عليه طاعتهم فيها، فإنه يتمتع بعذر معف من العقاب، وفي هذه الحالة تطبق العقوبة على الرئيس الذي أصدر الأمر وحده”
[57] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص129.128.
كما نورد هنا حكما لمحكمة الاستئناف بالرباط صدر بتاريخ 26 غشت 1959 في القضية عدد 12158 ” اذ أنه بناء على المسطرة الجارية ضد الخليفة والعريفة وعونين، المتهمين بانتهاك حرمة منزل والمشاركة فيه.
بحيث لم تأخذ المحكمة كل من العريفة والعون ولم يتعرضا للعقاب باعتبارهما خاضعين لأوامر الخليفة والذي أعطى بصفة غير قانونية تعليمات من أجل تفتيش المنزل.
حيث بتنفيذهما لأمر سام غير قانوني يجب أن ينتفعا بعدم المآخذة .
وحيث أن عدم المآخذة لا تنمحي به الصبغة الاجرامية للعمل الرئيسي بل تبقى الجريمة قائمة.
وآخذت الخليفة مصدر الأمر في انتهاك حرمة المنزل ومعاقبته في ذلك” ـ العلمي عبد الواحد ص130.
[58] دة. شادية الشومي، م.س ص61.
ينص الفصل 129 على “يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ولكنه أتى أحد الأفعال الاتية:
1.أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية …”.
[59] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص126.
[60] د. جعفر علوي، م.س ص93.
[61] دة. شادية الشومي، م.س ص63.
[62] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص127.
[63] د. جعفر علوي، م.س ص93-94 بتصرف.
[64] نص المشرع الأردني صراحة على هذه الأسباب في المادة 62 من قانون العقوبات، وكذلك في القانون السوري في المادة 185 من قانون عقوباتها، وذهب المشرع المصري في قانون العقوبات في المادة 60 بالقول “عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”.
[65] د. صبحي جميل برسوم، م.س ص74.
[66] د. مقالة الكترونية “ماهية أسباب الاباحة وآثارها القانونية”.
[67] د. صبحي جميل برسوم، م.س ص74.
[68] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مروا ابناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر..”، وقوله أيضا عليه الصلاة والسلام “لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين“.
[69] د. الطاهر كركري، محاضرات في القانون الجنائي العام، محاضرات ألقيت على طلبة الفصل الثاني قانون بالكلية متعددة التخصصات تازة ص 59.
[70] ذلك باستخدام اليد مع عدم جواز استخدام السوط أو العصى، وأن لا يتجاوز تلاث ولا توجه للوجه. ـ د. العطور ابراهيم، م.س ص 121.
[71] د. صبحي جميل برسوم، م.س ص77 ـ بتصرف ـ.
[72] منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي لدجنبر2000 عدد 7.
[73] د. العطور ابراهيم، م.س ص 121.
كما ذهب القضاء الأوربي للمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ” أن قيام أحد الاباء بضرب طفله ضربا مبرحا مخالفا للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والتي تحضر أعمال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة حتى ولو كان مثل هذا التصرف مقبولا وفق نظام القانون الداخلي”
[74] د. الطاهر كركري، م.س ص59.
[75] د. الطاهر كركري، م.س ص60.
[76] د. نظام توفيق المجالي، م.س ص48 ـ بتصرف ـ.
[77] د. حسوني قدور، القانون الجنائي والشريعة الإسلامية ص 56.
[78] د. محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة ج2 انحلال ميثاق الزوجية، الطبعة الأولى 2006 ص137.
[79] إذ أيدت محكمة الاستئناف بمراكش حكم المحكمة الابتدائية في حكمها بتطليق الزوجة على أساس أن زوج المدعية يضربها ذلك بشهادة اللفيف المدلى به من طرف المدعية والذي يؤكد شهوده أنهم يعلمون وبواسطة السماع الفاشي والمستفيض أن المستأنف يضر بزوجته بأنواع الضرر كالشتم والسب والضرب والجرح وأنه لا يعاملها معاملة الزوجة.
– وفي ذلك أيضا قرار صادر في 4 يناير 1994، جاء فيه “في هذا الصدد يجب ألا يغيب عن الزوجين حكمان أحدهما مدني والثاني جنائي، فمن الناحية المدنية، فإن الضرب يسمح للزوجة بأن ترفع على زوجها دعوى التطليق للضرر، بالإضافة إلى المطالبة بالتعويض..”
* قرارات منشورة في مؤلف د. الكشبور م.س ص136.
[80] مقالة ” أسباب الاباحة وموانع المسؤولية”
[81] د. الطاهر كركري، م.س ص59.
[82] د. صبحي جميل برسوم، م.س ص76
[83] د. ابراهيم العطور ، م.س ص160.
[84] د. صبحي جميل برسوم، م.س ص76.
[85] د. عبود السراج، شرح قانون العقوبات القسم العام ـ ج2 ـ نظرية المسؤولية الجنائية والعقوبة، ص97.
[86] د. أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي ـ القسم العام ـ ص 226 بتصرف.
[87] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 159 بتصرف.
[88] مقالة “أسباب الاباحة وموانع المسؤولية”
[89] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص159.
[90] دة. رشيدة بنسرغين، م.س ص 30.
[91] يعرف الدفاع الشرعي عند فقهاء الشريعة الإسلامية بدفع الصائل عملا بقوله تعالى “فمن اعتدى عليكم، فاعتدوا عليه يمثل ما اعتدى عليكم” سورة البقرة آية 193.
[92] دة. شادية الشومي، م.س ص 170.
[93] د. جعفر علوي، م.س ص 101.
[94] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 140.
[95] د. محمد ملياني، م.س ص 62.
[96] د. محمد ملياني، م.س ص 63.
[97] دة. رشيدة بنسرغين، م.س ص 33.
[98] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 143.
[99] منشور بمجلة الأمن الوطني عدد 147، أخد من مؤلف، د. عبد الواحد العلمي م.س ص 143.
[100] دة. شادية الشومي، م.س ص 87.
[101] جاء في تعليل المجلس الأعلى في القرار عدد 1648 ملف جنحي عدد 19737/95 بتاريخ 27-09-1995، منشور بمحلة قضاء المجلس الأعلى ـ الإصدار الر قمي دجنبر 2000 عدد 49-50.
[102] جاء في تعليل المجلس الأعلى في القرار عدد 1449 ملف جنحي عدد 19550/91 بتاريخ 12-07-1995، منشور بمحلة قضاء المجلس الأعلى ـ الإصدار الر قمي دجنبر 2000 عدد 52.
[103] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 148 بتصرف.
[104] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 151.
[105] د. جعفر علوي، م.س ص 106.
[106] دة. بنسرغين رشيدة، م.س ص 32.
– وفي هذا نجد أن محكمة النقض الفرنسية ذهبت أنه على المواطن الخضوع لأوامر ممثلي السلطة حتى ولو كانت مخالفة للقوانين، وله بعد ذلك أن يراجع القضاء للاقتصاص له عن الظلم الذي لحقه وعللت موقفها بكون هذا في صالح المجتمع. أورده د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 151.
[107] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 151.
[108] إذ يعتبر من مستجدات القانون الجنائي، حيث تم تعديل الفصل 418 بموجب القانون 24.03 المتعلق بتتميم وتعديل وتغيير مجموعة القانون الجنائي، والذي يوفر عذر مخفف للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الآخر، بعدما كان يخول هذا العذر للزوج فقط.
[109] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 149.
[110] قرار منشور بمجلة قضاء المجلس اّلأعلى، الاصدار الرقمي دجنبر 2000 عدد 52.
[111] قرار عدد 441، ملف جنحي تلبسي عدد 520/10 بتاريخ 04-08-2010 صادر عن محكمة الاستئناف بتازة ـ غير منشور.
[112] دة. شادية الشومي، م.س ص 87 بتصرف.
[113] قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ـ الإصدار الرقمي دجنبر 2000
[114] ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 27-09-1995 تحت عدد 1648 في الملف الجنحي عدد 19737/95 “إذا كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير وجود الفاعل في حالة دفاع شرعي، فإن تعليل ذلك يجب أن يكون مستساغا عقلا ومنطقا.
لما ذهبت المحكمة في تعليلها بطون ضرورة حالة الدفاع الشرعي تتطلب معرفة ما إذا كان المعتدى عليه يستطيع الفرار أم لا، وأن العارض في النازلة بصفته وظروف تصرفه كان عليه أن يبتعد هرولة أو فرارا من المعتدي، فإن هذا التعليل لا يستقيم عقلا ومنطقا.
بالنظر لوضعية الفاعل في النازلة كشرطي يمثل القوة العمومية…في حالة تراجعه وفراره من وجه شخص يتعدى حدود المقاومة يضعه في وضعية خوف وخذلان تتنافى مع مهمته…”
*د. محمد بفقير، مجموعة القانون الجنائي والعمل القضائي المغربي، ص 76.
[115] دة. شادية الشومي، م.س ص 91.
[116] حيث جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بتازة عدد 434 ملف جنحي عدد 484/10 بتاريخ 01-08-2010 أنه “..لكون الدفاع لم يكن متناسبا مع خطورة الاعتداء”، غير منشور.
– قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة في الملف الجنائي عدد 148/90 بتاريخ 18-05-1990 جاء فيه “الدفاع الشرعي يستلزم أن يكون مناسبا لرد الاعتداء”، من مؤلف د. محمد بفقير، م.س ص 77.
[117] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 153.
[118] دة. شادية الشومي، م.س ص 91 بتصرف.
[119] جاء في الفصل 125 “تعتبر الجريمة نتيجة الضرورة الحالة للدفاع الشرعي في الحالتين الآتيتين:
- القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما.
- الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة.“
[120] د. أحمد الخمليشي، م. س ص 265.
[121] د. جعفر علوي، م.س ص 95.
[122] تعريف دنيديو دفابر، ورد في مؤلف د. محمد التغديوي، حالة الضرورة في التشريع الجنائي المغربي، الطبعة الأولى 2008 ـ ص 8
[123] د. محمد التغديوي، م.س ص 11.
[124] د. محمد التغديوي، م.س ص 32.
[125] د. محمد التغديوي، م.س ص 46.
[126] دة. شادية الشومي، م.س ص 64.
[127] د. محمد التغديوي، م.س ص 46.
[128] دة. شادية الشومي، النظرية العامة لحالة الضرورة في القانون الجنائي المغربي، بحث منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن ـ العدد الثاني 1982 ص 205.
[129] د. محمد التغديوي، م.س ص 53 بتصرف.
[130] كما نجد أن الشريعة الاسلامية تعتبر حالة الضرورة مبدأ عام للإباحة استنادا إلى أنه بالرغم من تحريم أكل الميته والدم ولحم الخنزير وذلك في الظروف العادي، إلا أن الله عز وجل أباح للمضطر في الظروف الاستثنائية التي يضطر فيها لانقاد نفسه من الهلاك ويستفاد ذلك من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كلوا من الطيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميته والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} سورة البقرة الآية 172-173، وكما القرآن الكريم فقد اباحة السنة النبوية ذلك “الضرورات تبيح المحظورات” “الضرر القليل يحتمل في سبيل دفع الضرر الأكبر”.
[131] د. محمد التغديوي، م.س ص 55.
[132] دة. شادية الشومي، م.س ص 206-207 بتصرف.
[133] دة. شادية الشومي، م.س ص 210 بتصرف.
[134] د. محمد التغديوي ، م.س ص 43-44 بتصرف.
[135] دة. شادية الشومي، م.س ص 68.
[136] د. محمد التغديوي ، م.س ص 75.
[137] د. جعفر علوي، م.س ص 94-95.
[138] د. محمد التغديوي ، م.س ص 76.
[139] دة. شادية الشومي، م.س ص 220.
[140] دة. شادية الشومي، م.س ص 221 بتصرف.
[141] د. محمد التغديوي ، م.س ص 79.
[142] د. محمد التغديوي ، م.س ص 80.
[143] د. محمد التغديوي، م.س ص 81 بتصرف.
[144] دة. شادية الشومي، م.س ص 222.
[145] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 132.
[146] د. جعفر علوي، م.س ص 96 بتصرف.
[147] لقد سار القضاء المغربي في هذا الاتجاه، حيث اعتبر أن المتهم لا يستطيع أن يستفيد من البراءة “ما لم يثبت أن ما قام به قد اضطر إليه اضطرارا مطلقا”، قرار المجلس الأعلى بتاريخ 17-10 1967 ـ ورد في مؤلف د. جعفر علوي ص 96.
[148] دة. شادية الشومي، م.س ص 73.
[149] د. أحمد العلالي، د. أسامة عبد الرحمان، ملخصات في النظرية العامة للجريمة ـ محاضرات ألقية على طلبة القانون كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة 2014-2015.
[150] قرار المجلس الأعلى عدد 212، الصادر في 07-05-1969 منشور بمجلة القضاء والقانون ع 100.101، ورد في مؤلف د. جعفر علوي ص 98.
[151] د. عبد الواحد العلمي ، م.س ص 33.
[152] قرار عدد 197، الصادر بتاريخ 26-03-1969، منشور بالمجلة المغربية للقضاء والقانون ع 106.105 ـ ورد في مؤلف د. جعفر علوي ص98.
[153] دة. شادية الشومي، م.س ص 228-229 بتصرف.
[154] د. عبد الواحد العلمي، م.س ص 136 بتصرف.
[155] دة. شادية الشومي، م.س ص 230-231 بتصرف.
[156] د. محمد التغديوي، م.س ص 279 بتصرف.
* ذهب قضاء المجلس الأعلى في بعض أحكامه الصادرة حول حالة الضرورة إلى “اعتبار بأن الفعل المرتكب إذا كان مما لا يعاقب عليه القانون، فإن القضاء المدني يكون ملزما بما قضى به القضاء الجنائي (قرار عدد 169 في 12-04-1969)، لأن الخطأ الشخصي لا يمكن اعتماده اساسا للتعويض في حالة الضرورة لمشروعية الفعل المرتكب في حالة إثبات أن الجريمة المرتكبة كانت الوسيلة الوحيدة لتجنب الخطر المهدد للفاعل هذا ما انتهى إليه المجلس الأعلى عندما اعتبر بأن المتهم “حيث أتبث أنه كان يستحيل عليه القيام بأية محاولة، وأن خطأـ خصمه كان لا يمكن تجنبه إلا بارتكاب الجريمة فإن ذلك كاف للقول بدرء مسؤوليته المدنية (قرار عدد 256 في 04-06-1969). ورد في مؤلف د. التغديوي م.س ص 291.